قبل أيام، أعلن الممثل أحمد فهمي عن عودة "الرجل العناب"، بطل مسلسله الشهير الذي حمل الاسم نفسه، ولكن هذه المرة عبر السينما، من خلال تعاون مع السبكي لتقديم أول فيلم "سوبر هيرو مصري" بأضخم ميزانية ممكنة لصورة وتقنية وإخراج أمريكيين، تليق بالمشروع المنتظر.
وعبر تلك الوعود الرنانة، زفَّ فهمي الخبر لجمهور المسلسل الذي عُرض للمرة الأولى عام 2013، وزادت شعبيته في السنوات الثلاث الماضية، بعدما إنشاء جروب فيسبوك بعنوان "عاشقي الرجل العناب"، الذي أعاد اكتشاف المسلسل من جديد، حدَّ أن أبطاله أنفسهم شكروا مؤسسيه في أكثر من تغريدة ولقاء صحفي، وكذلك انتبهت شركة أوسكار منتجته لما أدركه من جماهيرية طارئة فأعادت استغلاله بعرض مقاطع ترويجية منه عبر يوتيوب محققة ملايين المشاهدات.
كل ذلك، ربما يخبو فجأة، بسبب هذا الوعد "الضخم" بجودة منتظرة، ربما لا تناسب لثغة "عثفور" أو بريق الرجل العناب الذي يبدو أن فهمي مقبل على إطفائه.
نسختنا الرديئة الجميلة
في رمضان، قبل عشر سنوات، ظهر "الرجل العناب" كمسلسل أخيرًا، على يد المخرج شادي علي في تجربته الإخراجية الأولى، بعد سلسلة من العقبات التي تعرضت لها الفكرة، بدايةً من كونها معدة في الأصل لتكون فيلمًا، مرورًا بتأجيل انطلاق التصوير فيه، والميزانية الضئيلة المرصودة لإنتاجه، التي لولا ضعفها، ما خرجت صورته بتلك الرداءة، وكانت للمفارقة أحد أهم أسباب نجاحه.
فعكس ما يحدث في أعمال السوبر هيرو، التي اعتاد الجمهور المصري مشاهدتها في سينما هوليود، لم يكن المغني الشعبي الفاشل عصفور، بطل الرجل العناب، مفتول العضلات بل هزيلًا، ويمتلك لثغة تجعله مثار سخرية من أقرانه. وفي عام 2013، لم تكن الدراما المصرية متطورة على مستوى التقنيات البصرية مثلما هي الآن، لكنها لم تكن ضعيفة إلى ذلك الحد الذي ظهر عليه المسلسل رديء الجرافكس.
مشهد ساخر من مسلسل الرجل العناب.
تلك العوامل قدمت الرجل العناب ضمن أسلوب المحاكة الساخرة Parody، القائم أساسًا على المبالغة في التهكم من السياقات الراسخة اجتماعيًا وسياسيًا وفنيًا... إلخ. ويزخر التاريخ السينمائي المصري بأعمال متعددة في ذلك الإطار، منها مثلًا ما قدمه فؤاد المهندس في "فيفا زلاطا" الذي يسخر من الفيلم الشهير للمخرج إيليا كازان "فيفا زباطا"، كذلك فيلم "عودة مستر إكس: أخطر رجل في العالم"، أو إسماعيل ياسين في نسخته لقصة ريا وسكينة "إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة".
وتظهر القيمة الجمالية في ذلك النوع من الأعمال في الاحتفاء بالذوق السيئ والقيمة الساخرة للعمل. وفي نسخة الرجل العناب، بالإضافة إلى مفارقة خروج "سوبر هيرو" من الحواري والأزقة المصرية، لم يحقق البطل الخارق أيًا من الأهداف التي يتطلبها عمل سوبر هيرو كما قدم نفسه، فلا بطولة مثالية أو معارك قتالية ضخمة داخل المسلسل.
النجاح المتأخر الذي حققه للمسلسل، جاء في الأساس معتمدًا على ما أدركته أفلام الكوميك بوك من رواج في مصر، والجدل الذي أثارته أعمال مارفل ودي سي خلال السنوات الأخيرة، ما ساعد عملًا ينتمي إلى البارودي للتأثير في المتلقي المصري، لذلك تبدو كلمات فهمي أن عمله المنتظر سيكون فائقًا من ناحية الجرافكس، مقلقة فيما يتعلق بما كان جوهريًا لنجاح الرجل العناب من البداية.
معضلة النقيب تيسير
لم ينجح الرجل العناب بسبب دكتور بيرم وعصفور وحدهما، فجزء كبير من شهرة المسلسل يعود إلى شخصية النقيب تيسير فهمي، التي قدمها شيكو.
لو افترضنا أن الثلاثي فهمي وهشام ماجد وشيكو عادوا للعمل معًا، رغم انفصالهم الفني منذ سنوات طويلة، أو أن أحدًا آخر سيؤدي دوريهما، فعلينا أن نتصور النقيب تيسير كمحاكاة مصرية ساخرة مناقضة للصورة السينمائية والدرامية التي أعيُد بنائها من جديد لرجال الشرطة خلال السنوات الماضية، من خلال أمير كرارة في "كلبش" أو محمد رمضان في "نسر الصعيد" أو أحمد مكي وكريم عبد العزيز في "الاختيار".
هؤلاء السابق ذكرهم بمواصفاتهم البدنية القياسية وجدية القضايا التي يطاردونها، يقف النقيب تيسير على النقيض منهم تمامًا، بكرشه الممتلئ وشخصيته الهزلية والقضايا التافهة التي يكلف بها ويفشل في حلها في الوقت نفسه.
مشهد ساخر للنقيب تيسير
إن تلك الصورة لضابط شرطة، برتبة نقيب، كان من الممكن أن تمر في سياق 2013 وما سبقه، ولكن كيف يمكن أن نتخيلها بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ؟ سيكون من الصعب بالطبع تقديم تلك الصورة لضابط شرطة في الوقت الذي يقبع فيه مجموعة من الشباب قاموا بصناعة فيديو تيك توك ساخر لا يسيء إلى وزارة الداخلية من قريب أو بعيد غير أن بطلته كانت تزور حبيبها المسجون، فقُبض عليهم بتهمة "الانتماء إلى جماعات إرهابية".
هنا، علينا أن نتصور سيناريوهين، إما أن يتضمن فيلم الرجل العناب شخصية النقيب تيسير كما هي عليه، وهنا سيدخل صناع الفيلم في صدام كبير مع السلطة، أو أنه سيتم إعادة كتابة الشخصية من جديد بما يتوافق مع معايير الصورة الدرامية للشرطي المصري، مما يعني استحالة تقديمها في عمل هزلي تمامًا.
وبالإضافة إلى شخصية النقيب تيسير، استفاد الرجل العناب من سياق سياسي كان منفتحًا آنذاك في قضاياه بعض الشيء، وهو ما جعل الفُرجة عليها في تلك الفترة السياسية محاكاة ساخرة أخرى، فيقدم الرجل العناب شخصية "صريح الفيل" التي يجسدها الفنان صلاح عبد الله كرجل أعمال فاسد استفاد من مناخ الحرية الذي أشاعته ثورة 25 يناير، فأنشأ قناة فضائية وأسس حزبًا سياسيًا ترشح على أساسه إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، وهو ما لا يمكن تخيل تجسيده في عام 2023، الذي يفصله بالمناسبة عام واحد عن انتخابات رئاسية جديدة.
أسباب أخرى للفشل
ما يجعل فيلم "الرجل العناب" أقرب للفشل منه إلى النجاح، هو أحمد فهمي ذاته، الذي يظهر من منشوره على الفيسبوك أنه سيكون بطل الفيلم وحيدًا، حيث لم ينشر الثنائي شيكو وهشام ماجد أي أخبار عن العمل المزمع إنتاجه، ومنذ انفصال الثلاثي بعد فيلم الحرب العالمية الثالثة، يقدم ماجد وشيكو أعمالًا تلقى قبولًا جماهيريًا فيما يتعثر فهمي عملًا بعد آخر.
فرغم النجاح الذي حققه فيلم فهمي الأول من بطولته المطلقة "كلب بلدي"، لم تحظِ أعماله اللاحقة بالنجاح نفسه، حتى أنه اضطر لتقديم اعتذار للجمهور عن المستوى الضعيف الذي بدا عليه مسلسله الأخير "رجالة البيت".
في الوقت نفسه ظهر فهمي كثيرًا كضيف شرف في أفلام أصدقائه وأخيه، لمجرد المجاملة، غاضًا النظر عن لياقته للدور الذي يؤديه كضيف شرف من عدمه، كذلك تأثرت مسيرته جماهيريًا حين حاول أن يستثمر زواجه من هنا الزاهد في مشاريع فنية، لم تحقق النجاح المرجو أيضًا، أو تلقى صدى نقديًا إيجابيًا. وبعيدًا عن السينما خاض فهمي العديد من المعارك الكلامية حتى صار مثار حديث الجمهور أكثر مما قدمه من أعمال.
وهكذا، فإن تعثر مشروع أفلمة الرجل العناب مفيد للشخصية والعمل صاحب الجماهيرية، أكثر من ظهور عناب آخر مشوه.
كريم فهمي يعلق على مشكلة لأحمد فهمي وشيكابالا لاعب الزمالك