في 2017، كانت وسائل الإعلام تحتفي بأعمال البناء في محطة بني سويف للكهرباء، والتي وُصفت بأنها الأكبر في العالم، وكانت واحدة من ثلاثة مشروعات كهرباء عملاقة، شملت أيضًا محطتي البرلس والعاصمة الإدارية الجديدة، وتم الترويج لهم في هذه الفترة باعتبارها إنجازًا لتأمين الطاقة، وتجنب انقطاعات التيار.
في 2019، بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن أسماء شركات دولية تسعى للاستحواذ على حصص في المحطات الثلاثة، وبمرور الوقت تبين أن "بني سويف" واحدة من أبرز المحطات المرشحة للخصخصة، وأن الحصة المخطط بيعها ستبلغ 70%.
السبب وراء هذا البيع السريع هو الرغبة في تخفيف أعباء الديون الخارجية، التي نمت بأكثر من 280% خلال العقد الأخير، ما يحول "بني سويف" إلى واحدة من القصص التراجيدية في أزمة الديون المصرية.
وتخوض الحكومة في الوقت الراهن مفاوضات عسيرة مع البنوك الدائنة للمحطة، كما ستواجه تحديات أكبر بعد الخصخصة، مع تحول أكبر محطة مصرية من الملكية العامة للملكية الخاصة، وهو ما نسعى لتناوله هنا بشكل مفصل.
مفاوضات عسيرة
بين عامي 2015 و 2016 أُبرمت اتفاقات تمويل المحطات الثلاثة؛ بني سويف، والبرلس، والعاصمة الإدارية، مع 17 بنكًا عالميًا، لتدبير 3.5 مليار يورو لهذه المشروعات.
ولم يُعلَن حجم التمويلات التي وُجِهت لمحطة بني سويف على وجه الخصوص، لكن رئيس الجمهورية قال إنها تكلفت 2 مليار يورو، وتم الاعتماد بشكل رئيسي على القروض الأجنبية لتمويل هذه المحطة، حيث اقتصرت التمويلات المحلية على 23%.
وبحسب مصدر في وزارة الكهرباء، على صلة بالمشروع، تحدث لـ المنصة فإن الدولة منذ أن بدأت سداد أقساط قروض المحطة في 2019، وهي مستمرة في السداد حتى الوقت الراهن دون أي تعثر.
ويوضح مصدر ثان بالوزارة، مطلع على تطورات ملف المحطة، لـ المنصة أن ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه خلال فترة سداد القرض كانت دافعًا قويًا للحكومة للتفكير في البيع.
وأبرمت مصر اتفاق تمويل محطة بني سويف وقت أن كان سعر الدولار أقل من 10 جنيهات، والذي ارتفع خلال السنوات التالية ليصل لأكثر من ثلاثة أضعاف في الوقت الحالي.
وتتطلع الوزارة لتخفيف أعباء باقي المديونية القائمة على المحطة بمجرد إتمام بيعها، حيث سيساهم المشتري في سدادها. لكن إتمام هذا الاتفاق يتطلب بداية الحصول على موافقة من البنوك الممولة للمشروع.
ولم يُعلن عن باقي المستحقات القائمة على محطة بني سويف، أو سعر الفائدة على القرض، لكن تقارير صحفية ذكرت أن حزمة القروض الألمانية للمحطات الثلاث سينتهي سدادها في 2031.
ورغم أن الحديث عن خصخصة المحطة بدأ قبل نحو خمس سنوات، لا تتوقع وزيرة التخطيط إتمام البيع قبل الربع الأول من 2024.
وبحسب المصدر الثاني في وزارة الكهرباء فإن الاتفاق على سعر الفائدة يعد واحدًا من أبرز الملفات الصعبة في التفاوض.
ويوضح المصدر "التفاوض الآن مع البنوك الألمانية بسبب اعتراضها على أسعار الفائدة على القروض، إذ تطالب بزيادتها لأنها تري أنها وضعت في اعتبارها وقت تحديد الفائدة أن المشروع تنموي، لكنه في حالة بيعه سيتحول إلى مشروع استثماري".
ويتولى صندوق مصر السيادي في الوقت الراهن عملية طرح حصة من "بني سويف" للمستثمرين، وحاولت المنصة التواصل مع رئيس الصندوق لمعرفة آخر تطورات عملية التفاوض عبر الهاتف، لكن لم نحصل على إجابة.
تحديات ما بعد البيع
وقت إنشائها، تم الترويج بقوة لمحطة بني سويف باعتبارها تعمل بتكنولوجيا حديثة موفرة لاستهلاك الغاز الطبيعي في عملية إنتاج الكهرباء، وهو مكسب كبير للدولة، لكن مع انتقال المحطة للقطاع الخاص ستصبح في موقف تنافسية قوي مع محطات وزارة الكهرباء القديمة، بالنظر إلى أن الأخيرة تنتج كهرباء بتكلفة أكبر.
وبحسب موقع الرئاسة المصري تساهم محطة بني سويف، التي بدأ تشغيلها في 2018، بما يقرب من 20% من الكهرباء في مصر.
ويشرح المصدر الأول أن"المحطة تتميز باحتوائها دورة مركبة، ما يساعدها على إنتاج جزء من الطاقة دون وقود، بالاعتماد على العادم الناتج عن استخدام الغاز في عملية الإنتاج".
ويقر المصدر نفسه بأن المحطة تستطيع تقديم الكهرباء بتكلفة أقل من نظائرها التابعين لوزارة الكهرباء، لكنه يشير إلى أنه خلال الفترة الأخيرة بدأت الوزارة تعمل بشكل مكثف على تحديث محطاتها هي الأخرى.
"تم إيقاف العديد من محطات الكهرباء كثيفة الاستهلاك للوقود، وتحويل البعض منها إلى محطات تعمل بالدورة المركبة، بل وصل الأمر إلى تكهين بعض المحطات لاستهلاكها العالي للوقود. هذا بجانب الاعتماد على محطات الطاقة المتجددة، ويتم الآن الاعتماد على المحطات الأقل في استهلاك الوقود، التي تتميز بكفاءتها الأعلى" كما يقول المصدر.
وقالت وزارة الكهرباء هذا العام إنه تم تحويل ست محطات تعمل بالغاز إلى نظام الدورة المركبة.
وستجد محطات الكهرباء نفسها في منافسة مع محطة بني سويف، بعد الخصخصة، بحكم قانون الكهرباء الجديد الذي أُبرمَ في 2015، ونص على مرحلة انتقالية مدتها 8 سنوات يتم خلالها التمهيد لإنشاء سوق تنافسية للطاقة في مصر بين محطات الدولة والمحطات الخاصة.
وبحسب القانون، ستعمل شركة "نقل الكهرباء" ككيان محايد، على شراء الكهرباء من المحطات المختلفة، مع مراعاة "تكافوء الفرص"، وذلك بعد عقود طويلة من احتكار الدولة لإنتاج الكهرباء.
ويقول أستاذ هندسة الطاقة ورئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء الأسبق، حافظ سلماوي، لـ المنصة إن محطة بني سويف بوسعها تحقيق هوامش أرباح جيدة بالنظر إلى قدرتها على توفير الطاقة.
"المحطة شغالة ومضمونه بالنسبة للمستثمر وسيحقق منها أرباحًا بين 12 و14 % كعائد سنوي من بيع الكهرباء"، كما يقول سلماوي.
تتأهب إذن محطات الدولة، ومحطة بني سويف قيد الخصخصة، إلى معركة شرسة للتنافس على سوق الكهرباء في مصر، وهو ما يزيد من جاذبيتها في أعين المستثمرين.
وما يزيد من حدة هذه المنافسة المحتملة هو أن عمليات التوسع الضخمة في إنشاء محطات كهرباء جديدة منذ 2015، وعلى رأسها محطات سيمنس الثلاث، ساهمت في خلق فائض ضخم من القدرات الكهربائية في البلاد.
لا يوفر هذا الفائض ضمانًا ضد انقطاع التيار، إذ أن المحطات في حاجة دائمًا للغاز من أجل توليد الطاقة، ولكنه سيخلق منافسة حامية بين المحطات الحكومية والخاصة.
يقول المصدر الأول "مش عارفين نودي (طاقات توليد) الكهرباء بتاعتنا فين لأن مش ليها استخدام".
وبحسب آخر التقارير المنشورة عن الشركة القابضة للكهرباء، بلغ إجمالي القدرة الإسمية، وهي مجموع القدرات المتاحة لمحطات توليد الكهرباء في حالة عملها بالسعة القصوى، نحو 58.8 ألف ميجاوات، بينما اقتصر الحمل الأقصى، وهو أقصى قيمة يصل إليها استهلاك الكهرباء خلال العام، على 31.9 ميجاوات.