أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، اليوم الأحد، تقريره السنوي الثامن عشر، بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الفترة من يوليو/تموز 2024 حتى يونيو/حزيران 2025، مسلطًا الضوء على ما وصفه بـ"التقدم المحرز في ملفات التشريع والعفو الرئاسي والحقوق الاقتصادية"، منوهًا في الوقت نفسه لـ"التحديات القائمة في مجالات الحريات العامة والعدالة الجنائية".
وبدا واضحًا سعي التقرير لرسم صورة "متوازنة" حول تقييمه لحالة حقوق الإنسان المصرية خلال العام محل الرصد، وذلك عبر الإشادة بصدور تشريعات جديدة من بينها قانون الإجراءات الجنائية وتنظيم اللجوء والعمل، عوضًا عن صدور قرارات رئاسية بالعفو عن السجناء، غير أنه لم ينكر في الوقت نفسه حاجة عدد من الملفات لإصلاحات حقوقية وتدخلات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
تعذيب وتدوير وإعدام
وقدَّم التقرير اعترافات ضمنية بوجود "تحديات جسيمة" تواجه الحالة الحقوقية المصرية من بينها وقوع وفيات داخل أماكن الاحتجاز، مستشهدًا بواقعة وفاة الشاب محمود ميكا داخل قسم شرطة الخليفة في مارس/آذار الماضي، واختلاف الروايات وقتها حول وفاته بعدما اتهمت أسرته مسؤولي القسم بتعذيبه وتعريضه للإهمال الطبي، ونفي وزارة الداخلية للأمر مؤكدة أن سبب الوفاة دخوله في "هياج نفسي" ومضاعفات صحية لاحقة، وهو ما طالب المجلس أمامه وقتها بضرورة التحقيق الجاد والشفاف في ملابسات الوفاة.
وطالب التقرير بضرورة تعديل المادة 126 من قانون العقوبات لإعادة تعريف جريمة التعذيب في القانون المصري ليتوافق مع الاتفاقيات الدولية وتوسيع نطاقه ليشمل أي شخص يحاول ارتكاب التعذيب أو يتواطأ أو يشارك في التعذيب، لافتًا إلى تلقيه خلال الفترة التي يغطيها التقرير أكثر من 200 شكوى تفيد بتعرض أشخاص للتعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الإصلاح والتأهيل والمقار الشرطية.
غير أنَّ النيابة العامة ووزارة الداخلية نفت ذلك وقالت إنها أجرت تحقيقات حول الأمر، وهو ما أوصى المجلس معه بضرورة تعزيز الضمانات الخاصة بالتحقيق المستقل والشفاف بما يرسخ الثقة في النتائج النهائية ويكفل حماية جميع الأطراف.
وحسب التقرير، شهدت الفترة التي يغطيها رصد المجلس ومتابعته حالات احتجاز وحبس احتياطي لعدد من النشطاء والصحفيين بتهم مختلفة لعل أبرزهم رسام الكاريكاتير في المنصة أشرف عمر، والذي تم احتجازه في يوليو 2024 بتهمة "الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة" ولا يزال حتى الآن قيد الحبس الاحتياطي، ملمحًا إلى استمرار ظاهرة "تدوير المتهمين" والحبس الاحتياطي المطول، وحجب المواقع الصحفية.
وفي مارس/آذار 2024 انتقد التقرير السنوي لنقابة الصحفيين استمرار حجب بعض المواقع الصحفية، في مقدمتها المنصة الذي تعرض للحجب 13 مرة كان آخرها في يوليو 2022، ومدى مصر.
وأكد تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان أن المجلس أولى اهتمامًا خاصًا بقضية المحامية وعضوة المجلس السابقة هدى عبد المنعم، المحكوم عليها بالسجن 5 سنوات في قضية أمن دولة، والمحبوسة حاليًا احتياطيًا على ذمة قضية أخرى، مؤكدًا أن توقيفها جاء بعد انتهاء عضويتها بسنوات ولا يرتبط بنشاطها السابق داخله. وفي إطار متابعته لحالتها الصحية، أجرى وفد من المجلس زيارة لمركز إصلاح وتأهيل العاشر من رمضان في مايو/أيار 2025، اطلع خلالها على ملفها الطبي وتأكد من تلقيها الرعاية اللازمة، كما حضر ممثل عن المجلس إحدى جلسات محاكمتها لمراقبة ضمانات العدالة.
ورغم ترحيبه بقانون الإجراءات الجنائية الجديد، أبدى المجلس قلقه من نص المادتين 79 و116 اللتان تمنحان النيابة العامة صلاحيات واسعة في مراقبة الاتصالات والتحقيق في غياب الدفاع، محذرًا من تأثير ذلك على ضمانات المحاكمة العادلة وحق الدفاع، كما جدد المجلس توصيته بضرورة الوقف الطوعي لتنفيذ عقوبة الإعدام لحين مراجعة الجرائم المعاقب عليها بها.
اعترافات متأخرة
ورغم الاعترافات السابقة، انتقد المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت طريقة تعاطي المجلس مع بعض القضايا الحساسة ومنها قضية المحامية هدى عبد المنعم، قائلًا "المجلس يذكر أنه زار السجن وطلب مقابلتها، لكنه يكتفي بالإشارة إلى السماح له بالاطلاع على ملفها الطبي فقط، دون أن يدين منعه من لقائها المباشر، وهو تنازل غريب عن صلاحياته القانونية".
وأمام ما تضمنه التقرير من إشارة إلى تقديم المجلس ملاحظات حول قوانين مثيرة للجدل مثل "الإجراءات الجنائية" و"لجوء الأجانب"، انتقد بهجت في تصريحات لـ المنصة ما وصفه بـ"استمرار سياسة حجب هذه الملاحظات عن الرأي العام، وعدم نشرها في التقرير السنوي، وهو ما اعتبره يفرغ دور المجلس الاستشاري من مضمونه ويحوله إلى غرف مغلقة".
ودلل بهجت على ذلك الحجب أيضًا بإعلان المجلس في تقريره عن تحفظه الشديد في وقت سابق على زيادة رسوم التقاضي "لكنه لم يعلن عن هذا الموقف وقت الأزمة وإضراب المحامين، مما يثير الشكوك حول توقيت وجدوى هذه المواقف المتأخرة"
تناقضات "الحقوق الاقتصادية"
وفي الوقت الذي رصد فيه التقرير صدور قوانين هامة مثل "الضمان الاجتماعي" و"العمل"، أكد بهجت وقوع المجلس فيما وصفه بـ"التناقض الصارخ"، معلقًا "إذ أشاد بارتفاع مخصصات الصحة والتعليم في الموازنة، ثم عاد ليعترف في موضع آخر بعدم تقييمه لمؤشرات الإنفاق الفعلي، متجاهلًا تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه التي تؤكد العجز عن الوفاء بالنسب الدستورية".
وحسب بهجت، كشف التقرير لأول مرة عن القوائم المالية للمجلس، التي أظهرت ارتفاع ميزانيته إلى 75 مليون جنيه في العام المالي الأخير، بزيادة 13 مليونًا عن العام السابق.
وعلق بهجت على ذلك قائلًا "هذا الحجم من الموارد لا يتناسب إطلاقًا مع مستوى نشاط المجلس المتواضع، خاصة مع وجود فائض مالي مرحل، في وقت تتزايد فيه الانتهاكات وتغيب فيه الاستجابة الفعالة لشكاوى المواطنين في ملفات حيوية مثل حرية الاعتقاد".
والشهر الماضي، دعت 22 منظمة حقوقية اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة أزمة حقوق الإنسان المتردية والممتدة في مصر، وذلك بعد مراجعتها لملفها الحقوقي، مطالبين اللجنة بإصدار قرار جديد يدعو إلى التحقيق في الانتهاكات والمساءلة وجبر الضرر لضحايا حقوق الإنسان وتشكيل آلية لمتابعة ذلك، وذلك في بيان مشترك.
وكانت 137 دولة تقدمت لمصر بأكثر من 370 توصية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في جلسة انعقدت في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، ودمج التقرير النهائي للمراجعة التوصيات المتشابهة ليصبح عددها النهائي 343 توصية مجمعة.
وغطت التوصيات طائفة واسعة من القضايا، كالتعذيب وتدوير المحبوسين والاعتقال السياسي والإخفاء القسري وسن القوانين المعيبة بشأن الإجراءات الجنائية واللجوء والجمعيات وملاحقة الصحفيين والحقوقيين والانتقاص من حقوق النساء وتراجع الإنفاق الاجتماعي.