الجنيه المصري- أرشيفية

لماذا يشعر الأجانب بالقلق تجاه الوضع المالي في مصر ؟

منشور الخميس 9 فبراير 2023

بينما استعادت سوق الديون الحكومية قصيرة الأجل، أذون الخزانة، زخمها خلال يناير/ كانون الثاني، مع وفرة نسبية للدولار في سوق المعاملات الداخلية بين البنوك (الإنتربنك)، بعد تحسن نسبي أيضًا في تدفق العملات الصعبة إلى البلاد مدفوعًا باتفاق مع صندوق النقد في ديسمبر/ كانون الأول لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي كانت أحد شروطه تبني سعر صرف مرن للحد من ممارسات السوق السوداء؛ تكررت تعليقات سلبية من جهات دولية حول الوضع المالي في مصر، كان من أبرزها تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية هذا الأسبوع على يد مؤسسة موديز.

فما المخاوف التي يراها الأجانب حيال وضعنا المالي؟

المخاطر المالية لا تزال في الأفق

ساهم اقتراب سعر الصرف الرسمي للدولار من سعر السوق الموازية في الحد من مخاوف المستثمرين الأجانب من انخفاض قيمة الأصول المقومة بالعملة المحلية، مثل الديون قصيرة الأجل التي يطرحها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية، التي شهدت إقبالًا أقوى بعد تعويم يناير الذي فع سعر صرف الدولار إلى نحو 30 جنيهًا.

في هذا السياق، باعت المالية أذون خزانة بقيمة 385.5 مليار جنيه خلال شهر يناير مقارنة بـ 165 مليار جنيه خلال شهر ديسمبر الماضي، وفق بيانات منشورة على موقع البنك المركزي.

"على المدى القصير فإن الطلب على الدولار سيظل قويًا" كما قال الاقتصادي ببنك بي إن بي باريبا الفرنسي، باسكال دوفو، للمنصة، وهو يشرح طبيعة الضغوط التي يراها المستثمرون الأجانب تجاه العملة المحلية.

ويشير دوفو، إلى أن تلك الضغوط تنبع بدرجة كبيرة من الحاجة لتغطية نفقات الاستيراد في مواجهة الموارد الدولارية المتوفرة في البلاد.

ويقول دوفو إن عدم تيقن المستثمرين الأجانب من مدى توافر العملات الصعبة الكافية لتغطية احتياجات البلاد خلال الأشهر المقبلة هو ما يجعل اتجاههم يميل للاستثمار في الديون قصيرة الأجل، مقابل الديون متوسطة وطويلة الأجل.

وخلال شهر يناير كانت أذون الخزانة الأقصر أجلًا، لمدة 91 يومًا، هي الأكثر مبيعًا، حيث باعت المالية منها بنحو 169.1 مليار جنيه مقابل نحو 63.7 مليار جنيه خلال ديسمبر، تليها مبيعات الأذون لمدة 364 يوم (سنة).

"الأجانب يميليون للاستثمار في أجال 3 شهور وسنة، هما الورقتين الرابحتين أكثر من الاستثمار في سندات الخزانة، فهم لايفضلون المخاطرة لفترة طويلة تحسبًا لحدوث تقلبات مفاجئة في المنطقة" كما قال نائب رئيس وحدة المعاملات الدولية في أحد البنوك،طلب عدم ذكر اسمه، في تصريحات إلى المنصة، .

ويشير تقرير موديز عن مصر، الصادر أمس، إلى المخاوف من الالتزامات التي تقع عليها بسبب المواعيد المتوقعة لسداد الديون الخارجية.

وتقول موديز إن تراجع سيولة النقد الأجنبي في مصر قللت من الغطاء المالي المتاح لمواجهة التزامات الديون متوسط وطويلة الأجل. وتشرح موديز إن مصر مطالبة بسداد 20.4 مليار دولار خلال العام المالي 2024، من أصول الديون القائمة عليها والفوائد، و23.2 مليار في 2025، بجانب 26 مليار دولار قروض قصيرة الأجل.

بل إن موديز تتخوف من برنامج الإصلاح نفسه، فهي من جهة تشير إلى برنامج الخصخصة الذي أعلن مجلس الوزراء أمس عن تفاصيله، ولا تنكر المؤسسة إنه سيجلب لمصر تدفقات دولارية كبيرة تقلل من احتياجها للديون، لكنها تشير إلى أن هذه الإجراءات "ستسغرق وقتًا".

كذلك تشيد موديز باتباع المركزي المصري لنصائح صندوق النقد بشأن تبني سعر صرف مرن، لكن في الوقت نفسه تتخوف من الضغوط التضخمية التي ستنتجها تلك السياسة، وتتخوف أيضًا من أن يتسبب التضخم الناتج عنها في زيادة ميل الحكومة للإنفاق الاجتماعي ما يحملها أعباء مالية جديدة، لذلك فهي تصف عملية التحول للسعر المرن في مصر بأنه أمر "معقد".

العائد الذي لا يعجب الأجانب

كذلك تشير المؤسسة إلى تكلفة استعادة الأجانب لسوق الديون المصرية، وهو سعر العائد المرتفع، الذي تقول إنه بلغ 20.6% على أذون 91 يومًا في نهاية يناير الماضي، وهو ما يقترب من القمة التي وصل إليها بعد تعويم 2016 عندما بلغ 21.6% في يوليو/تموز 2017.

وفي عطاء اليوم الخميس وافقت المالية على زيادة سعر الفائدة بين 9 نقاط إلى 15 نقطة على عطاء 182 يومًا (6 شهور) و364 يومًا (سنة) رغم تثبيت المركزي سعر الفائدة.

هذا العائد المرتفع لا زال غير مرضٍ للأجانب، لذا اعتبرت وكالة بلومبرج في تقرير لها هذا الأسبوع أن قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة كان "خطأ".

"نسبة الفائدة على الأذون 20% بعد خصم الضريبة المقررة على الأجانب 10% من إجمالي العائد سيصبح صافي المكسب 18% فهو سعر مرضٍ حتى بعد رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة على الدولار إلى نطاق 4.5% و.4.75%" كما يرى محمود نجلة، مدير تنفيذي لأحد الصناديق في إحدى شركات الاستثمارات في تصريحات إلى المنصة.

لكن هناك عاملًا آخر يقلل من قيمة سعر العائد على الديون المصرية وهو معدلات التضخم المرتفعة، التي بلغت 26.5% في يناير الماضي، عندما يخصم المستثمر الأجنبي سعر العائد من معدل التضخم تهوي القيمة الحقيقية للعوائد المصرية، وعلى هذا الأساس قدرت شركة إتش سي مؤخرا عوائد أذون أجل 12 شهر بـ 0.57% فقط.

أمام الضغوط التضخمية، تضطر وزارة المالية لتحمل أسعار فائدة مرتفعة للحفاظ على المستثمرين الأجانب في سوقها للديون، وهو مايزيد من الضغوط على الموازنة العامة بالنظر إلى أن كل 1% زيادة في سعر الفائدة يزيد عبء الموازنة بين 30 مليار إلى 32 مليار جنيه وفق ما قاله وزير المالية المصري الدكتور محمد معيط في وقت سابق.

 "زيادة سعر الفائدة على أذون الخزانة تعد بالفعل عبء على الموازنة العامة للدولة لكن ما هي البدائل الأخرى المتاحة في الوقت الراهن؟" يتساءل محمود نجلة.

ويرى نجلة إن تعجيل البنك المركزي بطرح المشتقات المالية سيساهم في تقليل مخاطر التعامل في أدوات الدين المصرية، نظرًا إلى ما سيسهم فيه من تقليل مخاطر ارتفاع سعر صرف العملة الأمريكية.