أصدرت محكمة جنح المطرية، في جلستها المنعقدة أمس، حكمًا بالسجن 3 سنوات وغرامة 5 آلاف جنيه، لتسعة أمناء شرطة، بعد إدانتهم بالتعدي اللفظي والجسدي على طبيبين بمستشفى المطرية التعليمي، وبتعويض مدني قدره 10001 لنقابة الأطباء، وآخر للطبيبين.
وبدأت وقائع القضية، يوم 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، بطلب أمين شرطة مُصاب، من أحمد السيد، الطبيب بقسم استقبال مستشفى المطرية التعليمي، إثبات إصابات "غير حقيقية" في تقريره الطبي، وعندما رفض الطبيب هدده بأنه سيُلفق قضية له، ثم تعدى وزميل له على الطبيب، والنائب الإداري للقسم مؤمن عبد العظيم واقتادوهما لقسم شرطة المطرية، قبل أن يقرر مأموره صرفهما منه.
اقرأ أيضًا | مهنة الطب.. مستشفيات بلا حماية وواقع بلا أمان
وقلل وزير الداخلية، في ذلك الوقت، من خطورة الحادث - الذي تطور بوقائع أخرى فيما بعد حتى ارتفع عدد المتهمين بالتعدي على المستشفى وأطبائها إلى 9 أمناء شرطة - إذ وصفه بـ"مجرد شجار"، مؤكدًا أن محاسبة أفراد هيئة الشرطة تجرى "بمنتهى الشفافية"، لكنه شكا أيضًا من تعرض الجهاز الأمني لـ"حملة إساءة كبيرة".
وأثارت الواقعة غضبًا بين جموع أطباء مصر، لم يتوقف عند خوض أطباء مستشفى المطرية التعليمي إضرابًا عن العمل، تضامنًا مع زميليهما، لحين اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه أمناء الشرطة، أو تحرير نقابة أطباء القاهرة- نيابة عن المستشفى- محضر تعدي ضد الشرطيين وتقديم بلاغًا للنيابة العامة، فالغضب عم مختلف أنحاء الجمهورية.
وسارعت نقابة الأطباء بدعوة أعضاء جمعيتها العمومية إلى الاجتماع في 12 فبراير/ شباط الماضي، ثم تنظيم وقفات احتجاجية صامتة يوم 20 من الشهر نفسه، في مختلف مستشفيات الجمهورية، تحت شعار "وقفات الكرامة"، للمطالبة بالقصاص من المتعدين.
حكم خففه قرار الإحالة
من واقع أوراق القضية، أحيل المتهمون التسعة للمحاكمة بتهم أبرزها "السب والقذف، واقتحام مستشفى، والبلطجة واستعراض القوة، وإساءة استخدام السلطة"، ما كان يمكن أن يجعل محاكمتهم بموجب نصوص قانون الإرهاب، كما طالبت الناشطة الحقوقية سيدة قنديل، محامية الطبيبين المجني عليهما، فتصدر عقوبة أشد من ذلك الذي صدر بالفعل وجاء "أقل" من توقعاتها.
وقالت محامية المدعين بالحق المدني، لـ"المنصّة"، إن السبب في ذلك هو "القيد والوصف" الذي أحالت نيابة شرق القاهرة به المتهمين إلى المحكمة، والذي ترى أنه كان من المفترض أن يكون بمواد قانون الإرهاب 8 لسنة 2015، وليس العقوبات.
واعتبرت "قنديل" الحكم الحالي "مُخفف" في حدود الجرم المرتكب، و"مُغلّظ" بالنظر لحدود اختصاصات محكمة الجنح، التي كان يمكنها بموجب السلطة الممنوحة لها بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية تعديل "القيد والوصف"، استجابة لطلب قدمته لها قبل المرافعة في جلسة أمس.
وتوقعت المحامية الحقوقية أن يقدم استئناف على الحكم لتخفيفه، لا سيما وأن المتهم الخامس لم يحضر الجلسات فيحق له المعارضة على الحكم، فيما يحق لزملائه الثمانية الأخرين الاستئناف عليه.
وأكدت "قنديل" أن المدعين بالحق المدني- محامين ومجني عليهم ونقابة أطباء- يواجهون عقبة تتعلق بأنهم يتعاملون في إطار الدعوة المدنية فقط، بينما الجنائية تنحصر بين المتهمين والنيابة، مستدركة بقولها إنهم سيحضرون جلسات الاستئناف وسيحرصون على أن يظل الحكم كما هو، وأنهم سيقدموا في سبيل تحقيق ذلك كل الدفوع، كما أعربت عن أملها في أن تقبل محكمة ثاني درجة بتعديل القيد والوصف.
ترحيب وتفاؤل نقابي
بطريقة تختلف عن ترحيب "قنديل" الحذر والمتحفظ، استقبلت نقابة الأطباء الحكم بالترحيب، واعتبرته خطوة على طريق إيقاف ظاهرة الاعتداء على المستشفيات، مطالبة بإقرار مشروع قانون لتغليظ عقوبة هذا الفعل، والذي ذكرت إنها قدمته للجنة الصحة بمجلس النواب.
وقال الأمين العام المساعد للنقابة، الدكتور رشوان شعبان، لـ"المنصّة"، إن الحكم وإن كان جاء متأخرًا بعد 8 شهور، إلا أنه في وقته، لأن المستشفيات تتعرض فعليًا بشكل يومي للتعدي، ما يجعل من الحكم "رادعًا" لكل من تسول له نفسه التعدي على المستشفيات، خاصة من يفترض بهم حمايتها.
وأشاد "شعبان" بأن الحكم شمل كل من تعدوا بشكل "همجي وبلطجي" على الطبيبين، بعد أن تم استدعائهم من القسم إلى مستشفى المطرية التعليمي، وليس أمينا الشرطة الذين بدأت بهما الواقعة فقط.
ورأى الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء في الحكم أحد سبل رفع الروح المعنوية لمقدمي الخدمة الصحية للمواطنين، ودافعًا لهم لعدم التفريط في حقهم بالتهاون أو الاستجابة للابتزاز، في ظل ما يتعرضون له في أغلب حالات التعدي من ضغوط "شُرطية وأحيانًا من النيابة" للتصالح، بورقة ضغط "محضر مقابل محضر، وقضية مقابل قضية".
وأشار "شعبان" فيما يتعلق بالإجراءات المقبلة للنقابة للحيلولة دون التعدي على المستشفيات، إلى مشروع قانون قدمته النقابة للجنة الصحة بمجلس النواب، بتعديل عقوبة التعدي على المستشفيات والأطباء وتغليظها، مؤكدًا أنه لاقى استجابة من كثير من أعضاء اللجنة، وحال دون مناقشته ازدحام الأجندة التشريعية خلال دورة الانعقاد الأولى للمجلس.
واختتم عضو نقابة الأطباء بمطالبة الدولة بسد ذرائع التعدي على المستشفيات، والتي رأى أن من بينها أسبابًا خارج أيدي الأطقم الطبية وتشكّل "استفزازًا" لذوي المرضى، وعلى رأسها نقص الإمكانيات.