منذ طفولته، يعاني محمد أبو حجر من هيموفيليا أ، الذي يعرَّف بأنه اضطراب نزف الدم الوراثي الناجم عن نقص عامل التخثر الثامن، مما يُفقد الدم قدرته على التخثر بالشكل السليم، ويؤثر في الذكور بشكل يفوق الإناث وذلك وفقًا لموقع الطبي. على مدار سنوات عمره وهو يعيش على العلاج بالعامل الثامن، الذي ينتج بواسطة تقنية الحمض النووي معاد التركيب. وتتفاقم آلام أبو حجر في درجات الحرارة شديدة الارتفاع أو الانخفاض، ما يجعل التغيرات المناخية سببًا إضافية لمعاناته.
حاول أبو حجر ذو الثلاثة والأربعين سنة أن يتعايش مع مرضه الذي تسبب في تآكل مفاصله، ورغم حاجته الملحة لإجراء عمليات جراحية فإن طبيبه نصحه بعدم إجرائها لخطورتها عليه.
ومرض أبو حجر هو واحد من مجموعة أمراض تُعرف بأمراض النزف، وهو اضطراب وراثي نادر لا يحدث فيه تجلط الدم بشكل صحيح؛ بسبب نقص البروتينات الكافية لتخثر الدم. ويحدث بسبب طفرة أو تغير في أحد الجينات التي توفر التعليمات اللازمة للبروتينات؛ لتشكيل تجلط الدم.
وبحسب إحصائية عن جمعية أصدقاء مرضى النزف في مصر عام 2022، يبلغ عدد مرضى الهيموفيليا أ+ب 6637 مريضًا، فيما يبلغ عدد مرضى فون ويليبراند 671 مريضًا، يبلغ عدد مرضى النزف الوراثي نتيجة نقص عوامل التجلط الأخرى نحو 1506 مرضى، بإجمالى عدد 8814 مريضًا، غير أن رئيسة الجمعية، الدكتورة ماجدة رخا، ترى أن هذا لا يمثل العدد الحقيقي للمرضى، لوجود مرضى غير مسجلين في سجلات الجمعية.
يعتبر أبو حجر الشتاء كابوسه الأزلي، دائمًا يرتدي ملابس ثقيلة جدًا ليحافظ على مفاصله قدر الإمكان، إذ يزداد معدل النزف مع انخفاض الحرارة، خاصة مفاصل الكاحلين والذراعين، أمّا في الصيف يحاول قدر الإمكان تحاشي الحرارة الشديدة كي لا تتوسع الشرايين فتسبب له نزفًا مضاعفًا، لهذا تلعب التغيرات المناخية وتطرف درجات الحرارة دورًا في معاناته "طول عمري بعاني من النزيف لكن السنوات الأخيرة ساءت حالتي جدًا، وبقت معدلات نزفي أكبر".
"نزيف المفاصل بيعملي مشكلة كبيرة، فأنا موظف حكومي ورب أسرة مقدرش أتكاسل، فباخد احتياطاتي قدر الإمكان، في الشتا بلبس هدوم تقيلة كتير، أما في الصيف ببعد قدر الإمكان عن أشعة الشمس والحياة بتمشي وربنا هو الستار ".
ماجدة رخا تؤكد تأثر مرضى النزف الوراثي بالتغيرات المناخية إلى حد كبير، "في الصيف مع زيادة درجات الحرارة خلال السنوات الماضية لاحظنا شكوى المرضى من ارتفاع معدلات النزف، والأمر نفسه اتكرر في درجات الحرارة المنخفضة". وتوضح للمنصة أن هناك عوامل مساعدة قد تزيد النزف، كطريقة استخدام المفصل ذاته وطبيعة عمل المريض، والجهد المبذول و ضعف الشعيرات الدموية.
معاناة أسرية
معاناة شبيهة تخوضها ولاء محمد لإصابتها بمرض فون ويلبراند، وهو اضطراب نزفي مزمن يتسبب في عدم تجلط الدم بشكل طبيعي، ويصيب النساء بصورة أكبر. ويعانى المصابون به من نزيف شديد بعد التعرض لإصابة أو بعد الجراحة أو بعد الخضوع لعلاج الأسنان، كما يتعرض المصابون لنزيف الأنف المتكرر، بالنسبة للإناث يعانين من نزيف حيض غزير أو مستمر لفترة طويلة، إضافة لنزيف شديد أثناء المخاض والولادة.
ومع تدهور حالتها خلال السنوات الماضية باتت تخشى السير في الشارع كي لا تتعرض لأشعة الشمس
لا يكاد يمر أسبوع دون أن تتعرض ولاء للنزف، فهي التي ورثت وشقيقاها المرض من والديهم ليموت أخوها وهو رضيع في عمر السنتين.
ولاء التي ترى أن حالتها زادت سوءًا خلال الأربع سنوات الأخيرة، وتُعالج بنقل مشتقات الدم كالبلازما والكرايو، تحكى للمنصة "في الشتاء الدورة الشهرية بتيجي بآلام شديدة مصحوبة بنزيف غزير، خصوصًا مع البرودة الشديدة. بحس وكأني مشلولة بسبب النزف المفصلي اللي بيسبب تورم القدمين واليدين، ونفس الشيء في الصيف".
لا تنسى ولاء، ابنة محافظة بني سويف، الأيام الصعبة التي عاشتها خلال إجراء عملية الزائدة قبل 4 أشهر تقريبًا، وتعرضت لنزيف شديد رغم إجراء التحضيرات اللازمة ونقل المشتقات قبل و أثناء و بعد العملية.
الصحة و المناخ
مديرة مركز الاستشعار عن بعد بهيئة الأرصاد الجوية الدكتورة إيمان شاكر ، قالت للمنصة إن خبراء الأرصاد رصدوا خلال السنوات العشر الأخيرة تغيرًا ملحوظًا في المناخ بمصر، لم يقتصر على درجات الحرارة بل على كميات سقوط الأمطار والعواصف الترابية، فعلى سبيل المثال زادت كميات الأمطار بمعدل 5 أضعاف المعتاد على بعض المناطق الشمالية كالإسكندرية وكفر الشيخ والبحيرة.
التغيرات المناخية يُنظر إليها كجانٍ، إذ تقدِّر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تسببها في 115 حالة وفاة يوميًا حول العالم، بينما تقدر الخسائر اليومية بـ 202 مليون دولار.
وبحسب موقع Mayo Clinic الطبي، للمناخ تأثير واضح على ضغط الدم حيث يرتفع لدى المصابين به في فصل الشتاء أكثر من الصيف، يشار إلى أن المصابين بضغط الدم المرتفع عادة مايعانون من نزيف من الأنف نتيجة ارتفاع معدلات الضغط ويشكو غالبية مرضى النزف الوراثي من الإصابة بضغط الدم المرتفع في سن مبكرة.
الشمس عدوي اللدود
تجربة قاسية عاشها سمير يحيى، 26 سنة، الصيف الماضي حيث دفعته ظروف العمل للنزول للشارع في يوم شديد الحرارة؛ لم تمر دقائق بمجرد ما بدأ عمله على ماكينات الطباعة حتى وجد الدماء تسيل من أنفه دون هوادة. فتعاطى قرص كابرون لوقف النزيف إلى أن توجه للمستشفى ليُعالج بالعامل الثامن (الذي يساعد على تخثر الدم) خاصة وأنه يعاني منذ ولادته من هيموفيليا أ.
يحكى سمير للمنصة "لن أنسى هذا اليوم تعبت تعب شديد ظللت أتعاطى كابرون في محاولة لوقف النزيف لمدة 7 ساعات دون فائدة إلى أن ذهبت للمستشفى".
يعتبر سمير الصيف عدوه اللدود و يصف تلك الفترة بأسوء أيام حياته لتضاعف آلامه و زيادة معدلات نزفه، "زادت معاناتي مع الهيموفيليا خلال السنوات الأخيرة بت أخشى النزول من منزلي نهارًا، وأضطر للعمل في الفترات الليلية كيلا أتعرض لانتكاسة صحية"، يحتاج سمير لنحو ثمانية آلاف وحدة من العامل الثامن شهريًا بسبب تعرضه للنزيف المستمر.
أستاذة طب الأطفال وأمراض الدم بكلية الطب جامعة الزقازيق، الدكتورة ليلى شريف، توضح للمنصة أن عادة ما يؤدي ارتفاع درجات الحرارة لتوسيع الشعيرات الدموية مما يزيد من معدلات النزف لدى مرضى السيولة كمن يعانون من خلل في وظائف الصفائح الدموية أو نقص شديد في الصفائح الدموية أو خلل بعوامل التجلط السابع والعاشر على سبيل المثال، "لذا دائمًا ما ننصح المرضى الذين يعانون من أمراض نزفية أو ارتفاع مستوى السيولة لديهم بعدم التعرض لأشعة الشمس، أما مريض الهيموفيليا تتركز معدلات النزف لديه في المفاصل و العضلات".
وهذا ما يحاول أبو حجر العمل به "أنا موظف حكومي ورب أسرة مقدرش أكسل في يوم، فباخد احتياطاتي قدر الإمكان، والحياة بتمشي و ربنا هو الستار".