منشور
الأربعاء 19 يوليو 2023
- آخر تحديث
الخميس 20 يوليو 2023
يتفقد الصياد محمد مراد الهسي أثر الرصاصات الإسرائيلية التي اخترقت مركبه قبل 9 أشهر، فيما يعمل الصيادون معه على إعادة ترميمه، وتغيير شباك الصيد المتآكلة إثر تقلبات الأحوال الجوية، وحرارة الشمس، بعدما استعادها أخيرًا في 14 يوليو/تموز الجاري، من الاحتلال الإسرائيلي.
ومركب الهسي واحدة ضمن عشرات المراكب التي يصادرها جيش الاحتلال لصيادين من غزة، بمزاعم اجتيازها للمناطق المسموح بها للصيد، وبعضها تقدم طلبات لمصادرتها من ضمنها هذا المركب، الذي صدر قرار من المحكمة البحرية الإسرائيلية في حيفا مؤخرًا بالإفراج عنه بشكل مؤقت على ذمة القضية.
ذهبت المنصة إلى ميناء الصيادين، حيث يقف المركب، "يوم الجمعة، إجانا اتصال من الشؤون المدنية الفلسطينية، بلغونا فيه إنه الجيش (الاحتلال الإسرائيلي) ترك المركب بالبحر، شمال القطاع، وبعتولنا موقعه على الـ GPS، بالفعل توجهنا للمكان، والمركب ما كان بشتغل، وسحبناع بمركب تاني"، يقول الهسي للمنصة فيما يشارك زملاءه تغيير كافة الأحبال الحديدية المستخدمة بسبب تآكلها من الصدأ، يعيدون تركيب أجهزة الـ GPS والشاشات، بينما يعمل الميكانيكي المختص على إعادة إصلاح موتور المركب، تمهيدًا لإعادته لرحلات الصيد.
والهسي البالغ من العمر 50 عامًا، هو أحد مُلاك المركب، و لم يختبر عملًا غير الصيد منذ امتهانه في 1986، لذا عاش الشهور الماضية في ضيق هو وكل من كانوا يُرزقون من المركب التي كلفتهم عودتها الكثير.
أوضح الصياد أنّ مركبه الذي كان يعمل على صيانته قبل فترة قريبة من عملية الاحتجاز في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أصبح بحاجة إلى صيانة ومعدات جديدة، قائلاً "إللي صار عملية إعدام لمعدات المركب، لقينا موتور المركب واقف عن العمل، وبنحاول نصلحه، شباك الصيد تالفة، كما أجهزة الـ GPS والشاشة، لدينا خسارة مالية تقدر بأكثر من 30 ألف دولار، ولازال العمل على إصلاح موتور المركب جاري".
وما يحتاجه المركب ليس آخر ما أنفقه الصياد على استعادته، إذ اشترطت المحكمة الإسرائيلية، وهي المحكمة المختصة بالنظر في كل ما يتعلق بالقضايا التي لها علاقة بالبحر، دفع 100 ألف شيكل (نحو 30 ألف دولار)، نصفهم يودعه صاحب المركب لدى صندوق المحكمة إلى حين انتهاء القضية وصدور الحكم النهائي، والنصف الآخر يدفعه كفيل فلسطيني من الداخل المحتل عام 1948، كضمانة لعدم ارتكاب الصيادين أي مخالفة خلال الفترة المقبلة، قد تؤدي إلى احتجاز المركب مرة أخرى، ومصادرة قيمة الكفالة المالية التي أودعها الكفيل في صندوق المحكمة.
اعتداءات مستمرة واحتجاز متواصل
ولا تعد الاعتداءات الإسرائيلية على الصيادين ومراكبهم، والتي وصلت حد القتل وليدة اللحظة، لكنها نشطت في سنوات الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة منذ العام 2007 وحتى يومنا هذا. علمًا بأن أعداد الصيادين في القطاع تتجاوز 3600 صياد.
تقول محامية جمعية جيشاه "مَسْلك" منى حداد، وهي جمعية حقوقية إسرائيلية غير حكومية تعنى بالدفاع عن حقوق سكان قطاع غزة أمام القضاء الإسرائيلي للمنصة، "خلال سنوات حصار غزة، تابعنا عمليات رش المياه العادمة وإطلاق النار على الصيادين سواء بشكل مباشر أو في محيط أماكن تواجدهم، إلى جانب عملية احتجاز القوارب، بحجة اختراق المنطقة المحاصرة".
وفي عام 2018، كان الاحتلال الإسرائيلي يحتجز 64 قارب صيد فلسطيني، وتقدمت جمعية مَسْلك بالتعاون مع جمعية عدالة، والتي تعمل أيضًا في المجال الحقوقي، بالتماس للمحكمة الإسرائيلية ضد الاحتجاز، معتمدين على أنه لا أساس قانوني يدعمه، وبالفعل تم تحرير كافة القوارب المحتجزة في وقتها، وفق المحامية نفسها.
ورصد التقرير السنوي لمركز الميزان لحقوق الإنسان، احتجاز البحرية الإسرائيلية، 23 مركبًا للصيادين في قطاع غزة خلال العام 2022، فيما رصد المركز خلال تقريره نصف السنوي للعام 2023، احتجاز 6 مراكب صيد و 161 عملية إطلاق نار على الصيادين في بحر غزة. في وقت قالت وزارة الزراعة الفلسطينية، أن الاحتلال الإسرائيلي، مازال يحتجز 30 مركب صيد صغير بالإضافة إلى معدات أخرى خاصة بصيادي القطاع.
تقنين احتجاز المراكب
طلب البحرية الإسرائيلية الذي تقدمت به لمحكمة البحرية الإسرائيلية في حيفا لمصادرة قارب الهسي، لم يكن الطلب الأول، إذ سبق وتقدمت بطلب لمصادرة مركب شقيقه جهاد في فبراير/ شباط 2022 بدعوى اختراقه المساحة المسموحة للصيد، قبل أن يتم الإفراج المؤقت عنه بعد ثمانية أشهر من الاحتجاز.
ويعد ذلك تقليدًا جديدًا لم يكن متبعًا قبل واقعة جهاد بحسب المحامية منى حداد، التي أوضحت أنه بعد العام 2018 استمرت البحرية باحتجاز مراكب الصيادين، أحيانًا يتم إعادتها بعد أيام أو أشهر، وربما تمتد فترة الاحتجاز لسنوات، حتى العام 2022 حين قدمت طلبات للمصادرة، أي "تحويل مُلكية القارب إلى الدولة الإسرائيلية، رغم معرفتها بأوضاع صيادي قطاع غزة وأوضاع مراكب صيدهم السيئة"، على قولها.
وأضافت محامية مَسْلك "الإدعاء الإسرائيلي أرجع طلبه الأول لاحتجاز قارب جهاد، لاجتيازه المنطقة المسموح بها في الصيد في قطاع غزة 60 مرة، بينما حدد اجتياز القارب الثاني لأخيه بأكثر من 120 مرة".
وحددت اتفاقية أوسلو التي وُقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية والجانب الإسرائيلي عام 1993، مساحة الصيد بـ 20 ميلًا بحريًا كحد أقصى، على أن تكون هذه المساحة خاضعة بكاملها للفلسطينيين. وتلاعب الاحتلال الإسرائيلي بتلك المساحة بعد العام 1996، وصولاً إلى فرض الحصار عام 2007، لتحدد مسافة بين 6 إلى 15 ميلاً بحريًا، تقوم بتقليصها أحيانًا لأسباب أمنية.
وتعلق حداد أن "الدولة (إسرائيل) لا صلاحيات لها بمصادرة القوارب، كما أنّ المحكمة لا صلاحيات بها للبت في هذا النوع من الطلبات".
وأكدت المحامية الممثلة للصيادين في القضيتين، أنّه لا يوجد أي إدعاء إسرائيلي على أنّ المراكب كانت تستخدم في أعمال تهريب أو أي أعمال أخرى غير الصيد، قائلة "البحرية الإسرائيلية اعترفت في المحكمة أنّه حتى الصيادين وإن اجتازوا المنطقة المسموحة للصيد، كان الاجتياز من أجل صيد أكبر للأسماك، من حيث الكمية ونوعية الأسماك المصطادة، ومن أجل كسب رزقهم وكسب الأموال".
والآن، بينما يأمل الهسي في إصلاح مركبه والعودة للصيد على متنه، لا زال يتذكر الشهور الماضية بعد احتجاز المركب الذي يصطاد عليه منذ 10 سنوات، وكيف تحول من صاحب مركب إلى العمل على مراكب صغيرة بشكلٍ متقطع ليتمكن من توفير بعض المصروفات المنزلية.
خلال تلك الفترة، حاول الهسي استصدار تصريح عمل في الداخل الإسرائيلي، إلا أنه رُفض مرتين من الاحتلال دون إبداء أسباب، قائلاً "في غزة وتحديدًا الصياد، بتشتغل بتاكل، ما بتشتغل ما بتاكل، هي مهنتنا وحياتنا".