أنقل لكم كواليس اليوم الذي اختتم فيه مجلس النواب دور الانعقاد الأول، وسط تهديدات مستمرة من رئيس المجلس برفع الجلسة لعدم التزام النواب بالهدوء والاصطفاف أمام مقاعد الوزراء للحصول على موافقاتهم على بعض الطلبات.
الغريب في الجلسة تجاهُل علي عبد العال للتصويت النهائي على قانون الخدمة المدنية وفقًا لجدول الأعمال، وذلك بعد وصول ملاحظات مجلس الدولة على القانون، إذ لم يبدأ رئيس المجلس بالتصويت على القانون الذي يستلزم حضور ثلثي النواب، ولا يملك النواب حتى الآن اجابة بشأن أسباب التجاهل أو التأجيل أو النسيان.
بدأت الجلسة بالاحتفاء بتسمية وزير جديد لوزارة التموين خلفًا لخالد حنفي المستقيل، بعد فَتْح ملف الفساد في القمح، وانتهت بمسرحية حافلة بالإشادات والمبالغة في دور المجلس وشُكر الحكومة والرئيس.
- وزير تموين عسكري
وافق مجلس النواب بأغلبية الحاضرين – أكثر من الثلثين- على تعيين محمد علي الشيخ وزيرًا للتموين عن طريق رفع الأيدي، وأعلن علي عبد العال رئيس المجلس موافقة المجلس على تعيينه في منصب وزير التموين والتجارة الداخلية.
كان المجلس تلقى إخطارًا اليوم من رئيس الجمهورية يطلب الموافقة على تعيين الشيخ، وذلك وفقًا للقواعد الدستورية التي تقتضي موافقة أغلبية المجلس على الوزير الذي اختاره الرئيس بعد التشاور مع رئيس الوزراء.
وقال عبد العال: "إن الوزارة تحتاج إلى شخصية تمتاز بالخبرة والحسم في نفس الوقت". واستعرض عبد العال المناصب التي شغلها الشيخ وأهمها رئاسة هيئة الإمداد والتموين وجهاز الخدمات العامة، وقال إنه صاحب خبره فنية متميزة، وأثبت كفاءة وخبرة في مجال الشؤون الإدارية والتخطيط والتنظيم وإدارة الازمات.
وأوضح عبد العال أنه تم استيفاء الشكل الدستوري لتعيين وزير التموين، وقال: "وافق المجلس بالأغلبية، والحضور أكثر من الثلث. هذه أول سابقة في ظل تطبيق الدستور الحالي وفقًا للمادة 147 من الدستور"، وتابع: "النظام السياسي في مصر برلماني مُطَعَّم بنظام رئاسي... ونحن نمنح الحكومة الثقة من هذا المجلس".
جاء وزير التموين الجديد بعد استقالة خالد حنفي، وبعد تحريك ملف القمح والفساد الذي يحيط به في مصر. وذلك عقب تشكيل لجنة تقصي الحقائق من قِبَل النواب لتتبع ما اعتبروه مافيا القمح وحمّلوا الوزير مسؤولية سياسية في هذا الملف، وتركوا للنائب العام سلطة تحميله المسؤولية الجنائية.
لم يسبق لي أن استغرقت في هذا الملف الذي شعرت منذ اليوم الأول بوجود غموض فيه، سبق وقال ياسر عمر –أحد أعضاء اللجنة- إنهم ليس لديهم أجندة بالصوامع محل الشبهات، أو خطة تحرك مسبقة، إذ يحضر النواب لمقر المجلس ثم يتحركوا لوجهتهم المختارة. ووفقًا لعدة مصادر تتحفظ على نشر أسمائها فإن خطة التحرك تأتي للنواب تليفونيًا من أحد الأجهزة الأمنية التي حركّت هذا الملف من الأصل.
إن صح حديث المصادر فإن قطع "البازل" بدأت تكتمل اليوم بإعلان الشيخ وزيرًا للتموين وسط تأييد من أغلبية النواب، ويُحتمَل أن تضاف قطع أخرى للعبة خلال الأسابيع القادمة توضح أهداف تحريك هذا الملف.
ربما كان هناك فساد حقيقي في الصوامع، لكن القضية تحركت برغبة جهة أخرى لديها هدف محدد، وربما اكتمل المشهد بعد تعيين رئيس هيئة الإمداد والتموين السابق وزيرًا للتموين والتجارة الداخلية، فوفقًا لعبد العال تحتاج الوزارة لشخصية تمتاز بالخبرة والحسم؛ أي "وزير ذو خلفية عسكرية" باختصار.
2. تيران وصنافير
أثار الحديث عن جزيرتي "تيران وصنافير" أزمة ومشادة في الجلسة العامة النهائية لدور الانعقاد الأول، وذلك خلال مناقشة اتفاقية متعلقة بقرض سعودي تبلغ قيمته 120 مليون دولار، لتطوير مستشفى قصر العيني .
بدأت الأزمة بكلمة النائب هيثم الحريرى الذي وجّه الشكر للسعودية على اتفاقية القرض الموقع بين الحكومة المصرية والبنك السعودى للتنمية.
وقال: "نشكر السعودية على هذا الجهد ولكني أؤكد على أن تيران وصنافير مصرية". فعقّب عبد العال: "شكرًا وهذا ليس موضوع الجلسة".
وبعد عدة دقائق قال عبد العال إنه تلقى طلبات من عدد من النواب لحذف هذه العبارة من المضبطة وأخذ موافقة الأغلبية من خلال رفع الأيدي، وقال: "إذن تُحذف من المضبطة". وتساءل الحريري: "ليه يا ريس".
لكن قال أحد النواب: "واحد زي ده يهزّأ المجلس يا ريس"، وهي الكلمة التي أثارت غضب خالد يوسف ونواب تكتل 25/30، وطالب يوسف باتخاذ إجراء ضد زميله الذي تطاول، لكن عبد العال قال: "تُحذف من المضبطة".
وحاول عبد العال تهدئة القاعة عدة مرات، مكررًا: "حُذفت من المضبطة، انتهى الأمر".
وبشأن القرض الذي وافق عليه أغلبية النواب، قال الحريري: "إن الحكومة الحالية تستسهل القروض التى تشكل عبئًا على الأجيال القادمة، ولهذا لا بد من تطوير مستشفى قصر العيني دون الاعتماد على المزيد من القروض، وأن المشكلة الأساسية في السياسة الاقتصادية وليست في الحاجة إلى القروض".
وكان النائب مصطفى الجندي تحدث أيضًا معترضًا على القرض، وقال في كلمته إن "البلد فيها فلوس" وأننا يمكن أن نكفل مصر و"العالم"، مشيرًا إلى الأموال التي جمعها المصريون من أجل حفر "قناة السويس".
3. الختام تحيات وإنجازات وهمية
التالي هو ملخص الجلسة الختامية لدور الانعقاد الأول، التي استمرت فيها التحيات والاحتفاء بالانجازات، ومداخلات النواب لأكثر من أربع ساعات.
أظهرت كواليس القاعة عدة تفاصيل، فنواب 25/30 هم أول من بادروا بتحية علي عبد العال في نهاية دور الانعقاد، وذلك بعد أن وجّه رئيس المجلس الشكر والتقدير للحكومة ولأمانة المجلس والأمين العام، فقاطعه خالد عبد العزيز شعبان، وقال: "تحية ليك يا ريس"، وبادر بعدها نواب تكتل 25/30 بالوقوف والتصفيق لعلي عبد العال وتبعهم النواب الآخرون.
أعطى عبد العال الكلمة لبعض النواب ورؤساء اللجان، ومن أهم الكلمات التي استوقفتني كانت كلمة النائب خالد يوسف.
ارتدى يوسف عباءة عبد الناصر وقال: "أوجه التحية للقائد والمعلم (الشعب المصري)، ولا يكفي لأي نائب أو نظام سياسي ان تكون الجماهير وراءه مؤيدة ومحتشدة ولكن الجماهير مُوَجِّهة توجه بوصلته".
وأضاف: "أنا سُئلت أمس عن الفرق بين المجلس الحالي الذي يوافق على كل القوانين ومجالس ما قبل الثورة، قلت إن ائتلاف الاغلبية وافق بوازع وطني مائة في المائة دون توجيه من أحد ودافعت عن الاغلبية البرلمانية".
وتابع: "أنا أنتمي للمعارضة الوطنية لأضع علامات على الطريق، وإضاءات، ودافعت من منطلق أنني أعرف أن برلمانات ما قبل الثورة كانت تمشي بتوجيهات وموافقة آلية، هذه القاعة توافق من منطلق وازعها الوطني"، فقاطعه عبد العال قائلًا: "هذه القاعة ليس فيها توجيهات".
وعاد يوسف لاستكمال كلمته: "أقول لزملائي في الأغلبية دائمًا تعترضوا على الحكومة والموازنة وفي الآخر تقولوا موافقين علشان المركب تمشي، أُذكركم أن تروا المركب ماشية أم لا، لأنها ممكن تغرق، أرجوكم شوفوا البوصلة رايحة فين".
وأضاف: "هذا البرلمان خرج من رحم دماء شهداء، علينا أن نكون قد الشعب العظيم ونلبي طموحاته ونحارب الفقر والفساد ولا نصمت على الظلم".
أما مصطفى بكري فتحدث عن المؤامرة التي تستهدف الدولة ورئيس الدولة ومطالبات وسائل إعلام اجنبية له بعدم الترشح مرة أخرى، وقال إن المؤامرة تمتد للداخل وأننا في حاجة لمزيد من محاربة الفساد، هذا المجلس وطني جاء بانتخابات حرة وديمقراطية، نحن أمام حصار اقتصادي غير معلن ومؤامرة تستهدف الجيش، وأوباما دخل معنا صراعًا مفتوحًا حتى السابع من اكتوبر موعد الانتخابات الأمريكية.
أما كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، فقال إنه: "يُسبّح بحمد الله الذي يسّر على النواب الانتهاء من المهام المسندة اليهم".
عدّد رئيس المجلس في كلمته ما يعتبره "إنجازات" للبرلمان خلال دور الانعقاد، ووضع عبد العال ضمن الإنجازات مراجعات القوانين التي صدرت في غيبة المجلس خلال 15 يومًا، وإقرار اللائحة الداخلية، والموافقة على برنامج الحكومة، وزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كما تحدث رئيس المجلس عن ما يعتبره إنجازات مثل زيارة خادم الحرمين الشريفين، ورئيس الصين، ورئيس فرنسا ورئيس العراق.
وأشاد بما اعتبره دبلوماسية برلمانية تدعم موقف مصر مع الدول الأخرى، متجاهلًا الحديث عن ما فعلته هذه الدبلوماسية في قضية مقتل الشاب الايطالي جوليو ريجيني.
تعالت أصوات بعض النواب في كلمات بالجلسة النهائية مُطالبة بخفض الأسعار وحل مشكلة الألبان والأدوية، ولكنها في الوقت نفسه قدمت الدعم الكامل للرئيس ووزراتي الدفاع والداخلية.
وأعلن إبراهيم أبو شعيرة، أحد نواب شمال سيناء، فشله في توفير خدمات لأهالي دائرته وقال لعبد العال: "لو تتخذ قرار بقبول استقالتي، سأتقدم بها فورًا"، فعقب عبد العال: "لن نقبلها".
وبشـأن التقييم الكمي لعمل المجلس، فقد وافق النواب على 82 مشروع قانون، بخلاف القوانين التي وافق علىها والتي كانت صدرت قبل انعقاد البرلمان وبلغت اكثر من 340 قانون.
واعتبر المجلس في الكتيب الذي وزعه على الصحفيين أن اهم القوانين التي أنجزها كان مشروع قانون بناء الكنائس "الموحد"، والذي كان ينتظره المجتمع طوال 160 عامًا في ملحمة وطنية غير مسبوقة، وفقًا للنص الوراد في الكتيب.