المركز المصري لدعم استقلال القضاء
مائدة مستديرة في المركز المصري لدعم استقلال القضاء، لمناقشة تعديلات الإجراءات الجنائية بتاريخ 16 يناير 2024

السيسي يصدق على "الإجراءات الجنائية".. وقانونيون: شكلية وتهدر حقوق المتهم

محمد نابليون
منشور الأربعاء 17 يناير 2024

أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، القانون رقم 1 لسنة 2024 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، لجعل التقاضي في المحاكم الجنائية على درجتين أمام محاكم الاستئناف قبل اللجوء للنقض، وذلك قبل ساعات من انتهاء مدة السنوات العشر التي منحها الدستور لتطبيق ذلك النظام بحلول الأربعاء 18 يناير/ كانون الثاني الجاري.

وبحسب القانون، الذي نشرته الجريدة الرسمية مؤرخًا بتاريخ أمس، يحق للمتهمين ممن ستصدر ضدهم أحكام جنائية اعتبارًا من أمس الثلاثاء، أن يطعنوا على تلك الأحكام أمام محاكم جنائية تراقب مدى قانونية الحكم كدرجة ثانية قبل الطعن عليه بالنقض، تنفيذًا لضمانات المحاكمة العادلة التي نص عليها الدستور.

وبعد دقائق من صدور القانون، أصدر رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمد عامر جادو قرارًا بإنشاء 29 دائرة محكمة جنايات مستأنفة جديدة تتولى تنفيذ ما جاء بالقانون.

وذكرت محكمة استئناف القاهرة، في بيان حصلت المنصة على نسخة منه، أنها حرصت طيلة الـ48 ساعة الماضية، على الانتهاء من كافة أوجه العمل اللوجيستية والقانونية لإنشاء الدوائر الجديدة، بما يتوافق مع التعديلات الأخيرة التي أقرها البرلمان، مشيرة إلى أنه "جرى التواصل مع سائر محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية، وذلك للعمل على سرعة إنشاء دوائر جنايات مستأنفة بدوائر اختصاص كل منها".

لكن قانونيين انتقدوا، خلال مائدة مستديرة عقدت لمناقشة التعديلات بالمركز المصري لدعم استقلال القضاء والمحاماة، أمس، تأخر الحكومة في طرح القانون لمدة عشر سنوات كاملة، ثم الصورة التي جاءت عليها التعديلات، على الرغم من اتفاقهم على "أهمية" صدور تشريع يقر ضمانة المحاكمة على درجتين في الجنايات؛ تنفيذًا للدستور والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه مصر منذ عام 1981.

تعديلات الوقت الضائع

ووصف المحامي عصام الإسلامبولي القانون بـ"تعديلات الوقت الضائع"، قائلًا "يعني إنت بقالك عشر سنين ساكت وجاي في اليوم الأخير تقدم مشروع قانون علشان تصدره".

واتفق معه مدير المركز المصري لدعم استقلال القضاء والمحاماة، المحامي الحقوقي ناصر أمين، معتبرًا أن التعديلات "تهدر الغرض منها، وتهدد بحدوث أزمة عدالة"، قائلًا إن الأثر المترتب على صدور القانون بهذا الشكل هو "احتجاز الآلاف من البشر احتجازًا غير قانوني وتنفيذ أحكام بالحبس تصدرها محاكم جنايات أول درجة، وهي في طبيعتها غير واجبة النفاذ".

وفي هذا السياق، أكد المحامي حسن الأزهري أن "مرفق العدالة يعاني مؤخرًا حالة احتقار شديدة لفكرة القانون"، وقال "لم نعتد كمحامين أن نرى قوانين إجرائية جوهرية يتم طرحها ومناقشتها في يوم ونصف، دي حاجة ما حصلتش قبل كدا".

وأوضح الأزهري أن التشريعات الإجرائية الخاصة بمنظومة العدالة الصادرة خلال السنوات الأخيرة تتسم بحالة عامة تحاول من خلالها السلطة بث شعور لدى المواطن أن "الموضوع دا كله على بعضه كدا مالوش لازمة، إحنا قادرين النهارده نعمل أي تعديل بأي شكل".

وانتقد الأزهري فكرة غياب الحوار المجتمعي حول تعديلات بهذا الشكل على مدار السنوات العشر الأخيرة، معقبًا "إحنا في مرحلة التشريع بالقطعة أو حسب الحاجة، فالحكومة لا تتدخل تشريعيًا على مستوى القوانين المكملة للدستور، إلا وقت حدوث أزمة بسبب نص معين، إما لوجود ميعاد محدد أو تلافيًا لحدوث حالة فوضى بالمحاكم، في تطبيق لفكرة الاستحقار الدستوري وليس الاستحقاق الدستوري".

الجنحة أخطر من الجناية

وانتقد المشاركون في النقاش أيضًا ما تضمنته المواد من نصوص ستتعامل المحاكم حال تطبيقها مع الجنح كفعل أخطر من الجنايات على عكس ما هو مفترض، ومن بين تلك النصوص، حسب الإسلامبولي، ما تتيحه التعديلات من السماح للمحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية بالترافع أمام محاكم جنايات "أول درجة".

واستطرد الإسلامبولي "يعني محاكم الجنح المستأنفة لا يجوز فيها الحضور إلا للمحامي المقيد بجداول الاستئناف، وتيجي إنت في الجناية اللي بتمثل أمرًا خطيرًا على المتهم وتقبل محامي ابتدائي يترافع عنه"، معتبرًا الأمر "خطأ لا يحمله أي منطق قانوني".

واتفق معه ناصر أمين، مؤكدًا أن ذلك النص "يمثل تهديدًا خطيرًا لضمانات وحقوق المتهم، ويعرض حياته وحريته للخطر"، وقال "لا يمكن منح حق الترافع في جنايات تصل عقوبتها حد الإعدام لمحامين غير مؤهلين".

وكان بيان محكمة الاستئناف اليوم أشار إلى أنه "تم إخطار الدوائر الجنائية المستأنفة، بعدم الفصل في القضايا المعروضة أمامها، لتغير صفتها إعمالًا لصحيح أحكام التعديلات الجديدة على قانون الإجراءات الجنائية (استئناف الجنايات)، وأن يقتصر الأمر على إحالتها بحالتها إلى دوائر جنايات أول درجة بموجب إعادة توزيع العمل الذي تم إخطار سائر دوائر الجنايات في المحكمة به، إلى جانب نظر التظلم من أوامر الحبس الاحتياطي أو الإفراج، أمام محاكم جنايات أول درجة، على أن يكون الطعن عليها أمام محاكم الجنايات المستأنفة ما أمكن".

وتطرق الإسلامبولي إلى أزمة أخرى تثيرها التعديلات في أنها تحرم المتهمين في الجنايات أيضًا من حقوق يمنحها القانون للمتهمين في الجنح، في "إخلال صريح بمبدأ المساواة"، لافتًا إلى ورود ذلك في النص على "ألا يترتب على استئناف الحكم الصادر من الجنايات في أول درجة وقف تنفيذ الحكم".

وأشار الإسلامبولي إلى أن "متهمي الجنح تصدر ضدهم الأحكام الغيابية فيقيمون ضدها معارضة توقف تنفيذها، ولو رُفضت المعارضة يقيمون على الحكم استئنافًا يوقف تنفيذه أيضًا، ولا ينفذ المتهم في الجنحة الحكم إلا بصدور حكم نهائي الاستئناف".

وانتقد المحامي الحقوقي مالك عدلي تلك الجزئية أيضًا، متسائلًا "أومال أنت مديني حق الطعن على الحكم ليه لما أنت مقرر في القانون إن الحكم واجب التنفيذ بمجرد صدوره؟".

سلطات استثنائية للنيابة العامة

واعتبر ناصر أمين أن التعديلات تضمنت "مادة غريبة جدًا، تسمح للنيابة العامة بالطعن بالاستئناف على الأحكام الغيابية وتحويلها لأحكام نهائية واجبة النفاذ بحق المتهمين"، موضحًا أنها "تمثل اعتداءً مباشرًا على ذات الحق اللي القانون صدر لإقراره، لأن استئناف النيابة العامة على الأحكام الغيابية يهدر درجة المحاكمة الثانية التي صدر القانون من أجلها، لأنها هتحول الحكم الغيابي لحكم نهائي لا يجوز للمتهم الاستئناف عليه".

وهو ما أكد عليه الإسلامبولي أيضًا "دا نص غريب وشاذ جدًا وسيخلق مشكلة لا يتخيلها أحد"، معقبًا "لأنه قانونًا لا يجوز الاستئناف إلا على الأحكام الحضورية، أما الأحكام الغيابية فلها طريق آخر في الجنح هو المعارضة، يعني لو فيه متهم حصل على حكم غيابي والنيابة قدمت استئنافًا عليه وعدّلت محكمة الجنايات المستأنفة حكم الإدانة، فماذا سيكون وقتها موقف ذلك المتهم الذي سيصبح أمام حكم إدانة نهائي لا يجوز له الاستئناف عليه".

واتفق معهما مالك عدلي، قائلًا إن الأحكام الغيابية في الجنايات تسقط بمجرد تقدم المتهم بطلب إعادة إجراءات محاكمته، وبالتالي فهي تهديدية لا ثقل لها بوصفها تصدر في غيبة المتهم ودفاعه، معقبًا "يعني إيه النيابة العامة تستأنف حكم مالوش وجود أصلًا؟".

اليوم التالي لصدور القانون

وحول الأثر المباشر الذي سيجده المحامون، بداية من اليوم، قال مالك عدلي إن ما تضمنه القانون من نصوص لا تخرج عن كونها "تعديلات شكلية"، ولن تستفيد منها منظومة العدالة بأي شيء سوى "تعطيل" صيرورة الأحكام النهائية، "لأنه بيديك 40 يومًا للاستئناف على الحكم الجنائي، وبعد الاستئناف برضه هتروح النقض".

وأكمل أن "تلك التعديلات تمثل إخلالًا بالحق في محاكمة عادلة، واحتقارًا لفكرة التقاضي على درجتين، وتفريغًا لذلك الحق من مضمونه".

وفي السياق ذاته، اعتبر أمين أن "التعديلات لا تلبي غرض الدستور" من استحداث درجة ثانية للمحاكمات الجنائية، التي تقتضي أن تكون هناك محاكم أعلى في المرتبة من الناحية الفنية والمهنية لنظر الاستئناف، حتى يتمتع المتهم بضمانة إعادة محاكمته أمام محكمة أعلى، مؤكدًا أنها "لم تخرجنا من دائرة الدرجة الواحدة، نظرًا لأنه تجعل الاستئنافات تنظر أمام محاكم من ذات الدرجة والمرتبة".

وشدد على "ضرورة" أن تتدخل نقابة المحامين لتقديم طلب للنائب العام لإصدار قرار لكل النيابات بوقف تنفيذ أي حكم يصدر من محكمة الجنايات بحق متهم مخلى سبيله بوصفه له الحق في استئناف الحكم.