دخلت الأزمة السودانية يومها الرابع والعشرين، اليوم الثلاثاء، دون حدوث اختراق يذكر من الممكن أن يمهد للوصول إلى مرحلة وقف إطلاق النار، في وقت تتواصل الجهود السعودية والأمريكية لإنجاح المباحثات التي انطلقت في مدينة جدة السعودية بداية هذا الأسبوع، والتي تركز على الوصول لتفاهمات تضمن هدنة لتنظيم الممرات الإنسانية وإيصال المساعدات.
وقالت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء، إن عدد القتلى جراء الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وصل إلى 604 شخصًا، إلى جانب أكثر من 5 آلاف مصاب آخرين، فيما ذكر المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة بول ديلون، الثلاثاء أيضًا، إن عدد النازحين داخل الولايات السودانية بلغ 700 ألف في ظل استمرار القتال.
الولايات المتحدة بإمكانها الضغط على طرفي الصراع لوقف القتال إذا مارست ذلك بقوة وحسم
وبحسب دبلوماسي سعودي، تحدث إلى وكالة الأنباء الفرنسية شريطة عدم الكشف عن هويته، أمس، فإن المحادثات لم تسفر عن "أي تقدم كبير" حتى يوم الاثنين، مشيرًا إلى أن "وقفا دائما لإطلاق النار غير مطروح على الطاولة، وأن كل طرف يعتقد أنه قادر على كسب المعركة".
سياسة النفس الطويل
وقال رئيس لجنة فض اعتصام القيادة العامة في السودان نبيل أديب، إن "الطرفين يراهنان على النجاح في سياسية النفس الطويل للحسم العسكري على الأرض وأن جميع المؤشرات منذ اندلاع الصراع تشير إلى أنها ستكون حرب طويلة، وهو ما يجعل الوسطاء في جدة يسعون أولًا للتوافق على إجراءات تنظيمية تُبعد القتال عن المناطق المدنية والآهلة بالسكان حتى وإن استمرت الحرب لفترة طويلة".
وأوضح في تصريح للمنصة، أن حماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة وتجنيبهم مغبة الحسابات العسكرية لكلا الطرفين يعد هدفًا رئيسيًا الآن، وهناك صعوبة للوصول إلى تلك النقطة لأن "الطرفين مازالا على اقتناع بأنه يمكنهما الاستمرار في الحرب، وتأثر أي منهما لوجيستيًا أو عسكريًا يعد الدافع الأكثر فاعلية نحو الوصول للتهدئة"، وزاد "قد يحدث ذلك خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة".
ويرى أديب وهو محامي وخبير دستوري سوداني، بأن "الولايات المتحدة الأمريكية بإمكانها الضغط على طرفي الصراع لوقف القتال إذا مارست ذلك بقوة وحسم، وإذا اقتنعت بأن حماية مصالحها في السودان مرتبط بألا يتحول إلى دولة فاشلة، وقد تقود تلك القناعة إلى تغيير مواقف طرفي الصراع لكن ذلك بحاجة لمزيد من الوقت".
لكن مكمن الصعوبة يتمثل، وفقًا لأديب، في أن كلا الطرفين يتعاملان مع الحرب الحالية على أنها وجودية، وأن استسلام أي منهما يعني خسارة كل شيء. وأضاف أن تناقضات المواقف الدولية من الصراع يشوش على أي مساع أمريكية نحو تفعيل أدوات الضغطـ، وبالتالي فإن المجتمع الدولي لم يتوحد بعد على حتمية أن يكون هناك جيش واحد في البلاد لا تجابهه أي قوى عسكرية أخرى.
تشير المعارك الحالية إلى تفوق الجيش، وقد تدعم مكاسبه إذا استمرت طويلًا
وتأتي المحادثات بعد الإعلان عن هُدن سابقة، غير فعّالة، منذ اندلاع القتال بين الجيش والقوات شبه العسكرية في 15 أبريل/نيسان في بلد يعاني من الفقر وتاريخ من الاضطرابات السياسية، وذلك بعد أن كانت البلاد على مشارف عملية سياسية شاملة تقضي بوجود حكومة مدنية وتنص بين بنودها على دمج قوات الدعم داخل الجيش ليتفجر خلاف بين الطرفين أخذ في التصاعد وصولاً للاشتباكات المسلحة.
وكانت الاشتباكات تجددت أمس الاثنين بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق عدة بالخرطوم، حيث ارتفعت أعمدة الدخان في العاصمة.
وقال نبيل عبد الله المتحدث باسم الجيش، إن محادثات جدة تتعلق بكيفية تنفيذ الهدنة بشكل صحيح لخدمة الجانب الإنساني، بينما قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على تويتر "إنه يرحب بمناقشات الجانب الفني للهدنة".
تفوق الجيش
وذكر قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في تصريحات لفضائية القاهرة الإخبارية، مساء الاثنين، إنه "لا حديث عن العمل السياسي في الوقت الحالي، وأن التركيز ينصب حاليًا على وقف إطلاق النار والاقتتال، وعودة الطمأنينة للمواطنين التي لن تعود مع وجود تلك العصابات فوق أسطح المنازل"، في إشارة لعناصر الدعم السريع.
وقال الباحث والمحلل السياسي السوداني خالد المبارك للمنصة، إن المعارك الحالية تشير إلى تفوق الجيش، وقد تدعم مكاسبه إذا استمرت طويلاً، "لكن ذلك ستكون له تبعاته الصعبة سياسيًا لأنه يعني استخدام الطيران في الأحياء"، وسيؤدي لسخط المواطنين المتزايد من قوات الجيش، التي نفذت انقلابًا على السلطة المدنية في 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2021، ويقتنعون بأن ذلك الانقلاب قاد في النهاية لاندلاع الحرب.
وأوضح أن المباحثات ستتأثر بالتطورات العسكرية على الأرض وقوة كلا الطرفين، وفي الوقت ذاته ستخضع لتأثيرات سلاح العقوبات والدعم الذي يمكن للوسطاء تقديمه لكلا الطرفين، وأن سياسة العصا والجزرة ستكون فعالة لكنها ليست سريعة التأثير، وأن نجاح المفاوضات سيحتاج إلى تحرك أكبر من القوى المدنية المعارضة لحرب العسكريين ليكون ثقلها مضافًا إلى ثقل الوسطاء.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقًا في السودان)، أنها "تدعم المباحثات المشتركة بين طرفيها في مدينة جدة السعودية وفق المبادرة السعودية الأمريكية وصولا لوقف لإطلاق النار وحل القضايا الخلافية عبر حل سياسي شامل.
فيما أشادت الجبهة الثورية، التي تضم حركات مسلحة وكانت وقعت على اتفاق جوبا للسلام، بـ"مواقف ممثلي طرفي النزاع، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، بمفاوضات جدة من حيث إقرارهما بتحمل مسؤولية رفع المعاناة عن كاهل المواطنين باتخاذ الإجراءات والترتيبات الأمنية اللازمة"، ودعت الطرفين للالتزام الصارم بالهدنة المعلنة وعدم عرقلة تقديم المساعدات الضرورية.
وفي وجهة نظر خالد المبارك، الذي عمل من قبل ملحقًا إعلاميًا في السفارة السودانية بلندن، إن المناداة بوقف الحرب تمثل أرضية مشتركة شبيهة بالعمل السياسي ضد البشير، وقد يساعد ذلك على رأب الصدع، مشيرًا إلى أن "قوى الحرية والتغيير باختلاف تكتلاها مع إعادة توحيد القوى التي أطاحت بالبشير".