مظاهرة في برلين تطالب بالإفراج عن المعتقلين في مصر. الصورة لحسام الحملاوي برخصة المشاع الإبداعي - فليكر

الخارجية الأمريكية تنتقد استمرار "القتل التعسفي" و"التعذيب" في مصر

تقرير حالة حقوق الإنسان أشار إلى قيود على حرية الإعلام والمشاركة السياسية

منشور الأربعاء 22 مارس 2023 - آخر تحديث الأربعاء 22 مارس 2023

ما زال "القتل خارج إطار القانون أو القتل التعسفي، على يد الحكومة أو وكلائها، ومن قبل الجماعات الإرهابية"، على قائمة الانتقادات الرئيسية لحالة حقوق الإنسان في مصر، بحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2022، الذي صدر أول أمس الاثنين. 

وتضمنت قائمة الانتقادات الرئيسية التي جدد التقرير توجيهها إلى مصر، مشاكل "الاختفاء القسري من قبل أمن الدولة، والتعذيب، والمعاملة غير الإنسانية من قبل الحكومة، وظروف السجن القاسية والمهددة للحياة، والاعتقال التعسفي، والسجناء والمعتقلين السياسيين، والتدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية".

وانضمت الخارجية الأمريكية إلى منظمات حقوقية عديدة تنتقد سجن الآلاف من مصر في تهم سياسية، في الوقت الذي تنفي فيه الحكومة وجود سجناء سياسيين، بينما تتشابه التهم الموجهة إليهم في كثير من القضايا إلى حد التطابق، وهي "الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون، بهدف التحريض ضد نظام الحكم، و"بث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها".

كما أعاد التقرير الإشارة إلى "قيود خطيرة على حرية التعبير ووسائل الإعلام، تشمل اعتقال ومقاضاة الصحفيين، وحجب المواقع، وفرض قيود على حرية الإنترنت". وأشار مرة أخرى إلى "القيود المفروضة على حرية التجمع السلمي، وتكوين وتمويل الجمعيات، ومنظمات المجتمع المدني المحلية، والمنظمات الحقوقية الدولية"، و"القيود الخطيرة وغير معقولة على المشاركة السياسية".

تضاؤل الحريات

وانتقد التقرير "عدم احترام الحكومة في كثير من الأحيان، لحرية التعبير، رغم أنه حق يكفله الدستور". وأشار إلى أن "الحكومة تستخدم بوستات السوشيال ميديا دليلًا في تحقيقاتها بشأن تهم تتعلق بنشر الأخبار الكاذبة أو إهانة الشخصيات والمؤسسات العامة". وقال إن "صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء واجهوا ملاحقات قضائية بشكل منتظم، بسبب انتقادهم للحكومة".

وأضاف التقرير أن "وسائل الإعلام المستقلة عبرت عن مجموعة متنوعة من الآراء، مع استمرار فرض قيود كبيرة، ورقابة رسمية". وفي المقابل، أشار التقرير إلى أن "الروايات المهيمنة على وسائل الإعلام الخاصة والمملوكة للدولة، تدعم الرئيس ومبادراته السياسية، وإن تم نشر انتقادات معتدلة لسياسات الحكومة أحيانًا".

وانتقد التقرير استمرار حجب المواقع الإلكترونية، وقال إن "آلاف المواقع منها 129 موقعًا إخباريًا على الأقل، تم حجبها بينها المنصة، ومدى مصر، ودرب". وأضاف إنه "في 14 يوليو حجبت السلطات موقع المنصة للمرة الـ 13 منذ عام 2017، وأصدرت 38 منظمة دولية بيانًا تطالب فيه برفع الحجب، لكن رغم ذلك ظل الموقع محجوبًا حتى نهاية العام". ولفت إلى أنه "تم رفع الحجب مؤقتًا عن عدد من المواقع قبيل قمة المناخ التي عقدت بشرم الشيخ، لكن تقارير أشارت إلى عودة الحجب خلال أو بعد انتهاء COP27".

وتعاني المئات من المواقع الإخبارية والحقوقية في مصر من الحجب خارج إطار القانون، ومن ضمنها المنصة وكذلك درب، الذي يترأس تحريره نقيب الصحفيين خالد البلشي

القيود على التجمع

وجدد التقرير الإشارة إلى "قلق المنظمات المحلية والدولية من القيود الحكومية على الجمعيات، والتجمع، والتعبير، والتي بدورها تقيد بشدة المشاركة الواسعة في العملية السياسية". وتحدث عن "فوز ائتلاف مؤيد للحكومة بأغلبية ساحقة من المقاعد في انتخابات مجلس النواب". ونقل عمن وصفهم بمراقبين محليين ودوليين قولهم إن "السلطات الحكومية أدارت الانتخابات البرلمانية بشكل احترافي وفقًا لقوانين البلاد، وأن نتائجها كانت ذات مصداقية". وإن لاحظ المراقبون أن "القيود المفروضة على حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات السياسية والتعبير أعاقت بشكل كبير المناخ السياسي المحيط بالانتخابات".

أشارت الخارجية الأمريكية إلى "تقارير لمنظمة مراقبة محلية تحدثت عن موت 52 سجينًا ومعتقلًا نتيجة سوء المعاملة أو الإهمال الطبي على مدار العام"

واستفاض التقرير في شرح الجهات المسؤولة عن حماية الأمن من الأجهزة المختلفة التابعة لوزارة الداخلية، إلى جانب القوات المسلحة. مضيفًا هذه المرة أن "هناك تقارير تشير إلى ارتكاب أفراد الأمن لانتهاكات".

وأشار تقرير هذا العام إلى إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، في أبريل/نيسان الماضي، والتي بموجبها قال إنه تم الإفراج عن عدد يتراوح ما بين 850 إلى 1000 سجين سياسي على مدار العام.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي، عن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، والتي تولت مراجعة ملفات وقضايا المحبوسين احتياطيًا أو بأحكام قضائية من غير المتورطين في أعمال عنف.

وأعقب هذه الدعوة إطلاق سراح عشرات السجناء بقرارات قضائية وعفو رئاسي، خاصة مع بدء جلسات مجلس أمناء الحوار الوطني مطلع يوليو/تموز الماضي.

انتهاكات خلف الأسوار

وبشأن كرامة الإنسان، جدد التقرير الإشارة إلى "ارتكاب الحكومة أو وكلائها أعمال قتل تعسفية غير قانونية، أثناء الاعتقال أو الاحتجاز"، وهو انتقاد متكرر على مدار السنوات الماضية. لكن الخارجية الأمريكية أشارت هذا العام إلى "تقارير لمنظمة مراقبة محلية تحدثت عن موت 52 سجينًا ومعتقلًا نتيجة سوء المعاملة أو الإهمال الطبي على مدار العام". وقال إنه "في كل مرة تزعم التصريحات الرسمية أن الوفاة حدثت لأسباب طبيعية، ويتم إغلاق الموضوع دون مساءلة".

واستعرض التقرير عددًا من الوقائع في هذا الصدد، بينها وفاة الخبير والباحث الاقتصادي أيمن هدهود في مارس/آذار الماضي، بعد اعتقاله ونقله لمستشفى أمراض نفسية. وقال التقرير إن "السلطات قدمت روايات متضاربة بشأن اعتقاله". وأضاف إنه "رغم حديث عدد من المنظمات الحقوقية عن وفاة هدهود بسبب التعذيب استنادًا إلى صور لجثمانه، إلا أن السلطات أرجعت الوفاة إلى أزمة قلبية".

واختفى هدهود في 5 فبراير/شباط 2022، وبعد مرور 63 يومًا تلقت أسرته اتصالًا من أحد ضباط قسم شرطة مدينة نصر ثان يخبرهم أن أيمن توفي في مستشفى العباسية للأمراض النفسية.

وبعد إعلان وفاته أصدرت النيابة العامة في إبريل بيانًا قالت فيه إن هدهود كان مودعًا في مستشفى العباسية بناء على قرار منها.

وعلى مدار أشهر لقت قضية هدهود زخمًا محليًا وعالميًا إثر وفاته بعد أسابيع من اختفائه قسريًا. وكانت المنصة وثقت الساعات الأخيرة من حياته داخل المستشفى، والمخالفات التي شهدتها عملية إيداعه المستشفى.

وأشار التقرير إلى "رفض محكمة استئناف القاهرة دعوى قضائية أقامتها عائلة علاء عبد الفتاح، اتهمت السلطات بالتقاعس عن التحقيق في تعرضه لانتهاكات وظروف سجن سيئة". وجاء في التقرير إن "علاء عبد الفتاح أضرب عن الطعام احتجاجًا على ظروف سجنه، وانتهى الإضراب بالتدخل الطبي من قبل سلطات السجن بعد انهياره في 11 نوفمبر".

تطرق التقرير إلى استهداف الأفراد المنتمين إلى مجتمع الميم وملاحقتهم ومقاضاتهم واستخدام العنف ضدهم

وكان عبد الفتاح الحاصل على الجنسية البريطانية أعلن إضرابًا عن الطعام والشراب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالتزامن مع انطلاق مؤتمر المناخ في مصر، حيث تصاعدت الضغوط الدولية للإفراج عنه مع توافد زعماء غربيين لحضور القمة، غير أنها لم تسفر عن تقدم في هذا الملف.

وهذا الأسبوع أعلنت أسرة عبد الفتاح أنه سيخوض إضرابًا جديدًا عن الطعام من أجل الإفراج عنه.

حريات أكاديمية غائبة

وجدد التقرير الإشارة إلى "استمرار فرض قيود حكومية على الحرية الأكاديمية والفعاليات الثقافية".

وجاءت مصر، وفق التقرير السنوي لمؤشر الحرية الأكاديمية الصادر في مارس/آذار 2021، ضمن الفئة الخامسة والأخيرة صاحبة السجل الأسوأ، إلى جانب دول من بينها الصين وإيران وكوريا الشمالية واليمن وسوريا والبحرين والسعودية والإمارات وتركيا وغينيا الإستوائية وإريتريا وكوبا.

ملاحقة المثليين وغض الطرف عن المغتصبين

وتطرق التقرير إلى استهداف الأفراد المنتمين إلى مجتمع الميم وملاحقتهم ومقاضاتهم واستخدام العنف ضدهم، كما أشار إلى الضغوط التي مارستها الشرطة على نساء تعرضن للاغتصاب والعنف المنزلي، من أجل التنازل عن المحاضر التي حررنها لإنصافهن.

وتحدث التقرير عن حالات "استهداف المثليين، ومزدوجي الميول الجنسية، ومغايري الهوية الجنسية وثنائيي الجنس، بجرائم تنطوي على عنف أو التهديد بالعنف، واستخدام القانون للقبض عليهم، ومقاضاتهم بشكل تعسفي".

ولا يجرّم الدستور ولا القوانين المصرية المثلية الجنسية وإن كانت السلطات المصرية تلاحق المثليين استنادًا إلى قانون مكافحة الدعارة الذي يجرّم "الفجور" في مادته التاسعة.

وكان قضاء محكمة النقض استقر على اعتبار أن المقصود بالفجور في هذا القانون هو العلاقات المثلية بين الرجال، غير أن قانونيين أشاروا إلى شبهة عدم دستورية هذه المادة على اعتبار أن "كلمة الفجور غامضة ومتميعة ومنبهمة، والتعريفات اللغوية والاصطلاحية لا تعبر عن فعل المثلية الجنسية بين الرجال بعضهم البعض".

وفيما يتعلق بالعنف المنزلي ضد النساء، قال التقرير إن "منظمات المجتمع المدني أفادت بوقوع حالات ضغطت فيها الشرطة على الناجيات من اغتصاب أو عنف منزلي حتى لا يوجهن اتهامات". وأضاف إن "العنف المنزلي مشكلة ملحوظة"، مشيرًا إلى الجدل الذي أعقب نشر تصريحات لشيخ الأزهر بشأن ضرب الزوجات.

وانتقد التقرير استمرار ختان الإناث رغم تجريمه قانونًا. وقال إن "ختان الإناث لا زال مشكلة خطيرة". وكذلك أشار إلى "استمرار مشكلة التحرش الجنسي" رغم اتخاذ إجراءات حكومية للحد من الظاهرة. وجدد التقرير التأكيد على أنه "رغم نص الدستور على المساواة، بالتوازي مع إجراءات حكومية لتحسين أوضاع النساء، إلا أنهن لا يتمتعن بنفس الحقوق والفرص القانونية التي يتمتع بها الرجال، وينتشر التمييز على نطاق واسع".

وتصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا سنويًا بشأن حالة حقوق الإنسان حول العالم، وتقول إنها تضم فيه "سجلًا مفصلا للانتهاكات والتجاوزات" التي يتعرض لها الأفراد خاصة في المجتمعات المهمشة، ومنها أيضا عدم المساواة الاقتصادية، وتداعيات تغير المناخ، والهجرة، وانعدام الأمن الغذائي، وتحديات عالمية أخرى.

وبينما لن تترتب على هذا التقرير نتائج مباشرة فيما يتعلق بالمعونة السنوية التي تتلقاها مصر من الولايات المتحدة وتتجاوز المليار دولار، فإن الخارجية الأمريكية قررت مطلع هذا العام منع 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر بسبب "عدم امتثال السلطات المصرية لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية" والمتعلقة بحالة حقوق الإنسان.