يركب أحمد حسن، قطارات وجه قبلي من وإلى القاهرة بانتظام منذ نحو 10 سنوات، في البداية كان يخوض الرحلة مرة أسبوعيًا، ثم كل أسبوعين، حتى صار يسافر مرة واحدة كل شهر أو اثنين بسبب "ارتفاع تكلفة المعيشة والسفر".
ترك أحمد قريته التابعة لمركز ديروط بصعيد البلاد، في 2017 للعمل في محل ملابس بمنطقة الحسين في القاهرة، ولأن راتبه لا يكفي لاستئجار شقة مستقلة، بالإضافة إلى مصاريف الحياة اليومية للأسرة، فإنه اختار الإقامة في العاصمة دونها، على وعد أن يزورهم مرة كل أسبوع. وهو ما استطاع الالتزام به خلال الشهور الخمسة الأولى قبل أن يتوقف عن ذلك "تكلفة السفر بقت صعبة ومش هدفع كل شهر 200 جنيه أو أكتر. أنا بعمل كام 200 في الشهر"، يقول لـ المنصة.
ما يراه أحمد مشكلة حرمته من زيارة أسرته بشكل منتظم، عدّه وزير النقل كامل الوزير، في مداخلة مع فضائية صدى البلد، أحد أسباب "نجاح" الهيئة في تحقيق إيرادات تصل إلى 15 مليون جنيه يوميًا بدلًا من 4 إلى 5 ملايين جنيه في 2019، وقت أن تولى مهام الوزارة في مارس/آذار من ذلك العام، حيث تحركت الأسعار أكثر من مرة، بالإضافة إلى إعلان الوزير في تصريح سابق أنه "كان يسعى لرفع جديد لأسعار التذاكر لكن رئيس الجمهورية تدخل وأوقف تلك الزيادة".
"تحريك" أسعار التذاكر
خلال 12 عامًا سبقت تولي الوزير منصبه رفعت وزارة النقل أسعار تذاكر القطارات مرتين؛ الأولى عام 2007، والثانية عام 2015، اقتصرت الزيادة فيها على القطارات المكيفة فقط، بمقدار 20 جنيهًا زيادة لتذاكر قطارات الدرجة الأولى، و10 جنيهات للدرجة الثانية، ولم تشمل القطارات العادية والمميزة.
ومع تولي الوزير مسؤوليته، رفعت الوزارة الأسعار مرتين أيضًا، أسمتهما "تحريك"، وذلك خلال ثلاث سنوات فقط؛ كانت الأولى نهاية يوليو/تموز 2020 بزيادة تراوحت بين 25% و150%، وشملت قطارات الـVIP التي زادت درجتها الأولى بنسبة 25%، والدرجة الثانية 40%، والقطارات الإسباني والفرنساوي التي زادت درجتها الأولى بنسبة 30%، والدرجة الثانية بنسبة 83%، بينما شهدت القطارات المطورة والمميزة زيادة بنسبة 150%.
الزيادة الثانية كانت بداية يونيو/حزيران العام الجاري، وتضمنت رفع أسعار تذاكر القطارات المكيفة بدرجتيها الأولى والثانية والـ VIP، وقطارات التالجو، والروسي المكيفة بنسبة تصل إلى 12.5%، ونسبة 25% على تذاكر القطارات العادية الروسية وتحيا مصر والقطارات المطورة.
خطة في منتهى الذكاء
زيادة العبء على ركاب القطارات لم يكن في تحريك الأسعار فقط، وإنما شمل الإتاحة أيضًا، فبحسب ثلاثة مصادر تحدثت إليهم المنصة، وهم سائق وكمسري وعضو بمجلس إدارة هيئة السكة الحديد تم سحب عدد من القطارات من على الخطوط بدعوى الصيانة، لكنها لم تعد إلى العمل حتى الآن.
يقول أحمد إنه كان يعتمد بشكل أساسي في سفره على القطارات المميزة، وكان سعر تذكرته من القاهرة وحتى ديروط 16 جنيه، فاستبدل به قطارًا اسمه تحيا مصر لكن تذكرته كانت بـ35 جنيه، ويضيف أن أزمته ليست في سعر التذكرة فقط، ولكن أيضا في عدم وجود مواعيد كثيرة لتلك القطارات، و"عشان كده بكون مضطر أركب قطارات أغلى زي الإسباني أو الـ VIP اللي التذكرة ممكن توصل فيه حوالي 140 جنيه، أو القطار الروسي المكيف بتذكرة 105، والروسي العادي بـ60 جنيه".
ويقول سائق يعمل في هيئة السكة الحديد منذ 2009، لـ المنصة، طالبًا عدم ذكر اسمه، إن القطارات المميزة كانت سيئة وبحاجة إلى صيانة بالفعل، "الهيئة عملت خطة في منتهى الذكاء.. خدت القطارات القديمة ظبطتها ودهنتها وجددت الكراسي، وقالت يلا دي قطارات جديدة"، وأضاف إنه "تم تشغيل هذه القطارات على الخطوط، سواء وجه بحري أو قبلي لكن باسم تحيا مصر، ورفعوا أسعارها باعتبارها قطارات جديدة".
بينما يقول عضو مجلس إدارة الهيئة لـ المنصة، "سحبنا القطارات العادية لإعادة تأهيلها وتحسينها للعمل على الخطوط الفرعية والضواحي، وأسبوعيًا كان يتم الإعلان عن ادخال قطار دروسي بدلًا من تلك القطارات، حتى وصلنا حاليًا لتشغيل 22 قطار روسي على الخطوط الرئيسية".
وبنهاية يوليو 2020، أدخلت هيئة السكك الحديدية، أول 3 قطارات روسية جديدة من الدرجة العادية للخدمة، وبدأت خطة تشغيلها بدلًا من قطارات الدرجة الثالثة على الخطوط الرئيسية بالوجهين القبلي والبحري، وحددت أسعار رحلاتها بزيادة 150% عن القطارات المماثلة.
ويُشير عضو مجلس الإدارة إلى أن "هذه الزيادة في تذاكر القطارات الروسية كانت لها اعتبارات أن القطارات حديثة، وتضم الكثير من عوامل الأمان والراحة، ولحث الركاب على الحفاظ عليها، فضلًا عن سعي الهيئة وقتها لتعويض خسائرها الكبيرة".
ونهاية العام الماضي دفعت هيئة السكك الحديدية بأول قطاراتها الفاخرة من طراز تالجو على خط القاهرة - الإسكندرية، وحددت تكلفة الرحلة للدرجة الأولى عند 200 جنيه، و150 جنيهًا للدرجة الثانية، واتبعته بعدد من القطارات على خط القاهرة - أسوان، بتذكرة قيمتها 700 جنيه للدرجة الأولى، و550 جنيهًا للدرجة الثانية، وفي يونيو الماضي ضاعفت قيمتها للركاب العرب.
وتعاقدت الهيئة نهاية أبريل/نيسان 2019، مع شركة تالجو الإسبانية العالمية على توريد 6 قطارات بقيمة 158 مليون يورو، إضافة لقطار هدية لمصر تتحمل تكلفته إسبانيا جراء تأخر تسليم الصفقة بسبب وباء كورونا.
حديث الوزير عن تعظيم موارد الهيئة أشار إلى تغليظ الغرامات على المخالفين من الركاب، بينما يصف أحمد الغرامات بـ"السرقة عيني عينك"، ويضيف "لما كنت أركب القطار المميز من القاهرة لأسيوط كانت التذكرة بـ16 جنيه، وإذا ركبت القطر من غير تذكرة أقطع جوا القطر التذكرة بـ 16.5، لكن دلوقتي تذكرة الروسي بـ 32 جنيه، ممكن أدفع عليها غرامة 50 جنيه لو مجبتش تذكرة من الشباك وقطعتها من القطر".
تغليظ الغرامات
وبدأت هيئة سكك حديد مصر، مطلع أبريل 2019، تطبيق قرار وزير النقل بتغليظ غرامات استقلال القطارات بدون تذكرة، إلى 30 جنيهًا للقطارات VIP، و20 جنيهًا للقطارات الفرنساوي والإسباني، و10 جنيهات للقطارات المميزة، و5 جنيهات لقطارات الضواحي، وفي يوليو 2021، أعلنت الهيئة عبر صفحتها على فيسبوك، تحصيلها غرامات الركوب بدون تذكرة بقيمة 100 جنيه للقطارات Top VIP، و50 جنيهًا للروسي، و40 جنيهًا لقطارات النوم، و30 جنيهًا للإسباني والفرنساوي، و20 جنيهًا للدرجة الثالثة العادية، و15 جنيهًا لقطارات الضواحي.
وقال عضو مجلس الإدارة إن "الهيئة أقرت عددًا من الغرامات الأخرى للحفاظ على مرفق السكة الحديد الذي تعرض لخسائر متراكمة، وتهالك معدات وقطارات نتيجة السلوكيات الخاطئة، مثل الركوب على أسطح القطارات، والتي حددت الهيئة قيمة غرامتها بـ600 جنيه، و200 جنيه حال العبث بالمعدات، أو حمل مواد قابلة للاشتعال، و421 جنيهًا لنقل الحيوانات داخل القطارات، بخلاف التدخين والبصق داخل القطار المقدرة غرامتها بـ50 جنيهًا".
وأضاف عضو مجلس الإدارة أن هذه الإجراءات رفعت إيرادات الهيئة بحوالى 30 إلى 40 مليون جنيه شهريًا، ما يمثل نحو 10% من إجمالي إيرادات الهيئة.
وقال وزير النقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إن محصلة الغرامات التي طبقتها الهيئة ساهمت في شراء 10 جرارات جديدة.
رسوم بمليارات
وعملت هيئة السكة الحديد في السنوات التي أعقبت تولي الوزير منصبه، على فرض رسوم نجحت في جذب مليارات الجنيهات لخزينتها، ففي نهاية سبتمبر/أيلول 2020، أعلن رئيس الهيئة وقتها أشرف رسلان، عن تفعيل قرار تحصيل رسوم مالية على متعلقات الركاب التي يزيد وزنها على 12 كيلوجرامًا، تتراوح ما بين 10 جنيهات و140 جنيهًا، ضمن خطة الهيئة لتعظيم إيراداتها وتعويض جزء من خسائرها.
وقال عضو مجلس إدارة الهيئة الذي تحدث لـ المنصة إن "حصيلة هذه الرسوم تتراوح بين 10 إلى 20 مليون جنيه شهريًا". وفي سبتمبر 2021، فعلت الهيئة بند تحصيل رسوم على دخول جميع محطاتها لانتظار أو وداع المسافرين، ورفعته لـ3 جنيهات بدلًا من جنيه واحد، وأشار إلى أن هذا القرار غير معمول به في جميع المحطات، "ربما في محطة رمسيس فقط، وفي بعض الأحيان لا يفعل إذ يلاقي اعتراضًا من المسافرين، ولا تتعنت الهيئة في تنفيذه".
انتظروا زيادة قريبة
رغم غضب أحمد من ارتفاع تكلفة زيارته لأسرته، يبدو أنه على موعد مع زيادة جديدة، لم يحدد وزير النقل موعدها بعد، ففي حديثه مع فضائية صدى البلد مؤخرًا، أكد أن "تحقيق 15 مليون جنيه يوميًا بالإضافة لنحو 250 ألف دولار من الأجانب، لا يحقق مكسبًا للسكة الحديد بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وقطع الغيار وأجور العاملين"، مضيفًا "هارفع سعر التذكرة لكن مش دلوقتي"، مستطردًا عندي زيادة أجور عاملين من 3.6 مليار جنيه لـ4.2 مليار جنيه سنويًا بعد الزيادة الأخيرة التي أقرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالإضافة لتكاليف الصيانة والمعدات وغيرها.