انقطاع الاتصالات والإنترنت عن درنة دفع عبده محمد، المصري المقيم في مطروح إلى الاستغاثة بالمسؤولين لمساعدته في الكشف عن مصير شقيقه حمدي محمد، الذي يعمل في درنة، وفقد الاتصال معه، الاثنين الماضي.
وأكد عبده لـ المنصة، أنه لم يتمكن من الوصول إلى أي جهة أو شخص يؤكد له مصير شقيقه حتى اللحظة "فعمليات الإنقاذ في ليبيا تتم ببطء شديد"، وفقًا لما تابعه خلال الأيام الماضية.
وخلفت عاصفة دانيال الأسبوع الماضي مئات القتلى والمفقودين في أكبر كارثة من نوعها تشهدها ليبيا منذ 40 عامًا، وفق "بي بي سي"، وأكدت مصادر عدة في شرق ليبيا أن السيول التي ضربت درنة ومدنًا أخرى أسفرت عن ضحايا قد تصل أعدادهم إلى الآلاف.
وقالت وزارة الخارجية المصرية إنها تتابع على مدار الساعة الآثار المترتبة على الإعصار دانيال الذي ضرب العديد من المناطق والمدن الليبية، وأسفر عن عدد من الضحايا والمفقودين من المواطنين المصريين، في وقت أعلن المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ الليبية أسامة علي، إرسال أكثر من 170 جثمانا مصريًا إلى مشرحة طبرق لإنهاء إجراءات إعادتهم إلى مصر.
"كتير من المصريين ضحايا الإعصار دخلوا ليبيا تهريب عن طريق الصحراء، بيعيشوا في المدن القريبة من الحدود المصرية، زي طبرق ودرنة وشحات، والنتيجة إن عدد كبير منهم ماتوا علشان يوفروا لقمة عيش" بحزن وقهر يسرد، أسامة شاكر، المصري المقيم في مدينة بني غازي المجاورة لدرنة، تبعات إعصار دانيال المدمر على المصريين الموجودين في ليبيا.
"إما جرفتهم المياه نحو البحر المتوسط، أو ما زالوا تحت أنقاض العقارات التي جرفتها السيول" يؤكد شاكر أن مجموعة كبيرة من المصريين لا تزال مفقودة، وسط تصاعد موجات القلق بين ذويهم، جراء استمرار انقطاع الاتصالات عن المدن المنكوبة في ليبيا.
انهيار السد
وبينما يلقي الجميع اللوم على الإعصار، برأت رجاء جاد المولى الطبيبة الليبية بمركز البيضاء الطبي، أحد المدن المنكوبة، في حديثها لـ المنصة، "دانيال" جزئيًا من الكارثة التي حلت بدرنة، كاشفة أن السبب الحقيقي وراء تضرر المدينة واختفاء أجزاء كبيرة منها هو انهيار سد درنة، نظرًا لتهالكه.
"أقيمت ندوة حول مخاطر انهيار سد درنة الأربعاء قبل الماضي، في بيت درنة الثقافي، ولعجائب القدر توفي منظم الجلسة الشاعر مصطفى الطرابلسي جراء الإعصار يوم الأحد التالي"، بحسب رجاء.
وقدر خبراء أن سدا درنة أطلقا قرابة 30 مليون متر مكعب من المياه (12 ألف حمام سباحة أوليمبي) عند انهيارهما، إذ يبلغ ارتفاع سد درنة 70 مترًا فقط، وهناك سد آخر سفلي أصغر قليلًا، وكلاهما انهارا بفعل الإعصار.
وتسبب ارتفاع السد الأول عن الثاني في حدوث قوة ضاغطة كبيرة جدًا عند انهيارهما، وجرفت المياه 12 كيلو مترًا (7 أميال)، وقضت على كل شيء كان في مسارها حتى وصلت إلى البحر المتوسط، وفق الخبراء.
تحذيرات من وقوع كارثة أخطر من إعصار دانيال
واكتشفت وزارة التخطيط الليبية، عدم استكمال عقود صيانة سدي مدينة درنة "أبو منصور ووادي درنة"، رغم تخصيص عشرات الملايين لها، بحسب ما أكده رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الخميس الماضي.
وبحسب رئيس بلدية درنة، عبد المنعم الغيثي، دمرت السيول قرابة 100 كيلو متر من المدينة، متوقعًا أن تبلغ الوفيات في المدينة بين 18 و20 ألفًا، استنادًا إلى حجم الأضرار، من بين سكان المدينة البالغ عددهم 100 ألف نسمة.
وكشفت الطبيبة بمركز البيضاء لـ المنصة، أن الإعصار جرف حي وسط البلد بالكامل، حيث يقطن الكثير من المصريين الموجودين في المدينة، موضحة أنه حي سكني كبير مكون من عقارات أقلها ارتفاعًا مكون من 5 طوابق، وبكل طابق ما لا يقل عن 4 شقق سكنية.
وتوقعت أن تصل ضحايا الإعصار في المدينة إلى الآلاف، وأوضحت أن عدد المتضررين من الإعصار حتى الخميس الماضي 150 مصريًا و20 فلسطينيًا وعائلة سورية.
انتشار الأوبئة
"الجثث ملقاة في الشوارع" بحسب الشيف المصري أحمد حلاوة، المُقيم في منطقة شحات، مؤكدًا امتلاء المقابر بالموتى، ما دفع عبد الرحيم سلمان مدير عام مركز البيضاء الطبي ورئيس لجنة الطوارئ الصحية بالمركز، للتحذير من وقوع كارثة طبية وبيئية جسيمة أخطر من إعصار دانيال.
وحذر سلمان، خلال حديثه لـ المنصة من مخاطر انتشار الأمراض والأوبئة بالمدن المحيطة بدرنة، نتيجة تحلل الجثث داخل المياه في الشوارع والمناطق المغلقة التي لم تستطع فرق الإنقاذ الوصول إليها، مشيرًا إلى انتشار الأمراض الوبائية المنقولة عبر المياه، والمنقولة نتيجة تحلل الجثث.
55 حالة تسمم بين الأطفال بسبب تلوث مصادر الشرب في درنة
"التنامي الهائل لأعداد الوفيات بسبب الكوارث والنزاعات يولّد خوفًا لا يستند إلى أسس سليمة ولغطًا بشأن تداعيات وجود الجثث، ومن المهم أن تكون المجتمعات المحلية مزودة بالأدوات والمعلومات التي تحتاجها لإدارة الجثث بشكل آمن وكريم" بحسب الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية.
وأضافوا في بيان صدر الجمعة الماضي، أن المجتمعات المحلية تقلق من مصرع عدد كبير بفعل الكوارث الطبيعية أو النزاعات المسلحة، وتعمد لدفن الجثث في مقابر جماعية للتخلص منها سريعًا، خوفًا أن تمثل تهديدًا على الصحة.
وأكدوا أن هذا النهج يلحق الضرر بالسكان، وأن "جثث الأشخاص الذين توفوا بعد إصابتهم بجروح في كارثة طبيعية أو نزاع مسلح لا تمثل خطرًا إلا فيما ندر، ويستثنى من ذلك الوفيات الناجمة عن الأمراض المعدية".
"وجود الجثث قرب مرافق إمدادات المياه أو داخلها قد يسبب مشاكل صحية، لأن الجثث قد تُخرج برازًا وتلوث مصادر المياه، ما يؤدي إلى خطر الإسهال أو غيره من الأمراض"، بحسب البيان.
وأعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض تسجيل 55 حالة تسمم بين الأطفال جراء تلوث المياه في درنة، وقال رئيس المركز حيدر السايح، إن المركز يتوقع ارتفاع حالات التسمم جراء تلوث المياه، بسبب تهالك النظام الصحي بالمدينة، داعيًا لإخلاء المناطق التي تلوثت فيها مياه الشرب من السكان، خاصة النساء والأطفال.
اختفاء شحات
وعن الوضع في البيضاء، قال محمد عوض، المصري المقيم في ليبيا منذ 2013، ويعمل بشركة أدوية، إن "حوالي 200 عقار انهاروا في البيضاء حتى الآن، علاوة على عدد كبير من الاستراحات، من قوة دفع المياه، العربيات دخلت في بعض البيوت كسرتها".
وأضاف عوض لـ المنصة، أن الجثث ملقاة على الأرض في مستشفى طبرق العام، ووصل الأمر إلى علاج المصابين على الأرض، لعدم كفاية الأسرة الموجودة داخل المستشفيات.
"دُمرت مدينة شحات الأثرية، وانتهت كليًا"، وفق أحمد حلاوة الشيف المصري المقيم هناك منذ 2018، علاوة على سقوط عدد كبير من المنازل فوق رؤوس سكانها.
وأدرجت لجنة التراث العالمي، يوليو/تموز 2016، مدينة شحات على قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر، بسبب مخاطر الحرب في البلاد، وكانت آثار قورينة في شحات مستعمرة للإغريق في جزيرة ثيرا وإحدى مدن العالم الهلّيني الأساسية، وتحولت إلى مدينة رومانية وظلت عاصمة كبيرة حتى حدوث زلزال عام 365، وفي ثنايا آثارها التي اشتهرت منذ القرن الثامن عشر يختبئ ألف عام من التاريخ، وفقًا لموقع يونسكو.
وأضاف حلاوة لـ المنصة، أن صديقًا له يقيم في درنة لجأ إليه هربًا من السيول، واصفًا المدينة بأنها "منبع للموتى"، قائلًا "إن ربع درنة اختفى تقريبًا، وجرفت السيول المنازل بسكانها إلى البحر".
ووفقًا للهلال الأحمر الليبي، بلغت حصيلة المتوفين حتى الآن 11 ألفًا و300 ضحية، فيما لا يزال الآلاف في عداد المفقودين، وقالت الأمم المتحدة إن ما يقرب من مليون شخص بحاجة إلى المساعدة.
سائحون في البحر
وكشفت الطبيبة رجاء جاد المولى، أن عددًا كبيرًا من المواطنين لا يزالوا مفقودين في مدينة سوسة، التي يزورها الكثير من الوافدين للسياحة، فالمدينة تقع أسفل الجبل وتطل على البحر، ونظرًا لانقطاع الاتصالات عن المنطقة لم يكتشف ذوي الوافدين مصيرهم حتى الآن.
"المصريون يحصلون على المساعدة والدعم مثل باقي الليبيين"، بحسب الطبيبة الليبية، التي أوضحت أن فرق المنظمات الإغاثية والحكومية والهلال الأحمر الليبي يبذلون جهودًا حثيثة ويسابقون الزمن من أجل إنقاذ المنكوبين وتقديم المساعدة لهم.
وطالب بعض المصريين المتواجدين في ليبيا، خلال حديثهم لـ المنصة المسؤولين المصريين، بإرسال طائرات لنقل المتضررين إلى مصر وعلاجهم فيها، ومراعاة ظروف الضحايا الذين فقدوا أرواحهم خلال بحثهم عن مصدر رزق لهم ولذويهم، مطالبين بتيسير دخولهم إلى مصر.
أكثر من 350 ألف مصري في ليبيا
وأعلنت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها جندي، عن تسجيل 391 مفقودًا في ليبيا معظمهم في درنة المنكوبة وشخص واحد في طبرق، وأن أعداد المصريين المسجلين في قواعد البيانات بلغ 350 ألف مصري بينهم 200 ألف في الشرق، و150 ألف مصري في الغرب، إضافة إلى غير المقيدين.
وفي هذا الإطار، طالب محمد عوض، السلطات المصرية بتسهيل تقنين أوضاعهم وعدم فرض غرامات عليهم، وتيسير وصول جثث الضحايا لدفنها في مصر، وإقامة جسر جوي بين مصر وليبيا لنقل الضحايا.
وبينما تواصل فرق الإنقاذ محاولاتها أملًا في العثور على ناجين، لا يزال عبده محمد يبحث عن شقيقه، إذ يقول لـ المنصة إن "الاتصال عاد أمس الأحد لكن انقطع مرة أخرى صباح اليوم، فالشبكات تضررت في درنه وليس أمامنا سوى البحث على صفحات درنه على فيسبوك عن أهالينا، وفرق الإنقاذ تؤكد وجود آلاف المصريين العالقين داخل سياراتهم جرفهم الإعصار إلى البحر".