ستجدهم في كل مكان، بسجائرهم النفاذة، وأسلوبهم، وأغانيهم الشعبية التي تقول إنهم "جابوا آخرهم" من الكار ومن الدنيا بحالها؛ إنهم سائقو الميكروباصات.
علاقة الواحد منا بسائق الميكروباص، تبدأ بالرعب لو جلست خلفه في الكنبة وورطك في لم الأجرة، غير صراخه فيك لأن طرف إصبعك خرج من الشباك وبشكل ما إلهي منع عنه رؤية الطريق.
ولو قلت لواحد منهم "على جنب يسطا" سيُسفرك إلى المريخ دون أن تحلم، ولن يفرق معه أنك على بعد خمسة آلاف ساعة عن وجهتك، فالغلط منك يا صاحبي لأنك لم تخبره قبلها بسنتين!
كلامهم يرنّ في آذاننا، لدرجة أن الواحد يخاف أن يدخل حمامه ويغلق بابه بقوة فيجد صوت يصرخ فيه "والنبي يا نجم بالراحة على الباب أحسن لسه دافع فيه شيء وشويات".
والسائقون أنواع، منهم سفراء لقناة شعبيات، يسمعون المهرجانات ويسمعونها غصبا للركاب ليل نهار، وآخرين متزوجين من موبايلاتهم، يتحدثون فيها بصوت عالٍ ليطمئنوا على كل من عرفوهم في حياتهم. هذا النوع إذا صادفك لا تتضايق أبدًا من صوته الذي يرج الميكروباص، لأنه سيُعرِّفك على كل مصائب الناس، فتحمد الله على مصائبك.
أما أروق السائقين مزاجًا فشفاههم مشغولة دائمًا بسيجارة، يستهلكون نصف تبغ الكوكب، أما النصف الآخر فيحوِّشونه في جيوبهم. سترى الواحد منهم مسحول في حديث جاد جدًا مع سيجارته، ويتعفرت لو شم رائحة غيرها في الميكروباص في الخلف، يظهر فورًا خوفه على صحة الركاب كأنه مبعوث من وزارة الصحة.
سيختلف الأمر كثيرًا لو كنت تشرب سيجارتك على الكرسي المجاور له، سينظر إليك بنظرة حب مريبة، قائلًا "ما توريني كدا يا صاحبي السيجارة دي بتقول إيه". وقتها لا ترد يده الممدودة خالية، حتى وإن كنت ترى سيجارة أخرى تعلو أذنه.
لن أسامح أبدًا السائقين المولودين في البنزينة، الذين أضاعوا عليَّ مواعيد كثيرة، حتى وإن كنت سأتأخر عنها من الأساس
وحفظك الله من النوع الانتحاري، الذي يؤمن بمقولة محمود درويش "لا شيء يعجبني" فلا الشغلة تعجبه، ولا أي حاجة في الدنيا، اللهم إلا كوباية الشاي التقيل التي تواسيه كل صباح. ستعرفه عندما يتعامل مع الميكروباص وكأنه فيراري، هوايته المفضلة معاكسة الموت، يسوق بسرعة مليون كم في الساعة، وكلما أحس بالجوع أكل مطبًا.
ولا أتمنى أن يرميك حظك على "أبو قلب حنيّن" الذي إذا رأى امرأة من على بعد دولتين، يُجهّز في رأسه خطة بكل المغازلات لنشر سحره. وبالطبع لو أشارت له امرأة فمن المحتمل أن يترك كرسيه وينزل ليفتح لها الباب، ويُجلسها جنب أحلى شباك في الميكروباص. صاحبنا هذا قد يغير فجأة المهرجانات التي صدع بها أدمغتنا، ويدع "إليسا" تُرسل رسائل خفية إلى من شغلت فؤاده.
ولن أنسى أن أدعو لك بالرحمة لو وقع حظك في "المولود في البنزينة"، ممن يموِّن لسنتين قادمتين. ستجده يتحدث مع عامل البنزينة، الذي يتصادف أنه ابن خالته، في كل أمور الحياة، ولو ذهبت معه إلى بنزينة أخرى، ستجد ابن خالته هناك، فكل عمال البنزينات هم من معارفه.
آخر أنواع السائقين هو ليڤل الوحش، "الدوشجي" الذي يجعلك تحس بأنك في زفة، فهو تقريبًا لا يرفع يده عن الكلاكس حتى ولو كان الطريق كله خاليًا أمامه، تكاد تجزم أنه في صغره كان يود أن يكون DJ، أنصحك هنا أن تترك له أذنك، فهي لم تعد صغيرة على هذا الكلام، اعتبرها حصة "تثقيف شعبية".
لكن أتعلم شيئًا؟ ربما ترى في السائقين عجائب العالم وغرائبه، غير أنهم أجدع خلق الله. ورغم احترامي وتقديري لهم، لكني لن أسامح أبدًا السائقين المولودين في البنزينة، الذين أضاعوا عليَّ مواعيد كثيرة، حتى وإن كنت سأتأخر عنها من الأساس، فأنا أتأخّر عن مواعيدي بنفسي "عادي جدًا"، لكن لا أحب أن يؤخرني أحد، فأهم شيء عندي هو مبادئي التي لا تنزل الأرض أبدًا!