ميناء الإسكندرية
سفن على ميناء الإسكندرية

لماذا يتنافس الخليج للاستحواذ على نشاط الحاويات في مصر؟

منشور الأحد 12 فبراير 2023

يشتمل برنامج الشركات المرشحة للخصخصة الذي أعلن عنه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قبل أيام على شركتين تعملان في مجال تداول الحاويات. ويرجح مراقبون لهذا القطاع أن تتنافس دول خليجية للحصول الحصص المطروحة في الشركتين، كامتداد للمنافسة الحامية بين السعودية والإمارات وقطر على نشاط الملاحة في مصر، والتي لا تمثل فقط مصدرًا هائلًا للربح، ولكن أيضًا فرصة لتسهيل نفاذ الصادرات البترولية من الخليج لأوروبا.

المنافسة الحامية على المياه المصرية

قبل نحو عقد ونصف، أبرمت الإمارات مع مصر صفقة استحواذ على ميناء السخنة، ما مثل حضورًا قويًا للدولة المشهورة بنشاطها الواسع في مجال الخدمات المرتبطة بالتجارة، وبدت قطر وكأنها تبحث لنفسها عن موطئ قدم على المياه المصرية، مع الأنباء المتداولة خلال العام الماضي عن نواياها الاستحواذ على ميناء سفاجا.

ولا يحوي برنامج الخصخصة الأخير على طروحات ترتبط بالمواني، لكنه يضم شركتين بارزتين لتداول الحاويات، وهما دمياط وبورسعيد، اللتان من المتوقع أن تكون المنافسة عليهما بنفس الحدة.

الرغبة الخليجية في حجز موقع في شركات الحاويات المصرية بدت واضحة خلال العام الماضي، مع بيع حصص تتجاوز 50% من الإسكندرية لتداول الحاويات، عبر  صفقتين لصالح السعودية والإمارات.

ولا توجد حصص إضافية من الإسكندرية مرشحة للخصخصة، لكن شركتي الحاويات الأخريين، بورسعيد  ودمياط، تم تجهيزهمها منذ العام الماضي للخصخصة عبر قيدهما في البورصة.

لماذا يهتمون بالحاويات؟

لا يقل نشاط تداول الحاويات أهمية في نظر المستثمرين عن نشاط المواني، وهو ما يضع الشركات الثلاث، الإسكندرية ودمياط وبورسعيد، على خريطة الاستثمارات الاستراتيجية التي يستهدفها المستثمرون، كما يقول عضو مجلس إدارة في شركة حكومية للحاويات للمنصة "الشركات تستأجر الأرصفة من الهيئة المسؤولة عن الميناء، ثم تقدم عليه الخدمات، وأبرز هذه الخدمات هي نشاط الحاويات".

تتجلى هذه الأهمية الاستراتيجية في نتائج أعمال الإسكندرية لتداول الحاويات، والتي استطاعت أن تحقق أرباحًا صافية بـ 1.8 مليار جنيه خلال النصف الثاني فقط من العام الماضي، ما يبدد الحيرة بشأن التنافس القوي على هذا النوع من الشركات.

ووفقًا للمصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، يستقبل ميناء الإسكندرية نحو 60% من الواردات المتدفقة لمصر، ويتم نقلها لباقي الجمهورية".

امتلاك قطر لموطئ قدم في بورسعيد أو دمياط يقلل عليها تكلفة تصدير الغاز لأوروبا

لكن بعد أن تخلت الدولة عن أكثر من نصف "الإسكندرية"، صار مستبعدًا أن تطرح الدولة مجددًا حصصًا جديدة من الشركة بأحجام كبيرة. وعلى النقيض هناك فرص لطرح حصص كبيرة في شركات بكر، مثل بورسعيد ودمياط، لم تمر على صفقات خصخصة كبيرة من قبل. وهو مايزيد من جاذبيتهما في نظر المستثمرين، كما يقول المستثمر في أسهم قطاع المواني، حافظ سليمان "الحكومة لن تتخلى عن الحصة المتبقية في الإسكندرية والمستثمر يريد حصة كبيرة ويبحث عن الربح بشكل أساسي.. أكبر قطاع مربح في المواني هو الحاويات".

وشركة بورسعيد لتداول الحاويات والبضائع، تأسست في 1984 وتعمل في مجال الحاويات، على ميناء بورسعيد الاستراتيجي على البحر المتوسط عند المدخل الشمالي لقناة السويس، أما شركة دمياط لتداول الحاويات والبضائع، فقد تأسست عام 1986 وتعمل على تداول الحاويات والبضائع على ميناء دمياط.

بوابة لأوروبا

الطموح القطري تجاه قطاع الحاويات المصري بدا واضحًا مع نشر تقارير إعلامية عن أن جهاز قطر للاستثمار يسعى للحصول على حصة، يحبذ أن تكون أغلبية رغم التحفظ الحكومي، في شركتي بورسعيد ودمياط. واستقبلت الشركتان مؤخرًا زيارة فعلية من وفد لشركة مها كابيتال القطرية، الذراع الاستثمارية لجهاز قطر للاستثمار، بهدف التعاون الاستثماري لتطوير نشاطهما، كما أُعلن في تصريحات رسمية.

الاهتمام القطري بشركات الحاويات المصرية، يمكن تفسيره في سياق خطة الدولة الخليجية لأن تصبح أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال، والمصدّر الأساسي للقارة الأوروبية، خاصة وأن الأخيرة تعاني في الوقت الراهن من انقطاع الغاز الروسي في ظل التوترات التي أعقبت حرب روسيا وأوكرانيا.

الغاز القطري الذاهب لأوروبا يمر عبر قناة السويس، لذا يمثل امتلاك ميناء أو محطة حاويات بالقرب من القناة أهمية استراتيجية في الوقت الراهن، إذ يؤمنها من مخاطر التعرض لأي انقطاع في مسار الصادرات حال وقوع أي توترات سياسية مع مصر.

كما أن امتلاك قطر لموطئ قدم في بورسعيد أو دمياط يقلل عليها تكلفة تصدير الغاز لأوروبا، كما يوضح خبير النقل الدولي واللوجستيات حمدي برغوث، للمنصة "امتلاك شركة للحاويات في مصر يمكّن قطر من تصدير الغاز لمناطق متعددة داخل أوروبا بتكلفة أقل، إذ يتيح لها منطقة ترانزيت للصادرات".

ويقول مصدرنا بشركة الحاويات إن "منطقة القناة تنطوي على ميزة تنافسية كبيرة لأنها بجوار خط السير البحري، وهذا الخط هو المسار الذي يفترض أن تتحرك فيه السفن المسافرة عبر الدول. وكلما اقترب الميناء من هذا الخط كان ذلك أفضل للسفن، لأنه كلما انخفضت المسافة بين خط السير والميناء انخفضت التكلفة والوقت".

بالتالي فإن محطات الحاويات العاملة في مواني مثل بورسعيد ودمياط تتمتع بميزة تنافسية إذ يكون الإقبال عليها أكبر من مواني أخرى، وفقًا للمصدر.

من جهة أخرى، فإن البلدان الخليجية الثلاث، السعودية والإمارات وقطر، تمتلك فوائض ضخمة وخبرة أكثر تقدمًا في إدارة الخدمات اللوجستية، لذا فكل واحدة ترى لنفسها دورًا محتملًا في تطوير هذه الخدمات في مصر وتعظيم الأرباح الناتجة عنها، كما يضيف برغوث.

كيف سندير سيناريو الخصخصة؟

تشير التوقعات إلى أن المستثمرين الخليجيين سيتحصلون على حصص في الشركتين أولًا، قبل أن تطرحهما الحكومة للاكتتاب في البورصة.

وعلى الرغم من أن جهاز قطر للاستثمار هو المرشح الأول لتلك الحصص، لكن المصدر بشركة الحاويات يرى أن "الإمارات لن تترك أحد غيرها يستحوذ على هذا النشاط"، ويدلل على ذلك بالنشاط المحموم لدبي وأبو ظبي للاستحواذ على محطات للحاويات في مصر بالقرب من قناة السويس والبحر الأحمر.

ويرى المصدر أن تطلعات كل بلد خليجي ستبدو أكثر وضوحًا من خلال تفاصيل الصفقات المنتظرة والصفقات اللاحقة عليها، حيث يقول "هناك فرق بين الاستحواذ على رصيف في الميناء أو الدخول في شراكة في محطة. لو قطر عينها على تصدير الغاز ستتطلع لإجراء صفقة لاحقة للاستحواذ على رصيف غاز ليكون مجهز لتبادل صادرات الغاز، أو أن تشارك في محطة حاويات تدير رصيف مثل محطتى بورسعيد ودمياط".

وتعرضت الحكومة لانتقادات واسعة منذ العام الماضي بسبب طرح حصص للبيع في شركات تحقق أرباحًا كبيرة، خاصة تلك المرتبطة بالنشاط التصديري والتجاري مثل شركات الأسمدة وتداول الحاويات.

ويأتي هذا الاتجاه نحو الخصخصة مدفوعًا بتراجع احتياطات النقد الأجنبي منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتراكم فجوات تمويلية كبيرة مع ضعف واضح للاستثمار الأجنبي المباشر.