أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، اليوم، عدة قرارات جمهورية شملت تعديلات وزارية، وتعيين محافظ للبنك المركزي وإعادة تشكيل مجلس إدارته، وتعيين أعضاء في مجلس الشورى ومحافظين.
وشملت التعديلات، وفقًا لما نقلته وكالات ومواقع إخبارية، حقائب الإعلام والسياحة والمالية والأوقاف والإرشاد الديني والتعليم العالي، كما عُين بموجبها منصر صالح القعيطي، محافظًا للبنك المركزي الذي نُقِل مقرّه من صنعاء- حيث يتركز الحوثيين بقوة أكبر- إلى عدن، العاصمة المؤقتة في البلاد والخاضعة لسيطرة الحكومة.
وتأتي القرارات الجديدة من الرئيس "هادي"، المُعترف بشرعيته دوليًا، في ظل نزاع عسكري يشهده اليمن بين قوات تحالف عربي وبين جماعة الحوثيين، أسقط الآلاف من القتلى والجرحى، ودمر البنية الأساسية في البلاد، جنبًا إلى جنب مع ما تعانيه من تردي اقتصادي أعلن عنه اليوم بالأرقام المحافظ الجديد للبنك المركزي اليمني.
انهيار المنظومة المالية
واتهم "القعيطي"، في مؤتمر صحفي عقب توليه مهام منصبه، الحوثيين بالقيام بعمليات سحب نقدي غير قانونية أدت إلى صرف مبالغ طائلة لدعم عملياتهم العسكرية، وقال إن تلك المخالفات كانت سببًا في تراجع الاقتصاد وانهيار المنظومة المالية، كما اتهمهم بـ"حرمان" عدد واسع من موظفي الدولة من تقاضي مرتباتهم.
وشغل المحافظ الجديد للبنك المركزي، وفقًا لما ذكره موقع "إرم نيوز"، مناصب اقتصادية حكومية عديدة، من بينها رئيس مجلس إدارة بنك التسليف والتعاون الزراعي، ووزير المالية في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بعد تردد أنباء عن خضوع سلفه المُقال لجماعة الحوثي.
وحذّر "القعيطي" من أن الاحتياطي النقدي الأجنبي صار على وشك النفاذ، وأنه لم يتبقى لليمن سوى 700 مليون دولار فقط منه، وذكر أن البنك المركزي- حين كان مقرّه في صنعاء- صرف على مدار الفترة الماضية ما يعادل 100 مليون دولار شهريًا لممثلي اللجنة الثورية للحوثيين ومندوبيهم في "المالية".
واتهم محافظ البنك المركزي الجماعة نفسها بإجراء سحب نقدي غير قانوني من خزائن البنك المركزي في صنعاء والحُديدة بلغت قيمته الإجمالية مليار 800 مليون دولار خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية.
ويعاني اليمن من أزمة اقتصادية طاحنة، لا سيما في ظل تراجع أسعار النفط خلال العام الماضي.
وذكر البنك الدولي- استنادًا لتقارير رسمية - أن إجمالي الناتج المحلي في اليمن انكمش في عام 2015 بنسبة تقدر بحوالي 28%، وأن الصراع المتفاقم منذ مارس/ آذار 2015 أدى إلى تعطل الأنشطة الاقتصادية على نطاق واسع وتدمير البنية التحتية.
وأفاد البنك الدولي بأنه منذ الربع الثاني من عام 2015، توقفت صادرات النفط والغاز اليمنية، كما انكمشت الواردات، فيما عدا واردات البلاد الضرورية من المواد الغذائية ومواد الطاقة.
فاتورة صراع الحوثي والنظام
على الصعيد السياسي والميداني، شهدت البلاد أحداث عنف وصراع على السلطة، منذ الثورة على رئيسها السابق علي عبد الله صالح، لينتهي الأمر الآن إلى حرب تشنها قوات عربية ضد قوات الحوثيين، ما أسفر عن تعدد الخسائر البشرية والمادية.
وأعلنت المملكة العربية السعودية، في مارس/ آذار 2015 تشكيل تحالف عربي بقيادتها، يضم دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن وباكستان والسودان والمغرب، لشن عملية عسكرية حملت اسم "عاصفة الحزم"، دعمًا للرئيس عبد ربه منصور هادي - المُعترف بشرعيته دوليًا - ضد تحالف مضاد يضم قوات مواليه لسلفه علي عبد الله صالح وجماعة الحوثيين.
وتعود جذور النزاع الحالي مع الحوثيين- الجماعة السياسية الدينية المتهمة بتلقي دعمًا من إيران- إلى عدم التزامها بنزع السلاح، التزامًا بنتائج الحوار الوطني بين القوى السياسية بعد سقوط حكم "صالح"، لتدخل في صراع مع النظام الجديد في البلاد، وتعلن في 2014 سيطرتها على العاصمة ومنشآتها الإدارية والحكومية، بل وتمكنت من حل الحكومة، وتشكيل أخرى برئاسة خالد بحاح، والذي يخلفه الآن على رأس حكومة جديدة، أحمد عبيد بن دغر.
وطالت سطوة الجماعة الرئيس "هادي" نفسه حينما أخضعته للإقامة الجبرية في مطلع 2015، داخل بيته في العاصمة صنعاء، ليقرر التقدم بالاستقالة من منصبه، تراجع عنها بمجرد تمكنه من الإفلات من مقر إقامته بعد شهر واحد فقط.
وفي ظل الصراع، الذي لم تفلح في تهدئته محادثات سلام انعقدت بين النظام وخصومه في الكويت، استمر عدد الضحايا المدنيين في الارتفاع، إذ قدرت الأمم المتحدة في أغسطس/ آب الماضي، عدد ضحايا الصراع الدائر منذ 2015 بين الحوثيين وأنصار "هادي" بعشرة آلاف قتيل.
ونقلت الأمم المتحدة، عن تقرير آخر صادر الشهر الماضي عن الفريق المعني بحركة السكان التابع لها، أن أعداد النازحين بسبب الصراع في اليمن ارتفعت لتصل إلى أكثر من 3 ملايين و100 ألف شخص، بينهم 2 مليون و200 ألف مشردين داخليًا، وأن النزوح في أنحاء هذا البلد ارتفع بنسبة 7% منذ أبريل/ نيسان الماضي، في ظل الصراع المتصاعد والأوضاع الإنسانية المتدهورة.
وعلى الرغم من ذلك التدهور في الأوضاع الإنسانية في اليمن، واذي تقر به المنظمة الأممية، إلا أن أوضاعًا أخرى في البلد نفسه، هي السياسية والأمنية، شكّلت حائلاً دون مد يد العون للمتضررين؛ فبسببها قرر البنك الدولي تعليق جميع بعثاته إلى اليمن منذ يناير/كانون الثاني 2015، كما علّق في 11 مارس/أذار من العام نفسه جميع عمليات صرف مدفوعات المنح والاعتمادات إلى المشاريع التي تمولها المؤسسة الدولية للتنمية والصناديق الاستئمانية التي يديرها.