استحوذ تمويل أعمال المناخ على نصيب الأسد من جدول المناقشات الرسمية في ثاني أيام قمة المناخ الإفريقية الأولى، المنعقدة في العاصمة الكينية نيروبي.
وتضمنت مناقشات قادة وزعماء الدول الإفريقية والغربية، في القمة التي تحضرها المنصة، تعديل هيكل التمويل المناخي، وتخصيص حصة أكبر لإفريقيا، ومبادلة الديون بالعمل المناخي، وضخ استثمارات في أسواق الكربون الإفريقية، ومطالب بوضع آليات من أجل تنفيذ تعويضات الكربون.
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن دعم أوروبي للمطالب الإفريقية في قمة المناخ Cop 28، وأطلقت مبادرة السندات الخضراء؛ ما يساعد القارة على جذب 20 مليار دولار استثمارات مستدامة.
غياب المتضررين
وعن مسار اليوم الثاني، وتركيز الأجندة على التمويل وفرض ضرائب على الاقتصاديات المخلتفة لتمويل المناخ، والاستثمار في أسواق الكربون، قال المدير التنفيذي للتحالف الإفريقي للعدالة المناخية، ميسيكا مواندا، إن مسار القمة في عمومه لا يسير في النطاق الصحيح.
موضحًا أن أجندة الجلسات والورش، سواء الرسمية أو غير الرسمية، لم تراعِ تمثيل السكان الأصليين في مناطق متفرقة من إفريقيا، ولم يُشارك عدد كافٍ من سكان المجتمعات المحلية، لمناقشة وضمان سبل وصول التمويلات المناخية إليهم باعتبارهم متضررين رئيسيين من الكوارث المناخية.
وأضاف مواندا للمنصة، أن العدالة المناخية تهتم بتحمل الملوثين تكاليف الأضرار التي تُخلفها التغيرات المناخية على السكان والمجتمعات المحلية في دول الجنوب المتضررة.
وتابع "المناقشات لم تتطرق لسبل ضمان توجيه الدعم والتمويل إلى المتضررين الفعليين من السكان الأصليين والمجتمعات المحلية في أنحاء القارة، واهتم السياسيون بالنقاش حول المبالغ والأرقام التي يذهب مقدار ضئيل جدًا منها لصالح المتضررين الفعليين".
مبادلة الديون بالعمل المناخي
وطالب رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، بمراجعة معايير تدفق الاستثمارات في إفريقيا للتأكد من حصول القارة على نصيبها العادل من التمويل، واعتماد تمويلات جديدة للمناخ، إضافية ومنفصلة، لا تُخصم أو تُحتسب من مخصصات الدعم التنموي.
واقترح مدبولي استخدام آلية مبادلة الديون بين الدول الإفريقية في تمويل مشروعات مناخية، والتحول إلى التمويل الميسر والمنح، من دون قيود للدول النامية.
وشرح الباحث بجامعة ليدز في المملكة المتحدة كيل كوين، للمنصة، المقصود بمبادلة الديون بالعمل المناخي، قائلًا إنه مصطلح يُشير إلى إعفاء الدول من الديون المستحقة عليها للدول المقرضة ومؤسسات التمويل والإقراض الدولية، مقابل تنفيذ هذه الدول لسياسات المناخ المحلية بنفسها، ويُقصد بها إجراءات التخفيف والتكيف والتمويل.
"يُقصد بإجراءات التخفيف تلك التي تتخذها الدول لخفض انبعاثاتها الكربونية الإجمالية عبر وسائل مختلفة، والوفاء بالتزاماتها المحددة وطنيًا لخفض الانبعاثات، وفقًا لاتفاقية باريس للمناخ، أما التكيف فيشير إلى المشروعات والإجراءات التي تنفذها الدولة لمساعدة شعوبها في التكيف مع آثار التغيرات المناخية"، وفق شرح كوين.
أما التمويل المناخي، فأوضح كوين أنه "يعني توجيه الأموال إلى أي شيء يرتبط بالعمل المناخي، كتعويض المتضررين من الكوارث المناخية، وتشمل كذلك مشروعات خفض الانبعاثات الكربونية، والتحول نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، والاقتصاد الأخضر".
واقترح كوين تعديل آلية التمويل المناخي، عبر وضع صكوك تمويلية تتناسب مع تمويل ميُسر، وطالب بتخفيض أسعار الفائدة غير العادلة المفروضة على الدول النامية، بما فيها الرسوم المفروضة من قبل البنوك التنموية، مؤكدًا أن مواجهة تغير المناخ على المستوى العالمي، والتعامل مع تحدياته لن يتحقق إلا بمنظور تعاوني قائم على مراعاة العدالة والظروف الوطنية للدول المختلفة.
4 تريليونات دولار
وطالب رئيس الوزراء المصري بفرض رسوم وضرائب على القطاعات الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار السبل المبتكرة لتمويل المناخ، وأن تفي الدول المتقدمة بتعهداتها التمويلية البالغة 100 مليار دولار سنويًا. ودعا مدبولي الدول الإفريقية إلى الانضمام إلى مبادرات أسواق الكربون، ووصفها بـ"الواعدة".
"الدول النامية والإفريقية لن تفِ بالتزاماتها بخفض الانبعاثات الكربونية دون توفير مزيد من التمويل المناخي"، قالها مدبولي، مضيفًا "لتحقيق الحيادية الكربونية يجب توفير تمويل دولي قدره 4 تريليونات دولار سنويًا للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية".
ضريبة الكربون
أما الرئيس الكيني ويليام روتو، فطالب بضرورة مناقشة كيفية تطبيق آليات نزع الكربون، وسبل التعاون دوليًا في هذا المجال، وآليات تعويض الكربون وطرق تطبيقها وآليات التشريع والتنفيذ على مستوى الدول.
كما دعا إلى زيادة مخصصات التمويل الموجهة إلى القارة من أجل مواجهة الكوراث المناخية التي تُخلف ملايين المتضررين سنويًا.
وعن ضريبة الكربون، قال روتو إن "صندوق النقد الدولي أكد في دراسة له إمكانية تحصيل 870 مليار دولار في حال إقرارها"، دون أن يحدد ما إذا كان هذا المبلغ على مستوى العالم أم أوروبا فقط، مضيفًا "لا توجد إرادة سياسية لإقرار ضريبة الكربون، هناك عوائق كثيرة تواجهنا على المستوى السياسي".
وأشار إلى جهود برلمان الاتحاد الأوروبي في مناقشة ضريبة الكربون كأحد مصادر تمويل ومكافحة تأثيرات التغيرات المناخية على المجتمعات المحلية، قائلًا "إقرارها ليس بعيدًا، نعيد طرح القضية على الطاولة الآن للمناقشة، نريد أن نرى أمورًا تنفذ على أرض الواقع".
دعم أوروبي وأمريكي لإفريقيا
ورحبت رئيسة المفوضية الأوروبية، بدعم إفريقيا لتنفيذ مشروعات وفتح منافذ جديدة لأسواق الكربون، معلنة عن عرض يتمثل في دعم أوروبي لإفريقيا خلال جدول مناقشات قمة المناخ Cop 28 المقرر عقدها في الإمارات نهاية العام الجاري.
وأطقلت لين مبادرة السندات الخضراء بين إفريقيا وأوروبا لتذليل عقبات الوصول إلى أسواق رأس المال الإفريقي. وأعلنت تخصيص مليار يورو لتخفيف مخاطر الاستثمارات في إفريقيا بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي ودول الاتحاد، ما يمكنه أن يُساعد في جذب 20 مليار يورو من الاستثمارات المستدامة.
كما أطلقت مبادرة الروابط الخضراء الجديدة بين إفريقيا وأوروبا، والتي تستهدف الحد من الاحتباس الحراري عبر تعجيل الانتقال إلى مصادر متجددة للطاقة، ومضاعفة قدرة إفريقيا في توليد الطاقة، مؤكدة أن "الأمر ليس يسيرًا ولكنه ليس مستحيلًا".
بدوره، أعلن المبعوث الأمريكي الخاص للمناخ جون كيري، عن تقديم بلاده 30 مليون دولار لتعزيز الأعمال الزراعية والتكنولوجيا، ودعا لتصميم صندوق فعال لمساعدة البلدان النامية على الاستجابة لبرامج التعلم والتطوير خلال Cop 28، مؤكدًا أنه لا يمكن الحديث عن تحول عادل للطاقة عندما لا يكون هناك أي تحول بسبب ديون بعض الدول التي تستنزفها.
من جانبه، أعلن رئيس Cop 28، سلطان الجابر، عن مبادرة بقيمة 4.5 مليار دولار لإنتاج 15 جيجا وات من الطاقة النظيفة في إفريقيا بحلول عام 2030، مطالبًا الدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتمويل المناخ ومضاعفة تمويل التكيف بحلول عام 2025، لافتًا إلى أن العالم لم يحقق النتائج المطلوبة في الوقت المطلوب ولم يصل إلى التمويل الكافي.