أعلنت الحكومة المصرية قبل أكثر من عامين عن دراسة أجرتها بهدف تطوير أرض مقر الحزب الوطني الديموقراطي المنحل على كورنيش النيل بمحيط ميدان التحرير، والتي تمتد على مساحة 16.6 ألف متر مربع. وانتهت هذه الدراسة إلى أن الأرض التي يغطيها الرماد، منذ أن أشعل مجهولون النار في مقر الحزب الحاكم خلال ثورة يناير 2011، من الممكن أن تتحول إلى مشروع سياحي ضخم.
وعلى الرغم من أن المشروع سيكون محاطًا بالعديد من الفنادق الكبرى المنافسة في منطقة تعاني من ضعف مستويات الإشغال الفندقي، لكن بمجرد إعلان صندوق مصر السيادي، باعتباره المالك الحالي للأرض، عن تفاصيله، انهالت عروض من شركات كبرى للتنافس على الأرض المحترقة.
في هذا التقرير نسعى لاستكشاف من هم المتنافسون الرئيسيون على أرض الحزب الوطني، وما هي سوابق تجاربهم في مصر، وما هي فرص نجاح مشروع سياحي على أرض تحمل آخر الذكريات الباقية للثورة المصرية؟
من يتنافس على الأرض؟
فى ديسمبر/كانون الأول 2021 أعلن الصندوق السيادي عن تقدم 5 تحالفات "مصرية عربية" لتطوير أرض الحزب الوطني، لكنه لم يعلن أسمائها. والمشروع كما عرض تفاصيله رئيس الصندوق، أيمن سليمان، هو إنشاء برجين على الأرض بمواصفات تراعي موقعها القريب من المتحف المصري، إذ كانت في الأصل جزءًا من الحديقة القديمة للمتحف، وسيضم البرجان فندقًا 5 نجوم ومولًا تجاريًا وشققًا فندقية.
وفي وقت لاحق على تصريحات المسؤولين بشأن المشروع، أفصح بعض المتقدمين لتطويره عن أنفسهم. واللافت أن أغلب من كشفوا عن رغبتهم في اقتناص أرض الحزب المحروق هم مستثمرون خليجيون بالأساس، لديهم تجارب سابقة في العمل مع الدولة.
واحدة من أهم الأسماء التي أفصحت عن دخولها المنافسة هي الشركة السعودية المصرية للتنمية العمرانية، المملوكة بالمناصفة بين حكومتي مصر والسعودية، والتي تقدمت للمشروع بمشاركة "الشعفار الإماراتية" وشركة ثالثة إنجليزية.
والشركة السعودية المصرية تعمل في مصر منذ عهد الانفتاح الاقتصادي، إذ تأسست في 1975 برأس مال سعودي ومشاركة بأراضي مملوكة للحكومة المصرية. وبينما تتطلع الشركة إلى تحويل أرض الحزب لفندق كبير، فإن خبراتها السابقة في مصر كانت في المجال السكني بالأساس، وليس لها حضور في إدارة أي من الفنادق الكبرى بمصر، بحسب ما يظهر في سجل أعمالها المنشور على موقعها الرسمي.
لكن الشريك السعودي أظهر مؤخرًا اهتمامًا بالفندقة، فضمن مشروعات الشركة الحديثة إدارة منطقة الحي اللاتيني في المدينة الساحلية التي تأسست قبل سنوات قليلة تحت اسم "العلمين الجديدة"، والذي سيضم شققًا فندقية.
والشريك لـ "السعودية المصرية"، وهو شركة الشعفار الإماراتية، وهي شركة تأسست على يد المهندس المصري عماد عزمي في نهاية الثمانينات، للعمل بقطاع المقاولات في الإمارات وعدد من الدول العربية. واستطاعت من خلال نشاطها في مصر أن تستحوذ على محفظة مشروعات ضخمة تتجاوز قيمتها الـ20 مليار جنيه، ومن أهم عملائها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
وعلى الرغم من شهرة اسم "الشعفار"، فهي تقدم نفسها لأول مرة كمنفذ لمشروع سياحي كبير بمصر. خاصة أن مشروعاتها الأبرز مع المجتمعات العمرانية كانت أبراج مدينة العلمين الجديدة السكنية، وجزء من مشروع تطوير سور مجرى العيون، وتطوير جزء سكني بمنطقة الداون تاون في العلمين الجديدة يتضمن بناء شقق سكنية ومجموعة من البنت هاوس.
وثاني الأسماء التي تتردد بقوة ضمن المتنافسين على أرض الحزب هي مجموعة العتيبة الإماراتية، والتي صارت معروفة في أعمال وسط القاهرة بفضل مشاركتها في تطوير مجمع التحرير.
ورغم الشهرة التي حظيت بها بعد الفوز بمشروع مجمع التحرير، إلا أنه ليس لها تاريخ طويل مثل السعودية والشعفار، لأنها تأسست قبل الفوز بمشروع المجمع بشهور قليلة، وملاكها ليسوا معروفين.
وكانت العتيبة فازت بمشروع المجمع خلال شهر أغسطس/آب الماضي، من خلال تحالف ضم أيضًا شركتين أمريكية وإنجليزية، وقدرت تكلفة المشروع بنحو 200 مليون دولار، ستساهم هذه الملايين في تحويل المجمع، الذي يرتبط أيضًا بذكرى الثورة، إلى فندق عالمي يضم أكثر من 450 غرفة فندقية.
ويالعودة لمشروع الحزب الوطني، تردد أيضا اسم شركة سامكريت المصرية ضمن الشركات القائدة لتحالفات تتنافس على المشروع، وهي ليست مشهورة في مجال السياحة ولكن لها خبرة طويلة بقطاعات النقل والطرق كأحد أهم الشركات العاملة بقطاع الطرق فى مصر.
وفى حالة تأهلها لتطوير أرض الحزب الوطني ستكون أول سابقة هامة لها فى قطاع تنفيذ الفنادق، بعد عقود من العمل فى القطاع السكني والطرق والخرسانة الجاهزة وتنفيذ المشروعات القومية المختلفة.
وحاولت المنصة الاتصال بالمتحدث بإسم الصندوق السيادي للتعرف على معايير قبول الشركات المؤهلة لتطوير الفندق، ولم يصلنا رد، في ظل غموض لا يزال يحيط بتفاصيل هذا المشروع الضخم.
هل تحتاج وسط البلد لفندق جديد؟
يمثل مشروع فندق أرض الحزب الوطني واحدة من محطات عملية تغيير كبيرة لوسط البلد، ليس فقط عبر محو ذكرى ثورة يناير ولكن أيضًا من خلال تحويل هوية المنطقة من مقر للبيروقراطية والحكم إلى منطقة للترفيه والتسوق والسياحة التراثية، مع نقل الأجهزة الحكومية للعاصمة الجديدة.
ويشكك الخبراء في جدوى عملية التحول تلك، إذ أنها تبالغ في التركيز على الجانب السياحي، في مقابل الاحتياج القوي للخدمات الأساسية.
تضم وسط البلد بالفعل عددًا كبيرًا من الفنادق المصنفة على درجة خمس نجوم، مثل سانت ريجيس، نايل ريتز كارلتون، هيلتون رمسيس، فور سيزونز نايل بلازا، سميراميس، فيرمونت نايل سيتي، وسوفيتيل الجزيرة.
وكشف آخر تقرير عن نسب الإشغال الفندقي، أصدرته شركة البحوث العقارية جونز لانج لاسال مصر، عن أن نسبة الإشغال الحالية في القاهرة عمومًا لا تتجاوز 64%، "وهي نسبة محدودة لا يتطلب الأمر معها زيادة جديدة في عدد الغرف الفندقية" بحسب ما قاله مدير شركة البحوث في مصر، أيمن سامي للمنصة.
ويضيف سامي، "من المفترض ألّا يكون هناك توسع في بناء الغرف الفندقية إلا في ظل معدلات إشغال تزيد عن 80%".
ويعقب سامي بقوله "حاليًا منطقة وسط البلد وشرم الشيخ تعدان الأقل طلبًا على الغرف الفندقية، مع الأخذ في الاعتبار الاتجاه المتزايد للطلب على خدمات الفنادق في شرق وغرب العاصمة، بعيدًا عن وسط المدينة، بسبب القرب من المطارات وأماكن العمل في الشرق والمناطق السياحية في الغرب".
ويشير سامي إلى خطة معلنة من الدولة لمضاعفة عدد الغرف الفندقية تقريبًا خلال 5 سنوات، معتبرًا أنها "خطة طموحة جدًا، وبالفعل هناك احتياج كبير للفندقة، لكن من أقل المناطق احتياجًا حاليًا وسط البلد".
ومن الناحية العمرانية، فإن "فكرة استغلال أي مساحة أراضٍ خالية بمنطقة وسط البلد بشكل استثماري أمر غير سليم وغير عادل" كما يرى الباحث العمراني ومؤسس 10 طوبة للدراسات العمرانية، يحيى شوكت.
ويوضح شوكت للمنصة إن وسط البلد "فيها حاجة ملحة للخدمات والمدارس والمستشفيات. يجب أن يكون هناك توازنًا في مخططاتنا بين الرغبة في طرح الفرص الاستثمارية وتحقيق جودة الحياة لسكان هذه الأحياء الذين يفتقدون لخدمات أساسية عديدة، ولا توجد مساحات كافية لتنفيذها".
وفي السياق نفسه يقول رئيس جمعية الثروة العقارية، حسين جمعة للمنصة "ليست هناك حاجة ملحة للمزيد من الفنادق في منطقة وسط البلد خاصة أن نسب الإشغال متواضعة خلال آخر 3 سنوات على الأقل".
وإذا كانت هناك تطلعات إلى الربح، فليس كل الربح من الفندقة والمولات، كما يضيف جمعة مشيرًا إلى أنه يمكن"إنشاء مستشفى عام بأجنحة استثمارية، خاصة أن هذه المنطقة تحتاج لهذه النوعية من الخدمات بصورة كبيرة، وهى خدمة تحقق للدولة عائد معقول وتغطي فجوة قائمة بالفعل".
و"هناك مثل لخدمة تعليمية جيدة ومربحة بوسط البلد متمثلة في مباني الجامعة الأمريكية في التحرير"، كما يقول جمعة، مقترحًا تخصيص أرض الحزب الوطني لنشاط صحي أو تعليمي.