ينتظر سعد رخا، أحد السائقين العالقين أمام معبر قسطل الحدودي بين مصر والسودان، في مكانه منذ 58 يومًا، بعد ما تكدست آلاف الشاحنات في مسار طوله حوالي 40 كيلومترًا أمام معبر أرقين، ومسار آخر طوله 16 كيلومترا أمام معبر قسطل.
وكانت الحكومة المصرية قررت منع وصول سيارات البضائع إلى معبري قسطل وأرقين، إذ أجبرت السيارات على التوقف في جراج أعدته في موقف كركر بمحافظة أسوان لتجميع السيارات التي تتوجه إلى معبر أرقين، أما السيارات المتوجهة إلى معبر قسطل فعليها التوقف في جراج في أبو سمبل، وباتت تعطي كل شاحنة رقمًا، ولا تتركها تتحرك إلا عندما يحين دورها.
وقفة رخا جزء من معاناة سائقي شاحنات نقل البضائع أمام معبري أرقين وقسطل الحدوديين مع السودان من التكدس، وتعطيل حركة دخولهم إلى السودان. بجانب نقص الخدمات على جانبي المعبر، ما يُهدد أمنهم وسلامتهم، إذ توفي 15 شخصًا على جانبي المعبر بسبب نقص الأدوية والخدمات، وعدم توافر خدمات الطوارئ الصحية، إضافة إلى سماح سلطات المعبر بمرور السيارات الصغيرة لتفريغ بضاعتها خلال 3 أيام فقط، على حساب الشاحنات الكبيرة التي تنتظر لتفريغ حمولتها مدة تتجاوز شهرين.
تصطف شاحنة رخا منتظرة دورها، يُباعد بينها وبين المعبر شاحنات تمتد إلى 12 كيلومترًا، "مش عارف امتى يحين الدور علشان أعدي للسودان"، يتحسر في حديثه للمنصة على وقت كانت فيه الرحلة من مكان التحميل في مصر وحتى عودته مرة أخرى إلى السودان لا تزيد على 12 أو 15 يومًا.
وزارة النقل كشفت في بيان لها، أن السبب الرئيسي لتكدس الشاحنات هو تباطؤ إجراءات تخليص الجمارك في معبري أرقين وقسطل من قبل الجانب السوداني، الذي يعمل لفترة محدودة يوميًا، تزامنًا مع زيادة حجم صادرات مصر إلى السودان، وهو ما وصفه بعض السائقين بـ"تعطل السيستم".
وأضافت الوزارة أنها قررت تنظيم وصول الشاحنات إلى المناطق الحدودية بنظام التفويج وفقًا لطاقة المنفذ، وذلك عبر تجميع الشاحنات في أسوان للمتجهين إلى منفذ أرقين البري، وفي أبوسمبل للمتجهين إلى منفذ قسطل البري، مع تقديم الرعاية الصحية وخدمات الإعاشة والتغذية لجميع سائقي الشاحنات.
من السبب؟
السائق العالق رخا أشار إلى أن قوات الدعم السريع تتعمد تعطيل حركة مرور الشاحنات بين مصر والسودان، فهي تسيطر على المعابر الحدودية منذ مغادرة الرئيس عمر البشير الحكم، لافتًا إلى أن المعبر من الجانب السوداني يكاد لا يعمل تقريبًا، ويستقبل وينهي عددًا قليلًا جدًا من السيارات يوميًا لا يتجاوز 15 أو 20 سيارة، بينما يمكن للمعبر المصري أن يستقبل، ويُسيّر أكثر من 300 سيارة في اليوم الواحد، لافتًا إلى أن الجانب السوداني يُعطل عبور سيارات كثيرة رغم أنها فارغة ولا تحمل أي بضائع، وذلك منذ 20 يومًا تقريبًا.
وأمام معبر أرقين البري، اتفق محمود رمزي، سائق عالق أمام المعبر منذ 18 يوليو/تموز الماضي، ضمن صف من السيارات، مع رخا في أن الجانب السوداني مسؤول عن تعطيل حركة سيارات البضائع، إذ يُمرر بين 10 و15 تريللا يوميًا، وما بين 30 و40 سيارة نصف نقل "جامبو" أو "فرداني".
تدخل الشاحنة "الحظيرة"، ليجد سائقها "السيستم مش شغال"
اﻷمر ذاته أكد عليه أشرف الدوكار، رئيس مجلس إدارة النقابة العامة للنقل البري باتحاد نقابات عمال مصر، إذ أرجع تكدس الشاحنات المصرية على الحدود السودانية إلى إقرار إدارة المعابر السودانية إجراءات جديدة، وهي نقل البضائع من المعابر الحدودية عبر شاحنات سودانية، وعدم السماح للشاحنات المصرية بدخول السودان، في حين لا تتوافر شاحنات بضائع سودانية كافية، لافتًا إلى أن التجار السودانيون يعتبرون الشاحنات المصرية مجرد مخازن لحفظ بضائعهم على الحدود، "من وقت للتاني يبعتوا كام عربية تنقل حاجتهم وده سبب الأزمة"، على حد قوله.
لكن عبد القادر عبد الله، القنصل السوداني لدى مصر، نفى أن يكون نقص الشاحنات السودانية سببًا في التكدس، مؤكدًا أن الأمر مرتبط ببطء الإجراءات بالجمارك في المعابر الحدودية للبلدين.
وأضاف عبد الله للمنصة، أن السودان لم يتخذ أي قرارات بشأن منع دخول الشاحنات المصرية إلى ولاياته، إنما يبدو أنه قرار من أصحاب الشاحنات لأسباب أمنية، وأكد أنه "لا قيود على حركة الشاحنات المصرية داخل السودان، يمكنها الوصول إلى مدن حلفا ودنقلة، بل وللمدن القريبة من البحر الأحمر وبورسودان ومدني وغيرها".
بلا خدمات
وعن الضرر الواقع على السائقين من تعطيل العمل على جانبي المعبر، اتفق رمزي ورخا أن هناك نقصًا كبيرًا في كل الخدمات، فهم اعتادوا ألا تزيد رحلة نقل البضائع عن 15 يومًا تقريبًا فيحملون ما يريدونه من غذاء ودواء ومياه لفترة تتناسب مع الرحلة، بينما فوجئوا أن مدة الرحلة تضاعفت مرات عدة، وهناك بعض السائقين عالقون لفترة زادت عن شهرين ونصف، ليوضح رمزي أنهم يضطرون لشراء الغذاء والمياه والثلج بأسعار تتجاوز 3 أضعاف سعرها الطبيعي، ويقول "لوح التلج بـ80 جنيه وفي اﻷصل كان بـ 15 جنيه بس".
هنا يتدخل رخا "المنطقة اللي حوالين المعبر من السودان مافيهاش أي خدمات ومافيش مكان نشتري منه أكل أو ميه، وبنضطر نرجع إلى الجانب المصري اللي مافيهوش خدمات غير بياعين بيستغلوا الموقف، ويبيعوا المنتجات بأضعاف تمنها"، علاوة على عدم وجود أي أدوية متاحة للشراء بأي سعر، مؤكدًا أن كثير من السائقين مُصابون بأمراض مزمنة وبسبب طول مدة الانتظار أمام المعبر نفدت أدويتهم.
وكشف رمزي أنه لا يوجد أي مكان لتقديم خدمات طبية طارئة، وأقرب مكان متاح في أبو سمبل ويبعد 150 كيلومترًا عن معبر أرقين، "وفي ناس ماتت قبل ما يوصلوا أبو سمبل"، واتفق السائقان في وفاة 15 مصريًا خلال الفترة الماضية بسبب هذه الظروف.
حديث السائقين ليس ببعيد عن كلام الدوكار للمنصة، بشأن وقوف الشاحنات المصرية في منطقة محايدة على الحدود المصرية السودانية تسمى "خط عرض 22"، وهي منطقة صحراوية غير مأهولة، مقدرًا أعداد السيارات المتكدسة بالمعابر بحوالي 4 آلاف شاحنة، ومؤكدًا وفاة 15 شخصًا على الحدود.
في بيانها ذكرت وزاة النقل إرسال سيارات إسعاف إلى مناطق التكدس وتوزيع مياه ووجبات على السائقين، بينما أكد رخا العالق أمام معبر قسطل، عدم وصول أي مساعدات، إذ عبرت أمامه سيارة إسعاف متوجهة إلى المعبر، ولم تتوقف أو تعرض المساعدة على أي من السائقين، كذلك عبرت سيارة مياه لكنها لم تقدمها لهم أيضًا.
بينما أكد الورداني، العالق أمام معبر أرقين، وصول سيارة ميكروباص عليها شعار "حياة كريمة- الهلال الأحمر" إليهم يوم الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وأنه سأل عن أنسولين لعلاج مرض السكر فأخبروه أنه غير متوفر، بجانب عدم توفر أدوية الكبد والسعال.
كما أكد رئيس مجلس إدارة النقابة العامة للنقل البري، أن النقابة صرفت تعويضًا قدره 10 آلاف جنيه لأسرة كل متوفٍ، وأنها تسعى لعمل وثيقة تأمين على حياة السائقين المسافرين على الحدود البرية لضمان حقوقهم المادية.
عملية معقدة
وأوضح السائقون الذين تحدثوا للمنصة أنه غير مسموح لهم إلا بالدخول حتى دنقلة، التي تبعد عن المعبر قرابة 400 كيلومتر، وهناك يُفرغون الحمولات إلى شاحنات سودانية، ولا يمكنهم الدخول بسبب ظروف الحرب داخل السودان.
وأضاف الورداني أن الأزمة الفعلية تكمن في سقوط الخدمات الإلكترونية في السودان، فبعدما تدخل الشاحنة "الحظيرة" (مكان انتظار السيارات باللهجة السودانية) من أجل إنهاء الأوراق ودفع الجمارك، يجدون "السيستم مش شغال"، ويضطرون إلى إرسال أوراق الشاحنات إلى الخرطوم، وسداد الجمارك، وهي عملية طويلة ومعقدة تستهلك وقتًا طويلًا.
وشكى الورداني من فرض السودان تأشيرات دخول على السائقين المصريين الذين يتحركون بين البلدين لنقل البضائع، موضحًا أن مكاتب إنهاء التأشيرات رفعت قيمتها من 6 آلاف إلى 12 ألف جنيه، وباتت المكاتب تخبرهم أن "استيكرات التأشيرة" نفدت ولا يمكنهم الحصول على تأشيرات في الوقت الحالي.
من جهته، نفى قنصل السودان لدى مصر توقف السفارة عن إصدار تأشيرات للسائقين المصريين، وقال إن "السفارة تعطي ما بين 30 و40 تأشيرة يوميًا، تسمح لهم بالعبور لمدة 6 أشهر تقريبًا"، لافتا إلى أن الأمر معكوس تمامًا، فالسائقون السودانيون "محرومون من التنقل بين البلدين والمساهمة في نقل البضائع والركاب، إثر توقف مصر عن منح تأشيرات للسودانيين".
وفي يونيو/حزيران الماضي، فرضت السلطات المصرية اشتراطات جديدة لدخول السودانيين مصر، وألزمتهم بالحصول على تأشيرة مسبقة، مرجعة ذلك إلى اكتشاف "أنشطة غير مشروعة" منها إصدار تأشيرات مزورة.
في انتظار اللجنة
وكشف القنصل السوداني أن اللجنة المصرية-السودانية المشتركة لمناقشة وضع المعابر الحدودية بين البلدين، كلفت إدارة المعابر في الدولتين بالتنسيق، وعقد اجتماعات دورية لتلافي أي مشكلات أو تعطيل لإجراءات العبور، لكن يبدو أن هذه الاجتماعات غير منتظمة وهذا ما سبب مشكلة تكدس الشاحنات بالمعابر، موصيًا بالتنسيق بين وزارتي النقل في البلدين لترتيب اجتماع عاجل للجنة المشتركة للنقل البري لبحث الأزمة وسرعة حلها، واعتماد هيئة وادي النيل للملاحة المصرية السودانية التي أُنشأت لتسهيل انتقال حركة الركاب والبضائع بين البلدين لتخفيف الضغط على المعابر.
وأشارت وزارة النقل المصرية إلى أنها تُنسق مع محافظة أسوان والهيئة العامة للطرق والكباري لبدء توسعة وتطوير المناطق اللوجيستية الحالية في وادي كركر وأبوسمبل لاستيعاب حركة الشاحنات المتزايدة، إضافة إلى إنشاء مناطق خدمية تشمل دورات مياه وكافيتريات ومسجد، مع تواجد نقاط إسعاف.
ولحين وضع حلول من اللجنة، يرى عمرو شحات، الأمين العام السابق لنقابة النقل والمواصلات، أن النقابة مسؤولة عن التحرك العاجل لمخاطبة الأجهزة والجهات المعنية من أجل الحفاظ على أمان وسلامة السائقين.
وفي الوقت الذي يطالب شحات، في حديثه للمنصة، بتوفير أدوية لتلبية احتياجات السائقين أصحاب الأمراض المزمنة، يناشد رخا تدخلًا عاجلًا من الدولة وخاصة القوات المسلحة لإنقاذهم من "طريق ما بيخلصش".