قدر مزارعون صافي الإيرادات التي سيجنيها الفلاح من زراعة فدان من القمح وبيعه للدولة تحت السعر الاسترشادي الجديد الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الأسبوع الماضي أنها توفر للفلاح دخل شهري بنحو 900 جنيه، لمدة ستة أشهر، هي موسم زراعة القمح، معتبرين أنه لا يتماشى مع الارتفاعات المتوالية في تكاليف الزراعة وضغوط المعيشة.
وتواجه الحكومة تحديات بشأن إقناع المزارعين بتوريد محاصيلهم من القمح للدولة لتغطية احتياجاتها من هذه الحاصلات، والتي تدخل في منظومة إنتاج رغيف الخبز المدعوم، بدلًا من اللجوء إلى الاستيراد في ظل ضغوط تدبير العملة الصعبة في الوقت الراهن.
وأعلن رئيس الوزراء عن زيادة السعر الاسترشادي لتوريد القمح في الموسم الجديد (2022-2023) إلى 1250 جنيهًا للإردب بدلًا من ألف جنيه، السعر الذي كان مقررًا من الحكومة في سبتمبر/ أيلول الماضي. ويمثل السعر الجديد زيادة بنحو 365 جنيهًا للإردب عن سعر توريد الموسم السابق، والذي اقتصر على 885 جنيهًا للإردب.
وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي أكد، في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، أن قرار زيادة سعر توريد القمح جاء بتوجه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، بهدف دعم الفلاح وتشجيعه على توريده إلى الحكومة، إلا أن هذا الدعم الحكومي يقف عاجزًا أمام معدلات التضخم المرتفعة خلال الفترة الأخيرة، والتي ساهمت في زيادة تكاليف الزراعة ومصروفات المعيشة على المزارعين.
وتجاوز معدل التضخم العام مستوى 10% منذ مارس/ آذار الماضي، مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وإسهامها في رفع أسعار السلع الأولية عالميًا، ومنها القمح، وتجاوز التضخم حاجز 20% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتستهدف الحكومة بقرارها الجديد زيادة كميات توريد القمح المحلي بعدما فشلت في الوصول إلى المستهدف الموسم الماضي، حيث كانت الحكومة تستهدف استلام ما بين 5.5 إلى 6 مليون طن بينما اقتصر ما تم توريده على نحو 4.2 مليون طن، بحسب تصريح للمتحدث باسم وزارة الزراعة محمد القرش.
ويرجع عدم إقبال المزارعين على توريد القمح إلى الحكومة إلى الفارق في السعر بين السعر الرسمي والسعر الذي يشتري به القطاع الخاص من الفلاحين والتجار، إذ سجل سعر إردب القمح المحلى 2100 إلى 2150 جنيهًا.
"الحكومة دايمًا بتعامل الفلاح على أساس أنه يرمي البذرة تطلع ثمرة"، كما علق أحمد صابر، أحد مزارعي القمح في الشرقية، للمنصة، على تصريحات رئيس الوزراء في إشارة إلى ما يراه تجاهلًا من الحكومة لارتفاع تكاليف الزراعة خلال الفترة الأخيرة مع صعود الضغوط التضخمية.
ويقدّر صابر أن تكلفة زراعة فدان القمح في الموسم الماضي (2021-2022) وصلت إلى 13 ألف جنيه، متوقعًا أن تصل الموسم الحالي إلى أكثر من 17 ألف جنيه.
"الحكومة تقدم الدعم للفلاح في السماد والتقاوي فقط، بينما ارتفعت المصاريف الأخرى كحرث الأرض التي وصلت إلى 900 جنيه للفدان، ومصاريف الري طوال الموسم للقمح تصل إلى 3000 جنيه للفدان، وأيضًا تكاليف حصاد ودرس القمح التي تصل إلى 2800 جنيه للفدان" كما يضيف صابر.
وتشمل حسابات صابر تكلفة إيجار الأرض، لافتًا إلى ارتفاع إيجار الفدان في السنة من 10 آلاف جنيه في العام الماضي إلى 12 ألف جنيه هذا العام، وتستمر زراعة القمح نحو 6 أشهر ما يعني أن إيجار فدان القمح في الموسم يصل نحو 6 آلاف جنيه.
يزرع أحمد كامل، مزارع قمح بالشرقية، أرضًا يملكها، لكنه يضيف إلى حساباته أجرة العمالة التي يستعين بها في المراحل المختلفة للزراعة، وأيضًا مجهوده هو الشخصي وأسرته في متابعة الأرض، "على الورق ينتج الفدان ما بين 16 إلى 18 إردبًا، وبالسعر الحكومي الجديد إذا كان المحصول كله فئة أولى يمكن أن تصل قيمة ما ينتجه الفدان نحو 22 ألفًا و500 جنيه" كما يقول كامل.
وبخصم مصروفات الزراعة، التي قدّرها كامل بنحو 17 ألف جنيه، يكون ما حصل عليه الفلاح في الموسم 5500 جنيه، وبتقسيمهم على فترة الزراعة (6 شهور) يكون الفلاح قد تحصل على حوالي 900 جنيه شهريًا، "ودا مبلغ لا يمثل أي شيء حاليًا لا للفلاح ولا لغيره"، كما يقول كامل.
تشتري الدولة القمح من الخارج بأعلى من سعر شراءها له من الفلاحين
بينما يرى نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، أن الحكومة تفعل أقصى ما تستطيع فعله، ولا يمكن مقارنة أسعار القمح المحلي بالأسعار العالمية، "دي ظروف بلدنا وكلنا لازم نتحمل، الفلاح مش عايز يكسب كتير بس محتاج يحقق هامش ربح كويس"، لافتًا إلى أن السعر الاسترشادي الذي وضعته الحكومة الآن جيدًا، رغم أن أبو صدام نفسه تحدث في تصريحات إعلامية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مطالبًا الحكومة بتحديد سعر 2000 جنيه للأردب معتبرًا أن هذا "سعر عادل يتماشي مع السعر على أرض الواقع".
ونقابة الفلاحين التي يمثلها أبو صدام، هي واحدة من أربع نقابات مستقلة تحاول تمثيل الفلاحين.
هل السعر الاسترشادي عادل؟
ويتساءل المزارعون عن طريقة تسعير الدولة لأردب القمح الذي تشتريه وزارة التموين، خاصة وأنهم يلجأون لتقديره بناء على سعر الصرف، ويجدونه لا يتماشى مع قيمة الجنيه في الوقت الحالي.
"سعر صرف الجنيه أمام الدولار في مارس الماضي (الموسم السابق) كان نحو 15.60 جنيهًا، بينما كان سعر توريد القمح وقتها 885 جنيه للإردب، ما يعني أنه كان يعادل نحو 55 دولارًا، والآن مع زيادة الحكومة سعر التوريد إلى 1250 جنيه فهو بسعر الصرف الحالي يعادل 44 دولار"، كما يقول كامل.
وتحدد الحكومة، من خلال لجنة مشكلة من وزارات التموين والزراعة والمالية، ما يطلق عليه "السعر الاسترشادي" لتوريد القمح من الفلاحين، لكنها لا تعلن عن الآلية التي يتم بها تحديد سعر التوريد الاسترشادي. ويرى الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة ومستشار وزير التموين الأسبق، أن القرار في النهاية يكون في يد وزير التموين الدكتور علي المصيلحي.
وتشتري الدولة القمح من الخارج بأعلى من سعر شراءها له من الفلاحين، حيث أعلنت هيئة السلع التموينية قبل أيام عن تعاقدها على استيراد 120 ألف طن قمح روسي، بسعر 337 دولارًا للطن، وهذا يعني أن سعر الطن المستورد على أرضه في روسيا بلغ 10 آلاف جنيه، بالإضافة إلى أن الطن المستورد يتكلف 50 دولار (حوالي 1500 جنيه) تكلفة شحن، و30 دولار (حوالي 900 جنيه) تفريغ وتوزيع القمح على المحافظات. ما يعني هنا أن الطن المستورد يكلف الحكومة نحو 12500 جنيه، بينما سعر الطن المحلي 8300 جنيه وفقًا للأسعار الحديثة، "إحنا كده بندعم الفلاح الأجنبي مش المصري" كما قال نور الدين للمنصة.
ويخشى نور الدين من تكرار أزمة الأرز الحالية، "الوزير أجبر الفلاحين يوردوا الأرز بسعر حوالي 7 جنيهات للكيلو في الوقت اللي كان الأرز بينزل السوق بـ 10 و15 جنيهًا"، لافتًا إلى أن سياسات الحكومة التسعيرية قد لا تكون مجدية لإقناع الفلاحين بتوريد المحاصيل المطلوبة.