في عالم عربي لا يوجد فيه إعلام حقيقي بمعنى صحافة حرة، لا يكاد يمر شهر أو اثنان إلا وتسمع صخبًا في إحدى عواصمه ومنتجعاته، عن عقد منتدىً أو مؤتمرٍ للإعلام وقضاياه وتحدياته، والحاصلين على جوائزه ممن "خدموا" بإعلامهم الدولة أو الوطن أو حتى الأمة العربية بأكملها.
أحدث تلك المنتديات الإعلامية عُقِد في الرياض بداية هذا الأسبوع، وتجمَّع فيه كما يقول منظموه 1500 إعلامي سعودي وعربي وأجنبي، وأعطى جوائز لشخصيات إعلامية بارزة (لم تكن قد أُعلنت وقت كتابة هذا المقال، لحسن حظ الكاتب، ربما حتى لا يُتهم بغيرة أو حسد). وهو المنتدى الإعلامي السعودي الثاني.
تتواكب، بل وقد تفسر، الاستضافة المتأخرة من السعودية لمنتدى إعلامي عربي، مع انتقال إعلامها التليفزيوني شبه الخاص ممثلًا في مجموعة MBC بخمس عشرة قناة تليفزيونية ومحطة إذاعية، ومنها العربية والشرق، من مقرها السابق في دبي إلى العاصمة السعودية الرياض في العام الماضي. وهو انتقال لم تكن تسمح بأزياء مذيعاته ونمط معيشة مذيعيه المنفتح، واعتبارات أخرى عديدة، القيود الاجتماعية للتحالف السابق بين آل سعود وآل الشيخ، دعاة المذهب الوهابي وحراسه من المطوعين بـ"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، الذين اختفوا مؤخرًا بأوامر ولي العهد محمد بن سلمان، المكتفي بخدمات مساعده تركي آل الشيخ، للترفيه والحفلات.
حتى المنتدى الإعلامي العربي الأقدم، وهو منتدى دبي منذ عام 2001، فمن حق شبكة إم بي سي السعودية وصاحبها أو القائم عليها (الشيخ) وليد البراهيم، أن ينسبوا جانبًا كبيرًا أهم من فضل ذلك المنتدى الإعلامي بجلساته وحفلاته وجوائزه.
فقد واكب إنشاء منتدى دبي الإعلامي العربي قرار المجموعة السعودية في ذلك العام الانتقال من لندن، حيث تأسست بالعاصمة البريطانية قناة إم بي سي في سبتمبر/أيلول 1991، لتنتقل بعد عشر سنوات إلى المدينة الإعلامية الجديدة في دبي، بمزايا وتسهيلات قدمها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وبمساعدة وزير الدولة محمد القرقاوي، وهما أيضًا مؤسسا منتدى دبي للإعلام العربي.
التنافس في هذه المنتديات العربية مع نظيراتها في العالم الغربي ليس على مضمون الإعلام بل على محاكاة الشكل فقط
كان منتدى دبي للإعلام بدايةً للكثير من المنتديات الإعلامية التي انتشرت بعد ذلك، بتمويل خليجي سواء بعواصم خليجية مثل الدوحة وأبو ظبي أو بعواصم عربية أخرى تتنافس الإمارات وقطر على دعم خطها السياسي في استقطاب الإعلام العربي في العقدين الماضيين.
لم تسبق تلك التجمعات أو المؤتمرات الإعلامية العربية التي حاولت ألا تبدو رسمية بل خاصة أو شبه مستقلة، غير المؤتمرات الحكومية لوزراء الإعلام العرب بتدشين اتحاد الإذاعات العربية في فبراير/شباط من عام 1969 بالخرطوم، تحت مظلة جامعة الدول العربية، وهو الاتحاد الذي أصبحت تونس مقره، ولم يعد منها مع باقي أمانات الجامعة العربية بعد نهاية مقاطعة مصر بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل.
لا يختلف كثيرًا مضمون لغة بيانات وخطب جلسات المنتديات الإعلامية في دبي أو الرياض أو الدوحة عن اجتماعات مؤسسة جامعة الدول العربية، إلا ربما في حداثة الشكل وأناقة الأزياء وصغر الفئات العمرية وإقحام التعبيرات الإنجليزية، وسخاء وصخب الحفلات المسائية وأسلوب تقديم الحوائج الإعلامية.
التنافس في تلك المنتديات العربية مع نظيراتها في العالم الغربي من منتديات إعلامية ليس على مضمون الإعلام والتكتل لضمان استقلاله أو جوائز للمستقلين فيه ممن يكشفون ببرامجهم فسادًا تجاريًا أو سياسيًا ويتصدون له، بل تتنافس على محاكاة الشكل فقط في التنظيم وأضواء المسرح، ومقاعد المتحدثين، لتبدو مثل دافوس الاقتصادي في سويسرا أو المعارض الإعلامية وحفلاتها بفنادق لاس فيجاس الأمريكية، تنافس على الشكل لا المضمون.
في أمريكا، ينعقد خلال شهر أبريل/نيسان المقبل بمدينة لاس فيجاس، المشهورة بصالات القمار والعروض الترفيهية، المؤتمر السنوي للاتحاد الإذاعي القومي NBA بمناسبة مرور قرن على إنشائه عام 1923، وكان وقتها تجمعًا لنحو خمس عشرة محطة إذاعية خاصة بالولايات المتحدة، لتساند بعضها البعض كاتحاد لأصحاب مهنة تدافع عن حقوقها سواء في المحاكم أو في الكونجرس أو تجاه الحكومة، التي يحظر عليها القانون بحكم الدستور ملكية أو إدارة أي وسائل إعلام تنشر صحفًا أو تبث إرسالها داخل الولايات المتحدة، لضمان استقلال الإعلام وحريته.
مع تطور الإعلام من إذاعة إلى تليفزيون وصل عدد المحطات والقنوات الأعضاء في ذلك الاتحاد المعني الإعلامي أكثر من ثمانية آلاف محطة إذاعة وتليفزيون. وتجاوزت ميزانية الاتحاد المنظم للمؤتمر السنوي الإعلامي من رسوم العضوية 92 مليون دولار لدعم ومساندة العمل الإذاعي كتكتل مهني في مواجهة أي قيود على البث لهيئة حكومية مثل لجنة الاتصالات الفيدرالية FCC والتكتلات المنافسة في مجال البث والنشر وحقوق التأليف.
باقي مؤتمرات الإعلام السنوية في أمريكا، فهي ذات أكاديمي لدراسات وأبحاث الإعلام، أو حقوقي للدفاع عن الحريات وحماية الصحفيين، بجانب حفلات جوائز تكريم ممارسي الصحافة الحرة والمستقلة.
أما مؤتمرات ومنتديات الإعلام التي تمولها أو تنقلها معها كل حكومة في عالمنا العربي من عاصمة لأخرى، وتعطي جوائزها لمستشاري حكامها أو مسليهم إعلاميًا، فتلك لا علاقة لها بالإعلام ولكن بشكل وصور المنتديات، لنبدو وكأن لدينا إعلامًا، وكأن لدينا أيضًا منتديات ومؤسسات وبرلمانات، على حد تعبير علاء الأسواني صاحب رواية "جمهورية كأن".