في قاعة البروفات تراصَ الموسيقيون جنبًا إلى جنب استعدادًا لأداء أغنية العالم إلنا؛ بينما كانت المطربة اللبنانية ماجدة الرومي تتجول بينهم وتستمع بتأنٍ. بدت سعيدة للغاية بأدائهم. انتهى العزف. طلبت ماجدة إعادته مرة أخرى ثم توجهّت إلى آخر القاعة. وصلت إليه وطبعت قُبلة على جبينه وقالت: تسلم روحك كل نوته طالعة صادقة من القلب.
هذا الشخص كان الموزع والمؤلف الموسيقيّ أشرف محروس الذي رشحه المايسترو نادر العباسي لماجدة الرومي ليُعيد توزيع أغنيتي العالم إلنا وحي على الفلاح؛ قبل الحفل الذى أقامته تحت سفح الهرم فى مايو/آيار 2016.
ومحروس واحد من موزعين موسيقيين قلائل (على رأسهم حميد الشاعري) قفزوا بموهبتهم فوق حاجز التجاهل الذي يحول بين الموزع والجمهور. هذا الحاجز الذي جعل بعض شركات الإنتاج تهتم بذكر اسم المؤلف والملحن فقط إلى جانب المطرب وتغفل أحيانًا اسم الموزع؛ الذي يمكن اعتباره في أحيان كثيرة المسؤول الأول عن الشكل النهائي للأغنية أو الأب الشرعي لها، إن صحت التسمية.
اقرأ أيضًا: رياض الهمشري.. عود من ذهب
موهبة فطرية
ساد اعتقاد لدى كثيرين أن محروس حاصل على دكتوراة في الموسيقى، وذلك لأن اسمه لا يُذكر إلا وقبله لقب دكتور لكنّ الحقيقة أنه حصل على الماجستير والدكتوراة من هيئة الطاقة الذرية بعد تخرجه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف من كلية العلوم. وإلى جانب نبوغه العلمي كانت هناك موهبته الموسيقية الفطرية التي يقول عنها محروس "هي من عند ربنا كده.. لا حد قالي فين الدو ولا الرى. عزفت مزيكا لوحدي. وبدأت من وأنا عندي 10 سنين".
بدأ محروس حياته الفنية عازفًا للكي بورد في فرقة ترانزيت باك رفقة طلعت زين وأيمن أبو سيف. وكان عمره وقتها 16 عامًا. وعمل بعد ذلك مع فرقه البيتى شاه. قبل أن يؤسس فرقة (الفراعنة) وكانت تعزف موسيقاه الخاصة. واستمر ذلك حتى تكونت فرقة الموسيقار عمر خيرت التي انتقل إليها محروس وكان عازف الكى بورد الرئيس فيها حتى عام 2005.
"لم يكن فى بالي أن أعمل مؤلفًا أو موزعًا موسيقيًا. كان وقتى مزدحمًا بشكل قاتل. كنت أعمل معيدًا فى هيئة الطاقة الذرية صباحًا. وليلًا أقوم بالعزف مع العديد من الفرق. كنت أعمل 18 ساعة يوميًا" يقول محروس ويضيف: "استمر هذا الوضع، حتى جاءني اتصال من الأستاذ الكبير عمار الشريعى يطلب منى توزيع بعض أوبريتات أعياد الطفولة بدلًا منه نظرًا لمرضه وخضوعه لفحوصات طبية على القلب".
اقرأ أيضًا: نبيل البقلي.. رحلة "الحب والسلام"
الانتشار
من هنا بدأت رحلة محروس مع التوزيع الموسيقى. حققت تلك الأوبريتات نجاحًا كبيرًا واستمرت الشراكة بينه وبين عمار فترة طويلة. قام محروس خلالها بتوزيع موسيقى فوازير رمضان وبعض احتفالات أكتوبر. ووزع أيضًا موسيقى مسلسل حبيبي الذي لا أعرفه بطولة نيللي وإيمان البحر درويش. واستعان به الأخير لتوزيع أغنية (في البحر سمكة) التي صارت لاحقًا واحدة من أشهر أغاني الأطفال.
خبرة محروس مع الفرق الموسيقية الغربية جعلته يدخل سوق الأغنية المصرية من باب إعادة توزيع بعض الأغنيات الغربية التى لاقت شهره داخل مصر. فاستعانت به سيمون في أغنية مبسوطة وهي تمصير لأغنية سوزان فيجا Tom`s Diner. وأغنية قال إيه وهي تمصير لأغنية جلوريا ستيفان Nothin' New.
بعد ذلك، اكتشف محروس المطرب هشام نور وقدمه للمنتج زياد الطويل. أصدر نور ألبومه الأول مش عارف وحقق نجاحًا كبيرًا. وزّع محروس ثلاث أغنيات في هذا الألبوم وأشرف عليه فنيًا.
ارتفعت أسهم محروس بعد هذا الألبوم. الخطوة التالية والمهمة كانت مع محمد منير بداية من ألبوم الطول واللون والحرية وافتح قلبك وممكن.
بدأ محروس يُحلّق خارج السرب. أغنية لمحت الحب لسميرة سعيدة كانت شاهدة على ذلك. جاءت في قالب من موسيقى السوينج التى أعاد فيها استخدام الآلات النحاسية بشكل حىّ فى الوقت الذي كان الاتجاه الغالب فى الأغنية المصرية يقع تحت تأثير إيقاع المقسوم بكافة أشكاله.
سريعًا، نجح محروس في إبراز الجزء الشرقي في توزيعاته بقنابل موسيقية شرقية بحتة في أغنيات لما يجيبوا سيرتك للتونسية لطيفة وساعه عصارى لسميره سعيد وأنت السبب لهاني شاكر.
وكانت لمحروس بصمة واضحة على مسيرة عدد من نجوم تلك الفترة مثل محمد محيي وهشام عباس وعامر منيب وعلاء عبد الخالق وأنوشكا وأمل وهبي وداليا.
وعلى الرغم من أن التعامل مع عمرو دياب اقتصر على أغنيتين فقط هما انسى قلبى وحاولت فى البوم راجعين؛ إلا أنه كان سببا فى إعاده صديق محروس ورفيق دربه طلعت زين إلى الغناء مره أخرى حين طلب عمرو دياب من الموزع أن يضع المقدمة الموسيقية لكليب راجعين؛ وكانت فى إطار من موسيقى التشاتشا التى يبرع فى كتابتها. مزج محروس في الأغنية بين الماضى والحاضر وأداها طلعت زين بنجاح جاذبًا الأنظار إليه؛ ما جعل نصيف قزمان منتج ألبوم عمرو يستثمر هذا النجاح وينتج ألبوم تعالى أول ألبومات طلعت. وأشرف عليه فنيًا محروس.
اقرأ أيضًا: سيد إمام.. مشروع مصري
من المحطات المهمة للغاية في مسيرة محروس الفنية تعاونه مع التونسية الراحلة ذكرى. وجمعت بينهما علاقة إنسانية قوية أيضًا. وزع لها أغنيات عديدة أبرزها عارف تلك التي كانت محاولة جادة لإعادة الغناء الشرقي للطرب والرصانة مرة أخرى.
وهناك أغنية مش فاضلك التي كانت متفرّدة في وقتها إذ اعتمد في توزيعها على الأصوات البشرية فيما يعرف بالأكابيلا. وكذلك أغنية أنا شايفة التي تعتبر تجربة صعبة جدًا قام فيها بدمج لحن شرقي قُح مع موسيقى الجاز.
ومن أكثر المحطات تميزًا في مسيرة محروس تلك التي قرر فيها اقتحام السوق الخليجي بتجربته مع الفنان البحريني خالد الشيخ عبر خمسة ألبومات. والأزمة هنا كانت تتمثل في صعوبة اقتحام موسيقى هذه المنطقة التي تعد شديدة التمسك بأصالة وهوية فنونها.
ورغم ذلك، حرر محروس الموسيقى الخليجية في هذه التجربة من إيقاعاتها المحلية وخصوصية ألحانها. وخرجت هذه الألبومات تحمل مزيجًا متنوعًا بأنماط وأشكال موسيقية لم تعهدها الأذن الخليجية من قبل.
التأليف الموسيقي
شهدت فترة التسعينيات محاولات لإنتاج ألبومات موسيقية تعتمد فقط على مجموعة من المقاطع دون غناء مصاحب لها. هذه المحاولات رغم قلتها شهدت بصمة بارزة لأشرف محروس في عام 1993 حين قام بتأليف وتوزيع ألبوم دموع الكولة.
وهذا الألبوم الذي قام إبراهيم فتحي الشهير بإبراهيم كوله بعزف مقطوعاته كان مخصصًا بالكامل لآلة الكولة. وكان المحطة الأولى لأشرف محروس في مجال التأليف الموسيقي. وبعده تم اختياره لعمل تترات نشرات الاخبار والفواصل بين البرامج لقنوات النيل المتخصصة فى بثها الأول.
كما قام بوضع الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام مثل جرانيتا وعمليات خاصة وصياد اليمام والفاجومى ومفيش فايدة والمركب. واقتحم أيضًا عالم الدراما التليفزيونية بمسلسلات فيرتيجو بتتره المميز محدش مرتاح الذى وقع عليه حسين الجاسمى بصوته. وصديق العمر ونوايا بريئة. كما قام بتوزيع تترات مسلسلات الدالي وسلسال الدم والتتر المميز جدا لمسلسل شارع عبد العزيز وكذلك مولانا العاشق.
العالمية والطريق السهل
دار حديث قصير بيني وبين مطرب عربيّ كبير وجدت أغنياته صدى في الغرب. وقال لي نصًا إنه وجه نصيحة لأحد أشهر المطربين المصريين قائلاً "إذا أردت أن تصنع موسيقى غربية بمذاق شرقي وبأسلوب جديد غير مستنسخ فعليك الاستعانة بأشرف محروس وعمرو أبو ذكري لأنهما الأقدر على ذلك".
كان من الممكن الاعتماد على محروس بشكل أفضل في ظل رغبة الكثير من المطربين تحسس طريق العالمية لكنّ الاستسهال الموسيقى الذي شهدته مصر منذ مطلع الألفية، والتصور الشائع أن الوصول للعالمية مجرد استنساخ موسيقى الغرب وإعادة تغليفها ثم تصديرها لهم مرة حال دون ذلك.