يرتبط دائمًا حجم الطموح بمدى قدرة صاحبه على تحقيق الإنجاز، فإذا كان الدوري السعودي هو الأقوى عربيًا وآسيويًا في السنوات الأخيرة، فإن الكرة السعودية ربما تخطت تلك المرحلة لتصبح مصدر جذب كبير لنجوم عالميين، ومنافسًا قويًا لأندية أوروبا فيما يخص صراع الصفقات.
وعلى مدار أكثر من عشر سنوات قدّم الدوري السعودي نموذجًا في التنافسية، إذ تناوبت ستة أندية على حصد لقب المسابقة المحلية الأهم، وهي الهلال والنصر والاتحاد والأهلي والشباب والفتح، وبعكس دوريات عربية أخرى أكثر عراقة وتأثيرًا. ففي تونس يعد الترجي البطل الأبرز في السنوات الماضية والمُهيمن على الساحة المحلية، وفي مصر يتصارع الأهلي والزمالك فقط على الألقاب، مع تفوق كاسح للأول، حتى مع ظهور قوى جديدة مثل بيراميدز وفيوتشر، لم يشهد الدوري المصري منافسة حقيقية على اللقب، خاصة مع تراجع مستوى الأندية الشعبية مثل المصري والاتحاد والإسماعيلي. كذلك الحال بالنسبة لثنائية الوداد والرجاء في المغرب، التي لا تشهد سوى استثناءات قليلة للمنافسة على الألقاب المحلية.
انتقال رونالدو إلى النصر كان بمثابة ضوء أخضر لكثير من النجوم الذين يبحثون عن تجربة جديدة
الدوري السعودي وبجانب التنافسية، فإن ارتفاع القيمة السوقية للمنافسة في السنوات الأخيرة كان ملحوظًا بسبب جلب لاعبين مميزين، وأيضًا مدربين على قدرٍ مرتفع من الاحترافية، إضافة إلى جودة الملاعب والحضور الجماهيري الكثيف لأغلب الأندية.
نقلة نوعية للكرة السعودية
ويعد عام 2023 استثنائيًا للكرة السعودية، ففي بدايته وتحديدًا في يناير، كان الانتقال التاريخي لكريستيانو رونالدو إلى صفوف النصر السعودي، الخبر الذي تداولته صحيفة ماركا الإسبانية قبلها بأشهر، لكنه لم يكن ليُصدق على الساحة الأوروبية، خاصة أن النجم البرتغالي الذهبي وهداف مانشستر يونايتد، ورغم توتر علاقته بإدارة ناديه الإنجليزي، كان من المتوقع أن يكمل رحلته في أوروبا، لا سيما أنه كان يسعى لتعزيز أرقامه القياسية في بطولته المفضلة، دوري أبطال أوروبا، التي يعد هدافًا تاريخيًا لها.
انتقال رونالدو إلى النصر لم يكن مجرد حدث كبير على صعيد الكرة العربية والعالمية، إنما بمثابة ضوء أخضر لكثير من النجوم الذين يبحثون عن تجربة جديدة، وهو ما تحقق بالفعل في صيف 2023 بانتقالات قياسية للعديد من الأندية.
صفقات مثل كريم بنزيما ونجولو كانتي للاتحاد، وكاليدو كوليبالي وروبن نيفيز وسافيتش للهلال، وإدوارد ميندي وروبرتو فيرمينيو للأهلي، ومارسيلو بروزوفيتش للنصر، ربما لم تكن جماهير الأندية السعودية تحلم بأن تراها تتحقق، لولا الخطوة الجريئة لكريستيانو بالتعاقد القياسي الذي جرى، وأثار شهية الكثير من النجوم للالتحاق به.
مبابي والنقلة النوعية
260 مليون يورو في موسم واحد من الهلال لنجم باريس سان جيرمان كيليان مبابي، كانت كافية بأن يعيد الفتى الذهبي حساباته بشأن الانتقال لنادي الحلم باريس سان جيرمان، ليظل حلمه مؤجلًا ولو لموسم آخر، فبحسب تقارير عدة منها سكاي سبورتس، فإن مندوب الهلال تفاوض رسميًا مع سان جيرمان، لضم اللاعب الذي تخلت إدارة النادي الفرنسي عنه بسبب رفضه تجديد عقده، الأمر الذي كان يهدد برحيله مجانًا في صيف 2024 وخسارة قيمة مالية كبيرة في تلك الحالة.
هذا المبلغ الضخم ربما يعوض الهلال عن فشله في ضم ليونيل ميسي، وأيضًا يتواكب مع مساعي الفريق الأزرق لتعويض إخفاقات الموسم الماضي، ما بين فقدان لقب الدوري وكذا دوري أبطال آسيا.
فكرة الانتقال للدوريات العربية لا سيما الخليجية، لم تكن مألوفة لدى بعض النجوم الذين يقررون الانتقال لأندية الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب في مجملها أسرية ومعيشية، ومنهم ليونيل ميسي الذي انتقل إلى إنتر ميامي، ولم تكن أسرته سعيدة في باريس.
أيضًا، هناك نجوم آخرون آثروا الانتقال إلى أندية أمريكية مثل الإيطالي أندريا بيرلو، والإنجليزي ديفيد بيكام الذي صار لاحقًا مالكًا لنادي إنتر ميامي وكذلك زلاتان إبراهيموفيتش، والملفت هو أن بعضًا ممن انتقلوا للعب في أمريكا استقطبتهم الكرة السعودية لاحقًا، فهناك مثلًا الإيطالي سيباستيان جيوفينكو لاعب الهلال، الذي سبق له اللعب لتورونتو الكندي الذي يشارك بالدوري الأمريكي، أيضًا أسطورة ليفربول ستيفن جيرارد مثَّل نادي لوس أنجلوس جالاكسي، قبل أن ينتقل هذا الصيف في بداية رحلته التدريبية إلى قيادة الاتفاق السعودي.
ولعل النقلة النوعية للكرة السعودية، والحياة في المملكة بشكل عام، أثرت في الصورة الذهنية، وجعلت البعض يعيد حساباته فيما يخص الخطوة المستقبلية فيما بعد أوروبا، ساهم في ذلك النجاح الكبير الذي صاحب استضافة قطر، بلد الجوار، لكأس العالم، حيث تعرف الأوروبيون بين لاعبين وجماهير على قدرات دول الخليج، وإمكانيات استضافة البطولات الكبرى، والملاعب والفنادق المؤهلة بشكل كبير لأي منافسات كبرى.
قيمة سوقية تضاهي أوروبا
المُتابع للكرة السعودية، في السنوات الأخيرة، يدرك جيدًا أن الأندية الكبرى لا تتوقف عن جلب محترفين أجانب سواء أوروبيين أو لاتينيين، لكن أغلبهم من دوريات أمريكا الجنوبية والبرازيل تحديدًا، قبل أن تبدأ رحلة استقطاب نجوم أوروبا من أندية كبرى، ففكرة أن ينضم لاعب من ريال مدريد أو ليفربول أو تشيلسي أو إنتر ميلان أو غيرها، لم تكن مألوفة على الإطلاق سواء بشراء العقد أو بانتقال حر، إذ أن غالبية نجوم هذه الأندية يفضلون البقاء في أوروبا، والبحث عن عقد "مُريح" مع تنافسية أقل.
استضافة السعودية النسخة المقبلة من كأس العالم للأندية حافز قوي لجلب مزيد من اللاعبين الكبار
وبالنظر إلى القيمة السوقية للدوري السعودي، نجد أنها باتت حوالي نصف مليار يورو، وتحديدًا 459.9 مليون يورو بحسب موقع ترانسفير ماركت الإحصائي، وهو الرقم الذي لم يقترب كثير من الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى، لكنه مرشح للزيادة.
الكرة السعودية ومونديال الأندية
استضافة الكرة السعودية النسخة المقبلة من بطولة كأس العالم للأندية التي تقام في ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري، حافز قوي للأندية على جلب مزيد من اللاعبين الكبار، فالاتحاد ممثل السعودية في هذه البطولة بوصفه بطل الدوري، لم يتوان عن دعم صفوفه بمحترفين مميزين أمثال بنزيما، وكانتي، وأيضًا فيليبي جوتا، بجانب البحث عن آخرين لكتيبة المدرب البرتغالي نونو سانتو، أملًا في أن يحقق نادٍ عربي الإنجاز التاريخي في المونديال والفوز باللقب، بعدما وصل للمباراة النهائية أكثر من ممثل للعرب، وهما العين الإماراتي والرجاء المغربي، وفشلا في مقارعة بطل أوروبا، بينما اعتاد الأهلي المصري على نيل برونزية المونديال.
أعين العالم تتابع
اكتملت خطوة التطوير الهائل باتفاق النقل التليفزيوني، لشبكة سكاي سبورتس العالمي، والتعاقد على بث مباريات "دوري روشن السعودي للمحترفين"، داخل إنجلترا، وهو ما يعني أن هناك الكثير من المتابعين لا يزالون يرغبون في متابعة ما يقدمه رونالدو، وأيضًا بسبب رحيل لاعبين عدّة عن البريمييرليج مثل فيرمينو وكانتي ونيفيز وميندي وكوليبالي وغيرهم.
البطولة التي تنطلق في الحادي عشر من أغسطس/آب المقبل، يبدو أنها ستحظى بمتابعة كبرى حول العالم، ليكون الدوري السعودي منافسًا للكبار ليس فقط في الصفقات، لكن أيضًا في المشاهدات.
أيضًا عكف المسؤولون في الكرة السعودية على توفير عناصر الجذب الجماهيري والاستمتاع، من بينها تعاقد قنوات SSC، الناقل الرسمي للبطولة، مع المعلق التونسي الشهير رؤوف خليف، الذي رحل عن قنوات بي إن سبورتس، الأمر الذي يزيد من التشويق في المباريات بصوت ظل مألوفًا لسنوات على مسامع جماهير الكرة العربية والعالمية.
هذه الخطوات التي صنعت من الدوري السعودي واحدًا من أمتع الدوريات في المنطقة، لا يبدو أنها وصلت نهايتها، فمع ارتفاع القيمة التسويقية له، وانضمام نخبة من نجوم العالم إليه، وتطبيق نظام احترافي كامل، ربما يصل قريبًا إلى مقارعة الدوريات الخمسة الكبرى في العالم.