استطاع مستثمرو الذهب أن يحققوا خلال شهر أبريل/نيسان الجاري أرباحًا بأكثر من 20% على مقتنايتهم من المعدن الثمين، وهو ما معدل أكبر من سعر الفائدة الذي تقدمه البنوك الحكومية الكبرى، الأمر الذي يزيد من ندرة المعروض من الذهب في السوق المصري ويحفز على المزيد من ارتفاع أسعاره.
في الوقت نفسه، يحذّر خبراء من أن الزيادة الاستثنائية للذهب وراءها حركة مضاربة محمومة، ما قد يجعل من الأسعار الحالية فقاعة قابلة للانفجار.
وصعد سعر جرام الذهب عيار 21 إلى 2800 جنيه الخميس الماضي في السوق المحلي مقابل 2190 جنيهًا أول الشهر الجاري، بزيادة 610 جنيهات للجرام الواحد، وذلك قبل أن يبدأ السعر بالهدوء أمس السبت ليسجل الجرام 2650 جنيهًا بحلول التعاملات المسائية، وظل ثابتًا على مستوياته اليوم الأحد.
وفي مطلع أبريل طرح بنكا الأهلي ومصر شهادة استثمار بأجل ثلاث سنوات بسعر فائدة 19% سنويًا، وهو ما يجاري المستويات السائدة لعائدات شهادات الاستثمار في الوقت الراهن.
لماذا سطع بريق الذهب في أبريل؟
"استطاع الذهب أن يثبت وجوده خلال الفترة الماضية كأفضل أداة للاستثمار" كما قال المحلل الفني لأسواق الذهب أسامة ذرعي، للمنصة مضيفًا "الأدوات الأخرى مثل المضاربة على أسهم البورصة أو شراء عقار أو شراء دولار إن وجد لن تحقق الأرباح نفسها التي حققها الذهب خلال الأيام الماضية".
ويتفق المدير التنفيذي لشركة آي ماركتس للاستشارت المالية أحمد معطي، مع التحليل السابق، مضيفًا أن الذهب يتميز عن المجالات الأخرى للاستثمار في أنه يمكن للمستثمر الصغير أن يضارب فيه بمبالغ صغيرة على عكس العقارات التي تتطلب رأسمالًا كبيرًا.
ويرى معطي أن التوقعات تقود السوق في الوقت الراهن ما يحفز على الزيادة المتسارعة للمعدن الثمين، فـ "المستثمرون أقبلوا على شراء الذهب خلال الفترة الماضية متأثرين بزيادته خلال الأشهر الماضية". وكان سعر جرام الذهب 21 عند نحو 1640 جنيهًا مطلع يناير/كانون الثاني الماضي.
ظلال الأزمة المالية على أسواق الذهب
الضغوط المالية التي تعاني منها مصر بسبب ضعف التدفقات الدولارية كان لها انعكاس قوي على أسعار الذهب في رأي المحللين، فكلما ازدادت التوقعات بقرب تعويم الجنيه فر المستهلكون للاحتماء بالذهب.
"تجار الذهب لديهم تخوفات من تحرك الدولار خلال الفترة المقبلة، مما دفعهم لتحريك سعر الذهب على مدار الأسبوعين الماضيين" كما يقول معطي.
وكان سعر الجرام من عيار 21 حتى 21 أبريل يبلغ 2440 جنيهًا، قبل أن تنشر وكالة ستاندرد آند بورز تقريرًا عن مصر في هذا اليوم عدلت فيه نظرتها لوضع الدين السيادي للبلاد من مستقرة إلى سلبية، ليزيد بعدها سعر الذهب بنحو مئتي جنيه.
"المستهلكون يرفعون تقييماتهم لسعر الذهب مع زيادة سعر الدولار في السوق الموازية والذي وصل إلى أكثر من 36 جنيهًا في الوقت الراهن" كما قال السكرتير السابق لشعبة الذهب بغرفة تجارة القاهرة نادي نجيب، للمنصة.
وكانت سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ارتفع بصورة ملحوظة خلال الأيام الماضية في العقود الآجلة للتحوط من سعر الصرف في الأسواق الخارجية، ليصل إلى الدولار في عقود 12 شهرًا لنحو 44 جنيهًا، ما يعكس التوقعات بالمزيد من التراجع في قيمة الجنيه.
هل ارتفاع الذهب فقاعة؟
يحذر معطي من أن يكون ارتفاع الذهب الأخير قائم على توقعات مبالغ فيها، ما قد يجعل من الأسعار الحالية فقاعة قابلة للانفجار. و"السعر العادل لجرام الذهب عيار 24 نحو حوالي ألفي جنيه، وليس السعر الذي يتداول حاليًا وهو 3200 جنيه" كما يضيف معطي.
ويعزز من هذه التوقعات الفارق الكبير بين سعر الذهب في السوق المحلية والسوق العالمية، حيث يقول نجيب إن سعر الذهب عيار 21 في السوق الخارجية يصل إلى 56 دولارًا في الوقت الراهن، وهو ما يساوي 1713 جنيهًا، بسعر الصرف الرسمي.
لكن زرعي يرى أن الأسعار المرتفعة للذهب تقف على أسس أقوى من أن تكون مجرد فقاعة، فهي مدفوعة بالأساس بإقبال شرائح كبيرة من المستهلكين على الاستثمار في الذهب ما أدى إلى شح المعروض، بجانب صعوبة استيراد الذهب من الخارج في ظل عوائق الاستيراد الحالية ما يعزز من نقص المعدن الثمين.
"والمصانع التي كان يتوفر لديها خام ذهب عيار18 و21 اتجهت لتحويله إلى سبائك بدلًا من تصنيعه كمشغولات ذهبية بسبب الإقبال القوي على الاستثمار في السبائك"، كما قال زرعي.
وأقر وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي، في مؤتمر السبت الماضي بوجود نقص واضح في كميات الذهب الموجودة في السوق المحلي، مطالبًا بالسماح للمصريين في الخارج بإدخال كميات من الذهب بدون رسوم جمركية لزيادة المعروض.
وطالبت منصة "آي صاغة"، مصلحة الدمغة والموازين التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، في بيان الخميس الماضي، بضرورة توفير بيانات للرأي العام عن حجم إنتاج ومدموغ شركات الذهب من السبائك والجينهات خلال الربع الأول من 2023، حتى تتضح الأسباب الحقيقية وراء ارتفاعه خلال الأيام الأخيرة.
وتراجعت واردات مصر من الذهب خلال أول تسعة أشهر من العام الماضي إلى 220.1 مليون دولار مقابل نحو 646.2 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات النشرة الشهرية للتجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تشير التصريحات الحكومية الأخيرة إلى رغبة وزارة التموين من الحد في حركة المضاربة المحمومة على الذهب، بينما يتوقع المحلل أسامة زرعي أن تستمر رحلة الصعود ليصل عيار 21 إلى 2800 جنيه خلال الأيام المقبلة، وستكشف تعاملات الأسواق إضافة لتطورات أزمة الدولار في مصر عن مصير أسعار المعدن الثمين الذي بات ملاذًا آمنًا للكثيرين أمام ضعف الجنيه.