منشور
الأربعاء 31 مايو 2023
- آخر تحديث
الأربعاء 31 مايو 2023
السناتور المقصود ليس كأي من الأعضاء المائة لمجلس الشيوخ الأمريكي، بل رئيس أهم لجنة تشريعية وأكثرها تأثيرًا في التعامل مع العالم الخارجي والتصديق على تعيين أي وزير أو سفير أو وظيفة سياسية؛ هو السناتور الديمقراطي روبرت (بوب) منينديز (69 سنة)، العضو المخضرم عن ولاية نيوجيرسي.
تزوج منينديز قبل ثلاث سنوات من سيدة الأعمال من أصل أرمني نادين أرسلانيان، التي كانت من معارف وأصدقاء المهاجر المصري الأمريكي وائل حنا، الذي داهمت المباحث الفيدرالية الأمريكية مكتبه عام 2019، وفتشته واحتجزت جواز سفره وبعض متعلقاته لفترة طويلة، في تحقيقات لم تنته بعد، لمعرفة ما إذا كانت الهدايا التي منحها لأرسلانيان وصديقها آنذاك، ثم زوجها لاحقًا، السناتور مينينديز، هدايا بين أصدقاء بدون مقابل سياسي أم غير ذلك.
شملت الهدايا محل التحقيق سيارة مرسيدس ومجوهرات ورحلات، وشقة فاخرة في العاصمة واشنطن. ودارت الشكوك حول انتفاع السناتور، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، من حنا أو الحكومة المصرية التي أعطت شركة حنا، الذي لم تكن له أي سوابق باستيراد وتصدير اللحوم أو معرفة بالمتطلبات الشرعية للحلال الإسلامي، وحده احتكار إعطاء رخصة "حلال" لأي متعاقد أو شركة تريد تصدير اللحوم من أمريكا إلى مصر، بعد أن كانت سبع شركات أمريكية تعطي تلك الرخصة، وبرسوم تقل عن عُشر الرسوم الحالية.
السناتور واتهامات الفساد
تمتد خبرة بوب منينديز في الكونجرس لثلاثين سنة، منذ انتخابه عضوًا بمجلس النواب عام1993، وظل يُعاد انتخابه كل سنتين، حتى تركه عام 2006 ليدخل المجلس الأعلى، وهو مجلس الشيوخ، حيث يعُاد انتخابه كل ست سنوات، كما يستعد لإعادة انتخابه العام المقبل لفترة رابعة.
لم يكن فوز منينديز سهلًا في الانتخابات الأخيرة عام 2018، فقد جاءت بعد ثلاث سنوات من اتهامه رسميًا بالفساد، وتلقي رشاوى عينية تصل قيمتها إلى مليون دولار، من طبيب عيون ساعده السناتور في الحصول على تسهيلات ووساطات.
ورغم قوة الأدلة والتهم الرسمية، لم يتمكن القضاء من إدانته في المحكمة عام 2015 لانقسام آراء هيئة المحلفين بشأن إدانته. وبالتالي، أسقطت وزارة العدل، في عهد ترامب، التهم التي كانت موجهة للسناتور الديمقراطي، بعد أن وجهت له لجنة الأخلاقيات بالمجلس توبيخًا، وتنبيهًا بقواعد النزاهة وعدم تعارض المصالح.
لكن لم يمر عام على إسقاط وزارة العدل التهم السابقة، حتى عادت مباحثها الفيدرالية لبدء تحقيق جديد أواخر عام 2019 في الهدايا التي حصل عليها وصديقته، التي أصبحت زوجته لاحقًا، من المهاجر المصري وائل حنا.
جانب من التحقيق مع رجل الأعمال المصري الأمريكي حنا هو ما إذا كان وسيطًا سياسيًا لصالح الحكومة المصرية بشكل غير رسمي لدى السناتور الأمريكي المؤثر، دون أن يسجل اسمه وشركته للوساطة السياسية كوكيل أجنبي لدى وزارة العدل الأمريكية، كما ينص قانون اللوبي والوساطة الأمريكي.
لكن هذا ما نفاه بشدة كلا الطرفان: حنا ومنينديز.
شركة أمريكية تحتكر الحلال إلى مصر!
قبل أن يربط المحققون الأمريكيون في الأشهر الأخيرة بين اسم السناتور وزوجته وبين مصدر الهدايا والمنافع التي تتردد اتهامات بشأنها، كانت الضجة المثارة في الصحافة الأمريكية هي قصة الشركة الصغيرة، المسجلة في ولاية نيوجيرسي عام 2017 وبدأت تمارس عملها بعد عامين من التسجيل، لتصبح دون مقدمات صاحبة الاحتكار في أمريكا، ثم في العالم، لإصدار شهادات الحلال لكل صادرات اللحوم والدواجن والألبان إلى مصر.
المصادر التي كشفت القصة جاءت وقتها من وزارة الزراعة الأمريكية، المعنية بصادرات وواردات المواد الغذائية، وبناء على معلومات، منها تصريحات ممثل وزارة الزراعة في السفارة الأمريكية بالقاهرة. كشف موقع مدى مصر عام 2019 عن قصة شركة ISEG Halal/المصرية الإسلامية لشهادات الحلال، التي أسسها المهاجر المصري وائل حنا، الذي لم يسبق له العمل في توريد اللحوم إلى أي بلد، فإذا بالحكومة المصرية تقرر فجأة رفض الشهادات التي كانت تصدرها من شركات أخرى في أمريكا لموردي اللحوم إلى مصر، مكتفية بشركة حنا وحدها.
ورفعت الشركة الجديدة صاحبة الاحتكار رسوم إصدار شهادة الحلال إلى خمسة آلاف دولار عن كل شحنة، بعدما كانت في السابق بين 10 إلى 20 دولارًا للطن المتري. وبعد أن خسرت الشركات الأخرى بأمريكا أعمالها، ومن أصحابها مهاجرون مصريون بالمثل، أبلغت الحكومة المصرية باقي مصدري اللحوم في البرازيل وأمريكا اللاتينية، أنها لن تقبل بشهادة حلال إلا من شركة واحدة، هي شركة المصرية الإسلامية، وهو ما امتد للهند وغيرها من دول العالم مع إرساء حنا ممثلين لشركته في أنحاء العالم.
أثار القرار استغراب وريبة مسؤولي وزارة الزراعة الأمريكية، الذين يؤكدون أن مصر أصبحت الدولة الوحيدة التي تستورد لحومًا ودواجن أو ألبان من أمريكا ولا تقبل سوى رخصة حلال سوى من شركة واحدة. كما صرح أحدهم بأن الزيادة الكبيرة في رسوم الشهادة تزيد من سعر كيلو اللحم المستورد على المستهلك المصري في نهاية المطاف، وتعود بأرباح هائلة على الشركة المحتكرة، خصوصًا وأن متوسط واردات مصر من اللحوم تصل 630 ألف طن سنويًا.
نقلت صحيفة نيويورك تايمز في الثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الأوراق التي قدمها محامي وائل حنا مدافعًا عن نفسه ومطالبا باستعادة جواز سفره حتى لايتعطل عمله، أوضح فيها أن الحكومة المصرية هي التي اختارته وقدمت له الدعم والخبرة للترخيص بالحلال. ومما نقلته الصحيفة عما قاله للمحكمة، "أنا كمسيحي، ليست لدي خبرة في إصدار شهادات الحلال، بالتالي أمدتني الحكومة المصرية بالأئمة والبيطريين المدربين لمساعدتي".
وكان المحامي، الذي سجل له الشركة بأمريكا، من أصل أرمني واسمه آندي أصلانيان، ويعرف نادين أرسلانيان زوجة السناتور منينديز منذ ربع قرن، كما أنه قدم خدمات قانونية عام 2016 للحكومة المصرية بشأن مبنى اشترته في نيوجيرسي.
ولتوضيح أنه لا علاقة للمسؤولين الأمريكيين بالاحتكار المفاجئ للشركة الناشئة لشهادات حلال، أوضح حنا للمحكمة في المذكرة القانونية أن الحكومة المصرية أرادت أن تمنع الإخوان المسلمين من تمويل أنشطتهم عن طريق الشركات العديدة التي تُصدر شهادات الحلال لواردات اللحوم، وبالتالي تعاملت معه وحده لضمان أنه ليس من الإخوان المسلمين!
لم يتضح بعد مدى وجود أدلة لدى المحققين الفيدراليين الأمريكيين ضد الشركة وصاحبها أو محاميها السابق أصلانيان، أو ضد السناتور منينديز وزوجته أرسلانيان، فكلا الطرفين ينفي تهم وجود هدايا كسيارة أو مجوهرات. بينما أضاف السناتور في إقرار ذمته المالية المقدم للكونجرس معلومات عن مجوهرات لم تسجلها زوجته من قبل، وكذلك سبائك ذهب تصل قيمتها لنحو ربع مليون دولار، مؤكدين نزاهتهم.
كما بدأ السناتور في جمع تبرعات لصندوق الدفاع القانوني عنه في حالة توجيه اتهام جنائي رسمي ضده مرة أخرى، مثلما حدث قبل ثماني سنوات، وانتهى الأمر وقتها بسجن الطبيب مقدم الرشاوى وسقوط الدعاوى ضد السناتور، وإن لم يحصل على البراءة.
كانت آخر زيارة للسناتور منينديز إلى مصر في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث خرج بعد استقبال الرئيس السيسي له يؤكد متانة العلاقات الأمريكية المصرية، ودعم الكونجرس والإدارة الديمقراطية لجهود مصر في مكافحة الإرهاب.