مع تزايد ضحايا الإعصار دانيال، وتواتر النشر والحديث عنه، يُغفل كثيرون أنه أحد آثار التغيرات المناخية، التي تؤدي إلى "تغير في أنماط سقوط الأمطار حول العالم، وتحديدًا في المناطق الساحلية، في ظل ما تشهده السواحل من تقلبات عنيفة وسريعة في اتجاهات الرياح ونسبة الرطوبة"، بحسب الخبير البيئي العراقي خالد سليمان، في حديث لـ المنصة.
ومر الإعصار دانيال من مصر أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء، بخفة إذا ما قورن بما أحدثه في اليونان وليبيا، فخلاف انعدام الرؤية والأمطار الغزيرة والرياح الشديدة في المحافظات الساحلية كالإسكندرية ومطروح، لم تحدث آثار كبيرة في القاهرة. أما في ليبيا، فلا يزال عدد الضحايا يتزايد.
وبالأمس، قدَّر الهلال الأحمر الليبي حصيلة ضحايا الإعصار بـ2800 قتيل، ونحو 10 آلاف مفقود قبل أن يكتشف المنقذون نحو 2000 جثة جديدة خلال التنقيب في الساعات الأولى اليوم تحت أنقاض مدينة درنة، وهي المدينة نفسها التي ابتلع البحر أحياء كاملة منها نتيجة الإعصار، وفقًا لرئيس الحكومة أسامة حماد.
ووفق آخر إحصائية معلنة عن وزارة الداخلية الليبية اليوم، فإن ضحايا الإعصار وصلوا إلى 5300 شخص، من بينهم 250 مصريًا، بحسب ما أعلنه مكتب المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، واستقبلت قرية الشريف بمدينة ببا في محافظة بني سويف، وحدها 74 جثة لأبنائها الذين كانوا يعملون في ليبيا، وراحوا ضحية الإعصار.
التغيرات المناخية
ومثل الخبير العراقي، حمَّل مدير مركز التغيرات المناخية التابع لمركز البحوث الزراعية المصري الدكتور محمد علي فهيم، التغيرات المناخية مسؤولية الإعصار دانيال، "بسبب التغيرات المناخية بدأت العاصفة دانيال في اليونان وانتقلت من جنوبها إلى البحر المتوسط ومنه إلى ليبيا".
ويضيف فهيم لـ المنصة أن الأعاصير والعواصف والمنخفضات جميعها مسميات مختلفة للرياح، وفقًا لقوتها وحدتها والظروف الجوية المصاحبة لها.
وزاد في الشرح "إذا بلغت سرعة الرياح درجة معينة تسمى إعصارًا، وإن كانت سرعتها أقل سُميت عاصفة وإن انخفضت السرعة أكثر سميت منخفضًا جويًا، وتتفاوت سرعة الرياح بينها بدرجات مختلفة بين قوي جدًا وضعيف، وتختلف من مكان لآخر وفقا للتغيرات الجوية الطارئة التي تحدث أو تقابلها خلال مسارها".
وربما لذلك اختلف أثر مرور الإعصار في مصر عنه في اليونان وليبيا، وقالت الهيئة العامة للأرصاد في بوست، أمس إن الإعصار وصل غرب مصر الاثنين، وتمتد تبعاته حتى اليوم الأربعاء، عبر أمطار خفيفة، مع نشاط للرياح المثيرة للرمال والأتربة على مناطق متفرقة في البلاد.
وعلق مدير مركز التغيرات المناخية، بأن هطول الأمطار المصاحب للعاصفة دانيال غير متعارف عليه خلال هذا الوقت من العام، فمنطقة شمال إفريقيا تتميز بهطول الأمطار شتاءً وليس صيفًا، ويتبقى 10 أيام حتى يبدأ فصل الشتاء فلكيًا.
ولا يبدو فهيم متفائلًا بما يمكن أن تحدثه التغيرات المناخية مستقبلًا إذ قال "لا يمكن توقع مدى تأثيرها".
غير أن فهيم يستبعد أن يؤثر دانيال في المحاصيل الزراعية المصرية، بحسب المعلومات المسجلة لديهم حتى الآن. فما حدث هو ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء، إضافة إلى خفض درجات الحرارة، وهو شيء إيجابي للمحاصيل.
ليسوا آخر الضحايا
حصد الإعصار دانيال آلاف الضحايا لكن هؤلاء ليسوا أول ضحايا التغيرات المناخية، ولن يكونوا آخرها. وكشفت ورقة بحثية صادرة عن صندوق النقد الدولي، أن الكوارث المناخية في الشرق الأوسط تخلف قرابة 2600 حالة وفاة، وتتسبب في إصابة وتشريد 7 ملايين شخص سنويًا، فضلًا عن خسائر مادية تقدر بملياري دولار.
وحذرت الورقة البحثية نفسها من أن الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ تتزايد بشكل أسرع في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مقارنة بأي مكان آخر في العالم، فقد ارتفعت درجة حرارة المنطقة بمقدار 1.5 درجة مئوية خلال القرن الماضي، أي ضعف المعدل العالمي البالغ 0.7 درجة مئوية.
انبعاثات الكربون في مصر ارتفعت بنسبة 155% بين عامي 1990 و2018
فيما كشف تقرير صادر عن معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري، أن عامي 2021 و2022 شهدا كوارث مختلفة مثل ارتفاع درجات الحرارة لمعدلات قياسية، إضافة إلى حدوث فيضانات وجفاف وحرائق غابات، وزلازل أودت بحياة قرابة 10 آلاف شخص.
وخلفت تلك الكوارث، بحسب معهد جامعة الأمم المتحدة، أضرارًا مادية زادت عن 280 مليار دولار، بخلاف الأضرار البيئية، ومن ضمنها حرائق غابات في حوض البحر الأوسط. وذكر التقرير أن عدد الكوارث الطبيعية حول العالم زاد 5 أضعاف خلال الخمسين عامًا الماضية.
مصر على القائمة
في غضون ذلك، حذر المدرس المساعد بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف إسلام حسنين، من أن مصر ضمن أكثر الدول المتضررة من التغيرات المناخية بسبب تزايد عدد سكانها المتمركزين في دلتا النيل، ذات الكثافة السكانية العالية، متوقعًا أن يُكلف تغير المناخ مصر بين 2 و6% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2060.
وأضاف حسنين، في دراسة له منشورة بمركز ويلسون للأبحاث التابع للكونجرس، أن انبعاثات الكربون في مصر ارتفعت بنسبة 155% بين عامي 1990 و2018، أي 3 أضعاف المعدل العالمي البالغ 50%، لافتًا إلى أن الحكومة وضعت أجندة سياسية متماسكة للعمل المناخي تتفوق مؤسسيًا على العديد من نظيراتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واستعرضت الدراسة تعهد الحكومة المصرية بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 25% بحلول عام 2030، بالإضافة إلى أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في استراتيجيات التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، مثل مضاعفة إنتاج طاقة الرياح، وبناء محطات تحلية المياه والبنية التحتية للسيطرة على الفيضانات.
وأكد حسنين أن عدم كفاية الموارد المالية هو العقبة الرئيسية التي تواجه مصر في الاستجابة للمخاطر المناخية، فمن المؤسف أن تمويل المناخ لا يتواكب مع التأثيرات المتصاعدة وأضرار تغير المناخ.
وخلال قمة المناخ الإفريقية الأولى، التي عقدت الأسبوع الماضي في كينيا، طالب رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، بمراجعة معايير تدفق الاستثمارات في إفريقيا للتأكد من حصول القارة على نصيبها العادل من التمويل، واعتماد تمويلات جديدة للمناخ، إضافية ومنفصلة، لا تُخصم أو تُحتسب من مخصصات الدعم التنموي. واقترح مدبولي استخدام آلية مبادلة الديون بين الدول الإفريقية في تمويل مشروعات مناخية.
وعن الإجراءات الاستباقية التي يمكن للحكومات أن تتخذها لتقليص الخسائر، عوّل الخبير البيئي العراقي خالد سليمان، على أجهزة الإنذار المبكر التي يمكنها التنبؤ بالكوارث طبيعية، داعيًا إلى نشرها في مناطق متفرقة، وهو ما يحتاج تعاونًا إقليميًا بين الدول والحكومات المتجاورة.
وعلَّق "دون هذا التعاون لا يمكن التنبؤ بما سيحدث، وهو ما سيزيد حدة الخسائر المادية والبشرية مستقبلًا"، مؤكدًا أنه "لا يمكن منع العواصف والأعاصير ولكن يمكن تقليص أضرارها".
وفيما يحدد الخبير البيئي طريقة لتقليص الأضرار مستقبلًا، يتمنى المتابعون للإعصار دانيال أن يقف عداد الضحايا، وأن ينتقل المفقودون إلى خانة الناجين وليس الضحايا.