وكالة اﻷناضول التركية- الحكومية
أنصار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان

سوف ينجو إردوغان مما قدمت يداه

منشور الأربعاء 17 مايو 2023 - آخر تحديث الجمعة 19 مايو 2023

ليس من المبالغة اعتبار رجب طيب إردوغان أحد الساسة القلائل الأشد تأثيرًا وتشكيلًا للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتركيا الحديثة، مثله في ذلك مثل مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية، وتورجوت أوزال رائد التحول الاقتصادي نحو السوق الحرة في الثمانينيات.

وليس غريبًا أن تكون الانتخابات الرئاسية الجارية، وهي الثانية بعد التحول من نظام برلماني إلى نظام رئاسي بناء على رغبة ومسعى إردوغان نفسه، أو أن يكون إردوغان ومستقبله السياسي، أو مصيره، هو محور الاستقطاب في تركيا، فالرجل علامة من الصعب، بل من المستحيل، فَهم تركيا في ربع القرن الماضي بدونه وبدون قراراته وخياراته وقدراته كزعيم سياسي في سياقات داخلية وإقليمية وعالمية مضطربة.

لم يتحرك الناخبون الأتراك في غالبهم بدافع التخلص من إردوغان

لم يفز إردوغان من الجولة الأولى في الانتخابات الجارية خلافًا للمرة الماضية لكنه خرج محتلاً المركز الأول، متقدمًا ببعض النقاط عن خصمه العتيد كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري وحامل الإرث الكمالي الجمهوري العلماني. ومن المقرر أن تجري جولة الإعادة في 28 مايو/أيار الجاري. ولعل السؤال البديهي هو: هل ينجو إردوغان من الأزمات الاقتصادية والسياسية والخارجية، والطبيعية التي ألمت به في السنوات الماضية؟

كان صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة إردوغان وعبد الله جول لسدة الحكم في 2002 حدثًا جللاً؛ لأنه أتى بحزب حديث السن وقتها، وبساسة شباب، إلى مقعد الحكم في تمرد انتخابي واسع من الجمهور التركي الذي كان سئم فساد وفشل النخب الحزبية الأقدم.

كان الظرف شبيهًا إلى حد كبير بما يواجهه إردوغان وحزبه اليوم.

في سنة 1999 ضرب زلزال عنيف القسم الغربي من تركيا بما في ذلك إسطنبول مخلفًا وراءه عشرات الآلاف من القتلى، ثم تلته أزمة مالية حادة بدأت في 2000 وتفاقمت في 2001 أدت إلى إيصال الدولة إلى حافة الإفلاس، وهبطت بالنمو الاقتصادي إلى سالب 9%، بما كان يعني تآكلًا شديدًا في الناتج المحلي.

كان هذا في أعقاب سلسلة طويلة من حكومات حزبية مضطربة تضم أحزابًا لا يملك أيُ منها الأغلبية، مع دلالات متزايدة على الفساد المالي الذي طال مناصب رفيعة بما في ذلك أحد الساسة الذين شغلوا منصب رئيس الوزراء. كان رد الناخبين الأتراك حادًا وحاسمًا، فقد قضوا قضاءً مبرمًا على قطاع أساسي من النخبة القديمة وأحلوا محلها نخبة جديدة.

ما بين 2002 و2012 حقق حزب العدالة والتنمية بزعامة إردوغان وجول وعلي باباجان وآخرين نجاحات كبرى على الصعيد الاقتصادي، بما حول تركيا إلى أحد أكبر عشر اقتصادات تصديرية بقاعدة صناعية عتيدة. انتعشت السياحة وتضاعفت عوائدها، وقطعت تركيا مسافة في مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، وأوفت بشروط تتعلق بضمان المزيد من الحريات المدنية، بما في ذلك بعض التقدم في الملف الكردي، مما سمح بظهور حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للقضية الكردية في 2012، وبما شمل مد بعض الحقوق الثقافية للمواطنين الأتراك ذوي الأصول الكردية.

تحولات إردوغان

لكن يبدو أن إردوغان في العقد الثاني من حكمه، الذي أصبح أكثر شخصنة بلا شك مع انزواء العديد من قيادات الحزب وتحول بعضهم لخصوم لإردوغان مثل جول وداود أوغلو وباباجان، قد حطم بشكل منهجي أغلب ما تحقق في المرحلة الأولى من حكم العدالة والتنمية.

ساعد على ذلك اضطراب السياق الإقليمي على خلفية الحروب الأهلية في سوريا والعراق، وتدفق ملايين اللاجئين إلى تركيا ثم محاولة الانقلاب العسكري في صيف 2016، التي بدأت فصلًا من القمع السياسي غير المسبوق ضد المعارضة والمجتمع المدني، علاوة على تسليط أدوات الأمن الموالية لإردوغان لإزاحة عشرات الآلاف من معارضيه داخل أجهزة الدولة، بما فيها الجيش والقضاء والبيروقراطية الحكومية والجامعات العامة.

وتزامن هذا مع تأزم الوضع في جنوب شرق البلاد، حيث تقطن غالبية كردية، ما أضاف إلى رصيد المعتقلين والمسجونين سياسيًا بما فيهم أعضاء في البرلمان التركي اُتهموا "بدعم الإرهاب"، أي التعاطف مع القضية الكردية.

ثم كانت العودة لسنوات التسعينيات في الأعوام القليلة الماضية مع انفجار تناقضات الاقتصاد التركي، خاصة فيما يتعلق بالاعتماد على الاستدانة الخارجية لسد فجوات تمويلية مزمنة في الميزانين التجاري والجاري، وبالتالي ارتفاع التضخم لمستويات قياسية شبيهة بسنوات ما قبل الانهيار المالي في 2000/2001 بتجاوزها 80% في 2021.

واصلت تركيا في تلك الآونة فقدان قدراتها المؤسسية التقليدية بتدخل إردوغان شخصيًا في صنع السياسة النقدية عن طريق الإصرار على إبقاء سعر الفائدة منخفضًا، وما استلزمه هذا من إزاحة ثلاثة من محافظي البنك المركزي في بحر سنتين.

ولم تكن الطبيعة أكثر إشفاقًا على إردوغان مع تعرض البلاد لموجة جفاف قاسية أثرت سلبًا على القطاع الزراعي، ما فاقم من التضخم نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا. وتحولت تركيا إلى ثاني أكبر مستورد للقمح في العالم بعد مصر معتمدة على روسيا وأوكرانيا. ثم كان زلزال الشتاء الماضي المخيف الذي ضرب عشر مقاطعات في آن واحد مخلفًا نحو خمسين ألف قتيل، وخسائر اقتصادية قدرت بنحو 80 مليار دولار.

رغم هذا كله، يبدو إردوغان صامدًا في مواجهة كل هذه الصعاب. رغم تشابه الوضع العام في تركيا مع سنوات التسعينيات الأخيرة، فإن الناخبين الأتراك لم يتحركوا في غالبهم بدافع التخلص من إردوغان، عنوان الاستقطاب السياسي والأيديولوجي الحاد.

ويبدو أن شخصنة السلطة واللعب على تناقضات واستقطابات المجتمع التركي، وهي كثيرة ومتعددة ومتداخلة، عملت بشكل منتظم على التخفيف من أثر الأزمات المتتالية على مستقبل إردوغان. فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بالأيديولوجيا والولاء السياسي والشخصي والتحريض العرقي والطائفي كذلك.