صفحة المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية
السيسي وبايدن في شرم الشيخ، نوفمبر 2022

أمريكا مع مصر.. شريك لا يحب الرفيق

منشور الأربعاء 12 أبريل 2023

بغض النظر عن مدى صحة الوثائق السرية التي تسربت عن هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، برصد المخابرات الأمريكية تعليمات وخطط مصرية لإنتاج أربعين ألف قذيفة مدفعية لدعم المجهود الحربي الروسي، فمن المؤكد رسميًا على لسان المسؤولين الأمريكيين أن مصر "لا تمد حاليًا" روسيا بأي ذخيرة أو أسلحة.

وبينما ينفي الجانب المصري الرواية الصحفية والتجسس الأمريكي من أصله، يكتفي الجانب الأمريكي بالنتيجة وهي عدم تزويد الروس بالسلاح، دون إشارة لما إذا كانت النتيجة محصلة تدخل سياسي، أو جهود دبلوماسية.

مصر: "اسمك خفيف يا عبد اللطيف"

تم إفراد قصة كاملة عن مصر في تغطية واشنطن بوست للوثائق السرية الأمريكية التي تسربت على مواقع الإنترنت، بينما أوردت الصحيفة نفسها قبل ذلك بشكل عابر أن الوثائق تشمل محاولة تركيا تقديم ذخيرة وأسلحة، ولكن عن طريق وسيط ثالث هو حكومة مالي في إفريقيا، لمجموعة مرتزقة فاجنر الروسية، التي تحارب بالمثل مع الجيش الروسي في أوكرانيا.

ومن غير الواضح إن تم إيقاف الصفقة بالمثل بعد كشف المخابرات الأمريكية لها، لكن اللافت أن مصر تلقى معاملة أكثر تشددًا في التعامل مع الروس مقارنة بتركيا، عضو حلف شمال الأطلنطي، الناتو، والأدعى بالالتزام بحلفائها الغربيين.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتشدد فيها الإدارة الأمريكية مع مصر وتتساهل نسبيًا مع تركيا، بشأن العلاقة مع الرفيق الروسي!

العناد التركي مع الحليف الأمريكي

رغم كل تحذيرات إدارة ترامب ضد تركيا بأنها ستوقع عليها عقوبات استنادًا إلى قانون أمريكي صادر عام 2017 بمعاقبة من يساعد روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، اشترت تركيا من روسيا وتسلمت عام 2020 أنظمة S-400 المتقدمة في الدفاع الجوي ضد الصواريخ الموجهة.

ولم يهتم الأتراك ببعض تلك العقوبات التي شملت حرمانهم من الحصول على أحدث طائرات مقاتلة أمريكية وهي الشبح F35 المسموح بها فقط للحلفاء الغربيين وإسرائيل. ولم تحصل عليها الإمارات بعد وعد إدارة ترامب ضمن الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل، لأنها كانت ستحصل عليها منزوعة بعض التسليح المتقدم المتوفر لدى إسرائيل، فعوضت الإمارات ذلك بشراء ثمانين مقاتلة رافال متقدمة من فرنسا.

ولم تكتفِ تركيا بالصفقة الأولى من أنظمة صواريخ S-400 الروسية التي رأى الأمريكيون أنها تهدد التفوق العسكري لحلف الناتو، لأنها تسجل بيانات وتكنولوجيا السلاح الأمريكي المتقدم من الجيل الخامس، بل أعلنت أنقرة بعد مجيء إدارة بايدن نيتها شراء صفقة ثانية من روسيا، مما دفع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عام 2021 بالتهديد بعقوبات أكثر ضد تركيا، التي لم تأبه كما فعلت مع تهديدات وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو.

مصر بعد السلاح الروسي: "من فات قديمه"

منذ عام 1972 أي حتى قبل عام من حرب أكتوبر، التي خاضتها مصر بالسلاح السوفيتي، طرد الرئيس السادات الخبراء العسكريين السوفييت ليؤكد للأمريكيين استعداده لاستئناف العلاقات معهم، وهو ما تم بعد عام واحد من الحرب التي اعتبرها آخر الحروب، حتى قبل التوقيع على معاهدة سلام مع إسرائيل!

ورغم تباطؤ السوفييت في تسليح مصر بعد حرب 1967 بالكم المطلوب، سواء في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، أو خليفته أنور السادات، فإن نوعية السلاح الذي أُعطي للمصريين وقتها، سواء صواريخ سكود ومنظومة الدفاع الجوي الصاروخية أو طائرات ميج 23 المقاتلة، كانت الأحدث وقتها في الترسانة السوفيتية.

غير أن الأمر اختلف مع الأمريكيين في نوعية تسليحهم لمصر، رغم توقيعها معاهدة السلام وقبولها كل القيود المطلوبة على تسليح سيناء أو حتى بعدم إقامة مطارات عسكرية بها.

فقد فرض اللوبي المناصر لإسرائيل من خلال الكونجرس قاعدة تلزم كل الإدارات الأمريكية، من كارتر إلى بايدن، بضمان التفوق النوعي العسكري لإسرائيل في مواجهة كل الدول العربية مجتمعة، بما فيها تلك "الصديقة" الموقِّعة على معاهدات سلام.

بالتالي، حُظر على مصر في سلاحها الجوي على سبيل المثال الحصول على طائرات F15 الأمريكية المتاحة لإسرائيل وحلفاء الناتو منذ عقود. وحتى حين سُمح لمصر بالحصول على طائرات F16 المقاتلة، وأصبح أسطول مصر الحربي منها الرابع عالميًا من حيث العدد، كان منزوعًا منها صواريخ جو- جو من نوع بي في رام 120 المتقدمة، كما أنها لا تستطيع حمل صواريخ جو-أرض لضرب أهداف برية بتصويب دقيق ومراوغة، ولا تملك سوى إسقاط قذائف غير موجهة!

مصر والعودة لسلاح الرفيق الروسي

يمكن أن نعزو توتر علاقات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالولايات المتحدة وإصراره على شراء السلاح الروسي، إلى أنه كان رد فعل سياسي بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري ضده عام 2016 والتي اُعتبر زعيمها فتح الله جولن، مدعومًا من منفاه بأمريكا.

رأينا الصعوبات التي تواجه الأمريكيين في تسليح أوكرانيا بأنظمة أسلحة متقدمة لكنها غربية

كذلك جاء توتر العلاقات المصرية الأمريكية في أعقاب إطاحة الجيش المصري بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ثم ترشح وزير الدفاع الفريق السيسي لانتخابات الرئاسة.

ففي سبتمبر/ أيلول 2014 وبعد أسابيع من تولي الرئيس السيسي الحكم، وبينما كانت إدارة أوباما تحظر تسليم بعض الأسلحة لمصر ويفرض الاتحاد الأوروبي مقاطعة كاملة على التسليح، عقدت مصر أول وأكبر صفقة تسليح من روسيا للطائرات المقاتلة ميج 29 المتقدمة وكذلك الهليكوبتر "كا" وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي 2500 وهي صفقة بقيمة تزيد عن ثلاثة مليارات دولار.

تبع ذلك منذ 2015 العديد من صفقات الأسلحة المصرية مع الدول الأوروبية وأبرزها في السلاح الجوي المقاتلات رافال الفرنسية.

لكن ثار غضب واشنطن وهددت بالعقوبات ضد المتعاونين مع الروس عسكريًا، حين أعلنت مصر في عام 2018 عن عقد صفقة بملياري دولار لشراء عشرين من أحدث الطائرات المقاتلة الروسية سوخوي 35، وكان واضحًا أنها لتعويض مصر عن تفوق إسرائيل وانفرادها في المنطقة بالطائرة الأمريكية الأحدث F35.

في البداية، لم تلتفت مصر للتهديد، لكن لم يمر وقت طويل حتى توارت الأنباء عن تسلم مصر من تلك الطائرات سوى خمس فقط، لم يُعرف مصيرها. وسط أنباء عن إلغاء الصفقة مع الروس. وعادت واشنطن لفتح الباب الموصد أمام القاهرة منذ عقود للسماح لمصر بالحصول على مقاتلات F15 ولكن ليس F35.

ثقل الديون بين تنويع السلاح وتحدي الدائنين

يبدو تنويع السلاح كأنه ضمان لاستقلال القرار السياسي، فيما قد يكون في حد ذاته، كما حدث مع تركيا، قرارًا له دوافع سياسية تعطي حرية حركة ومناورة سياسية لمن يتخذه، بمنأى عن جدواه عسكريًا لصعوبة تنسيق الجيوش بين أنظمة أسلحة وذخيرة مختلفة وتدريبات وصيانة متعارضة أحيانًا، بما قد يقلل من الكفاءة القتالية عند اختبار ذلك في الحروب.

فقد رأينا الصعوبات التي تواجه الأمريكيين في تسليح أوكرانيا بأنظمة أسلحة متقدمة لكنها غربية، وبالتالي احتاجت أن تطلب من بولندا وغيرها سرعة إمداد أوكرانيا بالسلاح الذي يعرفه جيشها لشراء وقت قبل تدريب الأوكرانيين على السلاح الأمريكي.

بالتالي، يصبح شراء السلاح نوعًا من الشراء المؤقت للولاءات السياسية أو كأسلوب احتجاجي للفت أنظار حليفك الرئيسي إن حاول التدخل في سياستك الداخلية، دون أن يصحب ذلك تحول سياسي حقيقي في سياستك الخارجية بعيدًا عن منظومته وقيوده والتزاماتك ومعاهداتك معه.

بعد ثماني سنوات من عودة صفقات مصر مع السلاح الروسي وأضعاف قيمتها بالمليارات من العملة الصعبة من صفقات السلاح الأوروبي، بالإضافة إلى ثقل أعباء الديون الاقتصادية والمالية الخارجية الأخرى، أصبح من الصعب على صانع القرار في مصر أن يتصرف بالاستقلالية التي اعتقد بوجودها من قبل، ولم ولن يتمكن الآن وهو مثقل بالديون أن يقنع الشريك الأمريكي، الذي قرر الرئيس السادات أنه يملك 99 في المئة من أوراق القضية، أن يسمح بإعطاء بعض الذخيرة إلى رفيق ساعد مصر من قبل في وقت الضيق.

ولا أحد سيلوم مصر إن قررت ألا تورط نفسها أكثر، خصوصًا معه.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.