وسط حزمة من القرارات الحكومية، وافق مجلس الوزراء الأسبوع الماضي على مشروع قرار بإنشاء شركة قابضة لقناة السويس، يندرج نظام عملها تحت قانون 203 لسنة 1991، الذي خصخصت الدولة تحت مظلته الكثير من الشركات خلال ثلاثة عقود مرت على صدوره.
لم يُثر القرار الأخير جدلًا واسعًا، ربما بسبب عدم وضوح تفاصيله القانونية. لكنه، وفقًا لقراءة خبراء تحدثوا للمنصة، يُعد محاولة جديدة لتمرير المشروع الذي سبق وحاولت الدولة تمريره من خلال اقتراح إنشاء صندوق لإدارة أصول القناة. والذي واجه انتقادات واسعة النطاق لأنه يُسهم في إدماج مؤسسات هذا المرفق الاستراتيجي في دائرة الخصخصة.
محاولة جديدة لفكرة قديمة
قبل أكثر من ستة أشهر، وافق مجلس النواب المصري بشكل مبدئي على تعديل قانون هيئة قناة السويس رقم 30 الصادر عام 1975، وهو القانون المُنظم لعمل الهيئة منذ إعادة افتتاح القناة بعد حرب 1973.
قدمت الدولة مشروع التعديل التشريعي على أنه محاولة لخلق صندوق يساعد هيئة القناة على زيادة مواردها المالية لتنمية مرافقها، بدلًا من الاعتماد القوي على موارد الخزانة العامة، وذلك من خلال وسائل عدة، من أبرزها حق الصندوق في تأجير واستغلال أصول هيئة قناة السويس.
لكن الرأي العام قرأ التشريع الجديد من منظور أنه محاولة لإدماج الكيانات التابعة لقناة السويس في دائرة الخصخصة، ما يمثل مساسًا بخصوصية هذا المرفق الاستراتيجي. وجاء النقد من داخل مجلس النواب الذي أعلن العديد من أعضاءه عن رفضهم التام للمشروع.
تجددت المحاولة الأسبوع الماضي من خلال مشروع قرار لمجلس الوزراء تمت الإشارة له في واحد من البيانات الروتينية للمجلس، دون أي صخب سياسي مصاحب لصدوره.
القرار الجديد كان بإنشاء "شركة قناة السويس القابضة للصناعات والخدمات البحرية والاستثمار"، التي ستتأسس تحت قانون 203 الصادر عام 1991، ولم يوضح البيان الحكومي إلى أي مدى ستسيطر القابضة الجديدة على أصول القناة، واكتفى بالإشارة لنقل تبعية شركتين من شركات القناة السبعة لهذه القابضة، وهما شركتي القناة لرباط وأنوار السفن، والشركة البورسعيدية للأعمال الهندسية والإنشاءات البحرية.
ما الهدف من التشريع الجديد؟
"إنشاء شركة قابضة لقناة السويس وفقًا لقانون قطاع الأعمال العام غرضه الأساسي هو السماح للقطاع الخاص بالدخول في شركات هيئة قناة السويس"، كما يقول عضو مجلس إدارة شركات قناة السويس الأسبق، وائل قدورة، للمنصة.
وكانت الدولة أقرت قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 في أعقاب اتفاق شهير مع صندوق النقد والبنك الدوليين في مطلع التسعينيات، ما يُعرف بـ "التثبيت والتكيف الهيكلي"، الذي انطوى على تعهدات بتقليص الملكية العامة، وفي هذا السياق نُقلت الكثير من الشركات العامة إلى ولاية هذا القانون، الذي يشتمل على بنود تشريعية تيسر من إتمام عملية الخصخصة.
"قناة السويس القابضة الجديدة، هي البديل لصندوق هيئة قناة السويس، بعد العجز عن تمرير إنشاء الصندوق" كما يقول عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، علي الإدريسي، للمنصة.
بدخول شركات القناة لولاية قانون الخصخصة يصبح الطريق مفتوحًا لنقلها لولاية صندوق مصر السيادي
ويضيف الإدريسي "المواد 17، و44 من اللائحة التنفيذية لقانون قطاع الأعمال العام، تمنح الشركات القابضة حق تأسيس الشركات المساهمة مع الغير من القطاع الخاص، وحق شراء وبيع الأصول المالية".
وبحسب مستشار هيئة قناة السويس السابق، أحمد الشامي، فإن فكرة إنشاء الشركة القابضة أوحت بها إحدى الجهات الاستشارية من قبل "استعانت إدارة قناة السويس بإحدى الشركات الأجنبية التي أصدرت توصيات بضرورة إعادة هيكلةالشركات، ودمج البعض الآخر، وإنشاء شركة قابضة لشركات القناة تمهيدًا لطرحها في البورصة".
ويرى قدورة أنه من المستبعد أن يكون الهدف من القانون الجديد مجرد السماح لهيئة القناة بشيء من المرونة في تأسيس شركات جديدة متحررة من قيود القطاع العام، حيث تم السماح لها قبل نحو ثماني سنوات بتأسيس شركات تحت قانون الشركات المساهمة، من خلال قرار لرئيس الجمهورية في عام 2015،برقم 90 لسنة 2015.
وبدخول شركات القناة لولاية قانون الخصخصة، 203 لسنة 1991، يصبح الطريق مفتوحًا لنقلها لولاية صندوق مصر السيادي، الذي يلعب دورًا محوريا في بيع أصول الدولة منذ إنشاءه، فقد صار مسموحًا لرئيس الوزراء منذ 2020، بمقتضى تعديل تشريعي، نقل ملكية أسهم أي شركة تحت قانون 203 للصندوق السيادي.
كم تبلغ أصول الهيئة؟
تتمتع هيئة قناة السويس بأصول ضخمة، تم تقييمها في العام المالي 2021 بنحو 172 مليار جنيه، غالبيتها من الأصول الثابتة، أي المنشآت والمعدات الرئيسية للجهات التابعة للهيئة، والتي تقترب قيمتها من 100 مليار جنيه.
لكن النجاح في ترويج الأصول عادة ما يكون مرهونًا بقدرتها على توليد الربح، وفي هذا المجال فإن غالبية شركات الهيئة تحقق أرباحًا صافية، خمسة شركات رابحة من إجمالي سبعة شركات، وفقًا لنتائج الأعمال في العام المالي 2020.
وبينما يشير القرار الحكومي الأخير بنقل تبعية "القناة لرباط وأنوار السفن" إلى القابضة الجديدة، تشير نتائج أعمال الهيئة إلى مساهمة هذه الشركة بأكثر من 92% من أرباحها، والشركة الثانية المنقولة للقابضة، البورسعيدية، هي أيضا ثالث أعلى شركات الهيئة من حيث القدرة على الربح.
"الحكومة لن تتخلى عن أكثر من 20% من شركة القناة لرباط وأنوار السفن لأن لها دور هام في تنمية إيرادات القناة وبالتالي تريد استمرار سيطرتها على تلك الشركة"، كما يقول قدورة.
وبحسب موقع شركة القناة لرباط وأنوار السفن، فإنها تقوم بتزويد السفن العابرة لقناة السويس
بكشافات إضاءة.
على الرغم من الدور الحيوي لبعض شركات قناة السويس وغلبة الربح عليها، يرى أحمد الشامي أن عددًا منها لا يزال يحتاج للكثير من التطوير حتى تكون مؤهلة للخصخصة "بعض الشركات استفادت من أن هيئة قناة السويس هيئة رابحة، مما خلق بيئة تكاسلية".
ويضيف الشامي "هناك ضعف في قدرة الشركات على التسويق الخارجي، إضافة إلى أن حجم العمالة الفنية بالشركات قليل مقارنة بالموظفين الإداريين، وتقادم قوانين ولوائح التعيينات والمكافآت والجزاءات، إذ لعب عُرَف أبناء العاملين دورًا كبيرًا في التعيينات".
سيتضح بشكل أكبر مدى قدرة الدولة على جذب القطاع الخاص لمنشآت القناة، والتي ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن دائرة الخصخصة، ولا تتوفر الكثير من البيانات عن طريقة إدارتها الداخلية ومدى تنافسيتها مع القطاع الخاص.