"أنا مش في المود والله، وآسف جدًا مش هتكلم في فنيات" يعود التصريح أعلاه للكابتن علاء عبد العال، في المؤتمر الصحفي بعد خسارة فريقه آنذاك، الشرقية للدخان، برباعية أمام النادي الأهلي في بطولة الدوري المصري الممتاز موسم 2021-2022.
تصلح عبارة عبد العال أن تصير مادة دسمة لصانعي "الكومكس" على صفحات السوشيال ميديا الساخرة، خاصةً أنها ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها تصريحاته كمادة للسخرية، خاصةً تصريحه الشهير بعد هزيمة فريق الداخلية الذي كان يتولى قيادته الفنية حينها، عقب الهزيمة من المقاولون العرب في بطولة الدوري موسم 2018-2019.
عندما تتعرض للسخرية مرتين بسبب تصريحاتك التي تُدلي بها لحظة انفعال، فإنك حتمًا ستفكّر في تجنب الإجابة عن أسئلة الصحفيين في المؤتمرات الصحفية. ولكن هل يحق ذلك لعبد العال وغيره من المدربين؟ وما الجدوى من هذه المؤتمرات؟
علاء عبد العال في المؤتمر الصحفي بعد مباراة الأهلي والشرقية للدخان
سر المؤتمرات الصحفية
في وقتٍ سابق، وقبل ظهور السوشيال ميديا، كانت المؤتمرات الصحفية الرياضية تحقق استفادة لكلٍّ من المؤسسات الرياضية ووسائل الإعلام الرياضي؛ فهي تساعد المؤسسات على الانتشار والوصول لقاعدة جمهور أعرض، وهو ما يُعد دعاية مجانية، كما تساهم في زيادة مبيعات أو مشاهدات وسائل الإعلام. صفقة رابحة للجميع.
استمرت هذه الصيغة لسنوات طويلة؛ الطرفان في حاجة ماسة لبعضهما ولا يوجد أمامهما سوى التغاضي عن السلبيات التي يراها كلاهما في الآخر. لكن مع ثورة الإنترنت، تغير كل شيء. أصبح في المعادلة طرفٌ جديد أخلَّ بتوازنها.
في بعض الأحيان تحولت هذه المؤتمرات لفقرة ترفيهية للجماهير. من منا ينتظر حقًا من البرتغالي جوزيه مورنيو في مؤتمراته الصحفية، حديثًا عن وجهة نظره الفنية في المباراة؟ أصبح نادرًا أن يتحدث مورينو عن هذه الأمور منذ سنوات، وصار ما يُنشر ويُقتبس ويُروّج من مؤتمراته الصحفية إما نقد لاعب ما، أو سخرية من أحد أعضاء مجلس الإدارة أو الفريق المنافس. وهو ما يمثل عامل جذب للجمهور لمشاهدة هذه المؤتمرات، وربما أداة تربُّح لمورنيو نفسه.
لو سألتك عن المؤتمرات من هذه النوعية، أعلم أنك ستتذكر الكثير منها، وليس لشخص أو اثنين، وإنما لكُثر، وفي رياضات مختلفة. لكن لهذه المؤتمرات وجه آخر، أكثر قساوة من الوجه المعتاد.
أوساكا ليست الأولى
في 26 مايو/أيار 2021، أعلنت نجمة التنس نعومي أوساكا المصنفة الأولى عالميًا حينها، أنها لن تؤدي التزاماتها الإعلامية خلال بطولة فرنسا المفتوحة للتنس رولان جاروس، إحدى بطولات التنس الأربع الكبرى، لأنها تؤثر على صحتها النفسية.
كتبت نعومي نصًا على تويتر "لن أشارك في المؤتمرات الصحفية في فرنسا هذا العام، غالبًا ما نجلس في هذه المؤتمرات ونسمع نفس الأسئلة المعتادة، أو تُطرح علينا أسئلة لتشككنا في أنفسنا وقدراتنا، وأنا لن أُخضع نفسي للأشخاص الذين يتشككون بي". فعاقبتها اللجنة المنظمة بغرامة 15000 دولار، وهددتها بالحرمان من المشاركة المستقبلية في البطولة إذا تكرر الأمر.
ردت بعدها نعومي، وكانت قد خاضت الدور الأول فقط، بانسحابها من البطولة بأكملها. تصف اللاعبة نفسها بأنها شخصية انطوائية، وتخشى التحدث في العلن، فكيف تُجبرها قواعد اللعبة على خوض مثل هذه المؤتمرات؟
نجمتا التنس العالميتان سيرينا وفينوس ويليامز، خرجتا على الفور لدعم قرار أوساكا ووجهة نظرها في العبء النفسي الذي تشكله المؤتمرات عليهن.
ولكن آخرين سمّوا ما فعلته اللاعبة "قتلًا للصحافة". الصحفي الإنجليزي في شبكة SBN هوارد بيرنت اعتبر موقفها "إهدارًا للمصلحة العامة". في حين وصفها الصحفي الإنجليزي بيرس مورجان "نعومي النرجسية".
في الواقع، لم تكن أوساكا أول رياضية تتخذ موقفًا بشأن المؤتمرات الصحفية، بل هي حلقة في قائمة متزايدة تضم رياضيين من رياضات مختلفة، قاطعوا جميعًا المؤتمرات.
نجم ريال مدريد السابق كريستيانو رنالدو قال عقب مبارة فريقه السابق مع شالكة الألماني في بطولة دوري أبطال أوروبا عام 2015، بأنه لن يتحدث للصحفيين مرة أخرى، وأنه لم يعد يتحمل كل هذه الضغوط التي تضعها الصحافة على عاتقه، وتحميله وحده مسؤولية ترنح مستوى الفريق.
وفي العام نفسه لكن في رياضة أخرى، صرح نيكو روزبرج متسابق الفورمولا 1، أنه سيتواجد في المؤتمرات الصحفية فقط لتجنب توقيع غرامة عليه، والسبب هو نفس السبب التي قالته أوساكا، أن هذه المؤتمرات تضر بصحته النفسية.
مؤتمر صحفي في Super Bowl لتجنب الغرامة
في عام 2018، انسحب نجم الدوري الأمريكي للمحترفين لكرة السلة ليبرون جيمس من مؤتمر صحفي، بعد استجوابه مرارًا وتكرارًا حول الصحة العقلية لزميله جي آر سميث الذي ارتكب خطأ فادحًا في نهاية المباراة تسبب في خسارة فريقه. ترك ليبرون جيمس المؤتمر، وقبل أن يغادر، قال للصحفي"كن أفضل غدًا".
هذا غيض من فيض لرياضيين من رياضات مختلفة، أقروا جميعًا أن المؤتمرات الصحفية، لم تعد بنفس ذات الأهمية التي كانت تحملها من قبل، بل أصبحت عبئًا عليهم وعلى صحتهم النفسية. فما الذي أدى إلى ذلك؟ وهل هناك حل لإصلاح الأمور؟
انتفاء الغرض
أصيب جوناثان لياو الصحفي بجريدة الجارديان "بالحنق عندما علمت موقف أوساكا بمقاطعة المؤتمرات الصحفية"، لكنه عندما فكر وجد أن المشكلة في المؤتمر الصحفي نفسه، الذي عندما تفكر فيه، ستجد أنه فكرة غريبة في الأساس، وأنه فشل في وظيفته المركزية، حسبما يعتقد.
يعتقد لياو أن المؤتمر الصحفي "خط مباشر بين الرياضي والجمهور، وأن الصحفي ليس سوى الأذن التي تسمع، واليد التي تنقل بمنتهى التواضع والأمانة، لكن المؤتمر فقد ماهيته عندما انفتحت قناة مباشرة بين الرياضي والجمهور من خلال السوشيال ميديا".
بالتالي فإن المؤتمر الصحفي لم يعد ذا مغزى، بل لعبة ساخرة وأحيانًا مفترسة، بعد أن أصبحت مهمته الوحيدة استخراج أكبر قدر من المحتوى، المعتمد أحيانًا على الثرثرة، والنبش في الحياة الشخصية، فيستغل الصحفي قلة خبرة الرياضي، وهو تحت تأثير الفوز أو الهزيمة، ليُصرح عن أكثر المناطق حميمية في حياته أمام مجموعة من الغرباء.
ينتقد لياو حتى المظهر العام للمؤتمر، معتبرًا أن كل ما يحدث فيه "مجرد كليشيهات، مقاعد منمقة، وزجاجات مياه معدنية مغلقة، وملايين من الكلمات الضائعة، والنتيجة هي تفضيل أحد أبطال العالم في التنس أن يترك البطولة برمتها، ليتجنب الحديث مع الصحافة".
البلياردو هو الحل
في لعبة البلياردو، تعقد المؤتمرات بالاتفاق مع اللاعبين في غرفة خلع الملابس، أو في الممر المؤدي للصالة، ويكون اللاعب على علم بالصحفي الذي سيُجري معه المقابلة، في ظل تنسيق بين الصحف ﻷن تتولى كل صحيفة تغطية مباراة.
تتمثل إحدى أكبر المشكلات في الوضع الحالي، في أن المؤتمرات الصحفية لا تسمح بقدر كبير من التعمق. وعادة ما يسأل الصحفي سؤالًا واحدًا أو اثنين على الأكثر، مما يجبره على اختيار السؤال الأكثر إثارة. ومن المفهوم أن يؤدي هذا إلى تجربة غير سارة للرياضيين، الذين باتوا يشعرون في المؤتمرات الصحفية بأنهم مستهدفون.
من المهم أن يتذكر الصحفيون الرياضيون أن دورهم الحقيقي هو مساعدة الناس على فهم الرياضة واللاعبين، من خلال الأسئلة الصحيحة وخبراتهم الخاصة في هذا المجال، ويمكنهم تقديم رؤى وتفكيك الجوانب الفنية للرياضة وتوفير عنصر إنساني أكثر دقة. إضافة إلى ذلك، كلما شعر الرياضيون أن الصحفيين يهتمون حقًا بآرائهم وخبراتهم، ويساعدونهم بنشاط في سرد قصصهم، كلما كان الرياضيون أكثر صراحة.
نهايةً، هذه ليست مشكلة سهلة الحل، لكن المهم هو أن المؤتمرات الصحفية بحاجة إلى التطور مع الزمن لخدمة الأطراف جميعهم على نحو أفضل، حتى لا يخرج علينا كابتن علاء عبد العال مرة أخرى، مُتحججًا بأنه "مش في المود".