أغفلت وزارة النقل في بيان مطول نشرته السبت الماضي ردًا على "ما تم تناوله من خلال عدد من الوسائل الإعلامية المغرضة"، بشأن التفاصيل المالية لصفقة قطارات تالجو الفاخرة، الإشارة إلى 32 مليون يورو من الصفقة، رفعت قيمتها الحقيقية من 126 مليون يورو إلى 158 مليونًا.
صدر بيان الوزارة بعد يوم ونصف من تقرير نشرته المنصة الخميس الماضي، بعنوان "ليس "حبًا في الرئيس".. أثمان متضاربة لصفقة تالجو فاخرة"، يتضمن خلاصة رحلة بحث عن قصة الصفقة، إثر ظهور وزير النقل كامل الوزير على متن أحد تلك القطارات مع الإعلامي أحمد موسى، مستعرضًا القطار ومزاياه، ومشيرًا إلى أن مصر حصلت عليه ضمن صفقة خفّضت فيها الشركة الإسبانية 15 مليون دولار "حبًا وتقديرًا للرئيس".
استند التقرير إلى القيمة الفعلية للصفقة التي أعلنت عنها الشركة عبر موقعها، وبلغت 158 مليون يورو، كما اعتمد على مصدر مطلع على تفاصيل إبرام الصفقة في الوزارة، أكد أن القيمة الفعلية للصفقة هي كما دونتها الشركة الإسبانية، ومقسّمة إلى 126 مليون يورو قيمة القطارات والصيانة وقطع الغيار لمدة عامين، بالإضافة إلى 32 مليون يورو أخرى نظير مدِّ فترة الصيانة 6 سنوات إضافية.
لكن بيان الوزارة يتمسك بأن قيمة الصفقة 126 مليون يورو فقط شاملة الصيانة.
وذيلت الوزارة بيانها بزعم أن ما ورد من معلومات غير صحيح، نابع من وسائل إعلام "مغرضة" هدفها "إثارة غضب المواطنين وتضليل الرأي العام"، وطالبت بتقصي المعلومات من مصادرها الرئيسية، فحملنا أسئلتنا وتوجهنا بها إلى المتحدث الرسمي باسم الوزارة.
"تضليل الرأي العام"
أشارت الوزارة في بيانها إلى أن "(سعر قطار الركاب ب 21 مليون +5 مليون يورو لعقد الصيانة مما يعني أن سعر القطار شامل الصيانة بسعر 26 مليون يورو) بالإضافة إلى قطار مجاني".
أتى البيان على ذكر عقد الصيانة وإن لم يأتِ على ذكر مدته، فكان هذا أحد الأسئلة التي حملناها إلى المتحدث باسم الوزارة محمد عز، الذي رد هاتفيًا فور صدور البيان، وطلب إرسال الأسئلة عبر واتساب ليتمكن من الرد علينا، نظرًا لانشغاله في اجتماع.
وبالفعل أرسلنا الأسئلة، التي بدأناها بشكرهم على البيان، ورغبتنا دائمًا في "عرض الحقائق من مصادرها الأصلية"، وسألناه "في بيان الوزارة تم ذكر أن قيمة الصفقة الأولى 126 مليون يورو شاملة الصيانة، لمدة كم سنة؟".
ولكن منذ صباح السبت وحتى نشر هذا التقرير مساء الاثنين، لم يرد المتحدث على الأسئلة، ولم يستجب لمحاولاتنا التواصل معه هاتفيًا.
ضرب وقسمة
إغفال الإشارة إلى الملايين الـ 32 قيمة تمديد عقد الصيانة كان واحدًا من ضمن تفاصيل أوردها تقرير المنصة لم تتطرق الوزارة إليه، إذ جاء في بيانها "في أبريل [نيسان] 2019 قامت وزارة النقل بالتعاقد مع شركة تالجو الإسبانية على توريد عدد 6 قطارات ركاب كل قطار بتركيب 15 عربة (عدد 5 عربات أولى مكيفة – 8 عربات ثانية مكيفة – عربة بوفية – عربة قوى)، بالإضافة إلى قطار آخر بدون مقابل، وذلك بقيمة 126 مليون يورو فقط وذلك من خلال مناقصة عامة ومنافسة بين كافة الشركات العالمية مما يعني شراء عدد (105 عربة بسعر 126 مليون وبواقع 1.2 مليون يورو للعربة الواحدة)".
بعملية ضرب بسيطة سنجد أن إجمالي عدد العربات التي يفترض تواجدها في ستة قطارات يتكون الواحد منهم من 15 عربة، 90 عربة، على اعتبار أن القطار السابع كان "هدية" حسب مصدرنا في التقرير، و"بدون مقابل" حسب بيان الوزارة، الذي يعود مباشرة ليضيف ثمن عرباته التي لم تدفعها الوزارة، إلى إجمالي قيمة الصفقة، وهو يقدّر ثمن العربة الواحدة.
سألنا المتحدث باسم الوزارة "البيان حسب القطار السابع ضمن الصفقة الأصلية التي تم التوقيع عليها، في حين أنه بحسب علمنا حصلت عليه مصر كهدية إضافية في وقت لاحق تعويضًا عن تأخير التنفيذ. هل ممكن تدقيق وضع القطار السابع في الصفقة؟".
المناقصة
استمر البيان في نهجه بنفي معلومة وردت في تقرير المنصة وتجاهل أخرى، فذكر أن الصفقة تمت "من خلال مناقصة عامة ومنافسة بين كافة الشركات العالمية"، وهو ما ذكرناه بالفعل، أن شركتين تقدمتا للمناقصة هما تالجو وستادلر، والأخيرة انسحبت يوم فض المظاريف، ما جعل الوزارة أمام عرض واحد فقط وهو تالجو الذي كان مرتفعًا وطالبت اللجنة المشكلة للبت في المناقصة الوزير بتخفيضه.
سألنا المتحدث الرسمي "تحدث البيان عن المناقصة التي بموجبها فازت شركة تالجو بالصفقة، من كانوا المنافسين الآخرين؟ وهل انسحبت شركة ستادلر العالمية يوم فض المظاريف؟". ولم نتلقَّ ردًا.
قطارات النوم
كان جزء رئيسي من قصتنا هو تقصي سبب التخفيض الذي تحدث عنه وزير النقل وأرجعه إلى حب وتقدير رئيس الشركة الإسبانية للرئيس، في تصريح غير معتاد في لغة الأعمال، التي تغيب عنها مشاعر الحب والتقدير لصالح حسابات المكسب والخسارة.
وخلصنا خلال رحلة البحث أن التخفيض كان 5 ملايين يورو فقط وليس 15 مليون دولار، وإنه جاء بعد حصول رئيس شركة تالجو على وعد بعقد صفقة جديدة لقطارات نوم، وهو ما حدث فعلًا في وقت لاحق.
ونشرنا أن مصر وقعت "في سبتمبر/ أيلول الماضي، عقدًا مع الشركة لتصنيع 7 قطارات نوم، تتضمن تنفيذ أعمال الصيانة لمدة 15 عامًا شاملة الإتاحية وتوريد قطع الغيار والمعدات الخاصة بالقطارات، وفيما لم تذكر وزارة النقل قيمة الصفقة، نقلتها مواقع إسبانية، وبلغت 280 مليون يورو".
وتطرق بيان الوزارة السبت إلى صفقة قطارات النوم، قائلًا إنه في "أغسطس 2022 قامت وزارة النقل بالتعاقد مع شركة تالجو الإسبانية على توريد عدد 7 قطارات نوم كل قطار بتركيب عدد 18 عربة (...) وذلك بقيمة 200 مليون يورو فقط".
سألنا المتحدث، بعد شكره على سرد المعلومة التي لم يعلنوها سابقًا، أن "البيان ذكر قيمة صفقة قطارات النوم 200 مليون يورو (...)ما هي تفاصيل العقد، وتحديدًا مدة الصيانة؟"، وذلك في ظل ما اختبرناه من أن صفقات الوزارة عادة ما تتضمن عقود صيانة، يتم تجاهلها من قيمة الصفقة الكلية.
المقارنة
اعتمدت المنصة في تقريرها الأول على المقارنة بين صفقة تالجو مع مصر، وصفقة أخرى للشركة في نفس العام مع ألمانيا، حصلت بموجبها الأخيرة على قطارات بجودة ومواصفات أعلى، وسعر أقل، وأشرنا إلى أن صفقة أخرى عقدتها الشركة مع الدنمارك في العام التالي كانت قيمتها أعلى بكثير من صفقة مصر، في إقرار على أن الصفقات مختلفة، لكن دون إغفال المعايير أو الظروف التي تحكم كل صفقة.
في الإطار نفسه، عمد بيان الوزارة إلى المقارنة، وإن تحدث عن صفقة مع فرنسا لقطارات نوم أيضًا، بقيمة أعلى، قائلًا "بشأن ما تداولته هذه الوسائل الإعلامية المغرضة عن عقد الشركة الإسبانية مع شركة سكك حديد فرنسا"، وإن كنا لم نأتِ على ذكر فرنسا.
لكن تجدر الإشارة إلى أن بيان الوزارة رد على جزء خاص بمقارنة صفقتي مصر وألمانيا، له علاقة بسرعة القطار في الصفقتين، والتي كانت في قطارات ألمانيا 230 كم/ ساعة، وفي القطارات المصرية 160 كم/ ساعة وهي السرعة التي ذكرها موقع شركة تالجو.
وأورد البيان أن "العربات المتعاقد عليها من شركة تالجو تصل سرعتها إلى 250 كم/ ساعة، ونظرًا لأن أقصى سرعة تتحملها البنية الأساسية لشبكة خطوط السكك الحديدية فقط 160 كم/ ساعة تم تخفيض سرعة هذه العربات بما يتناسب مع البنية الأساسية، مما يعني أن القيمة المضافة لهذه النوعية من العربات مرتفعة حيث سيتم تشغيل قطارات النوم مستقبلًا على شبكة الخطوط الكهربائية السريعة بسرعة تصل إلى 250 كم/ ساعة".
ذيلنا رسالتنا للمتحدث باسم وزارة النقل بسؤال عما إذا كانت ثمة إيضاحات أخرى أو معلومات يرغب في إيصالها للقارئ، وبما أننا لم نحصل على رد، فإننا نعيد نشر البيان، وقصتنا، وكلنا أمل في أن تقوم الوزارات بإتاحة المعلومات من "مصادرها الرئيسية" لوسائل الإعلام، خاصة ونحن على أعتاب حوار وطني يعد بإصلاحات سياسية، وحرية لوسائل الإعلام كي تتمكن من ممارسة دورها الأصيل، في إيصال المعلومات إلى القارئ، وتدقيقها.