المترجم المصري هشام فهمي

مع هشام فهمي| عن عوالم جورج مارتن وترجمة الأعمال المقتبسة

منشور الاثنين 27 فبراير 2023 - آخر تحديث الاثنين 27 فبراير 2023

الترجمة في أساسها سبيل تواصل، ضوء يقود المتلقي إلى النص، يرشده أو يضيعه. لذلك يضطلع المُترجم بعبء كبير، ليس فقط في مقدار ما يملكه من أدوات تقنية ومعرفية تقترب بنصه من النص الأصلي وتقلص الهوة بين عالم كاتبه وروحه وبين المتلقي، وإنما في قدرته على التقاط القيّم من غير المعروف والمطروق، ليكون ما يتيحه جسرًا جديدًا للمعرفة.

ولكن هشام فهمي، الذي ترجم 25 كتابًا حتى الآن، من بينها خمسة من سلسلة "أغنية الجليد والنار" لجورج آر آر مارتن، التي اقتبس عنها المسلسل الدرامي الأشهر "صراع العروش"، لا تعكس اختياراته تلك الرغبة في نقل غير المعروف أو اكتشاف عوالم جديدة، فكل ترجماته تقريبًا كانت لنصوص اقتبستها السينما أو الدراما وحققت نجاحًا لافتًا، رغم ذلك لا تبدو مهمته سهلة، بل ربما أصعب.

بالنسبة إلى المترجم الذي نقل إلى العربية قصصًا لتشاك بولانيك ونايل جايمان وستيفن كينج، فضلًا عن روايات جورج مارتن الخمس، فإن التحدي الأصعب أمامه كان المتلقي، الذي سيحكم على أي ترجمة دون ما يطمح إليه من جودة بالفشل، ما كان يحتم عليه دراسة عوالم هؤلاء المبدعين بصورة كافية تمكنه من نقلها كما ينبغي، ولعل ذلك ما حاولنا عبر حوارنا معه أن نتبينه. كيف صاغ المبدعون رؤاهم وكيف تفاعل معها؟ وما يجذبه من الأساس إلى ترجمة تلك الأعمال؟

في قراءة الليل

ربما يعيد "الشتاء الصعب" الذي يمر به العالم حاليًا؛ من أزمات اقتصادية متعاقبة ومخاطر بيئية الناتجة عن تغير المناخ، طرح جملة "الشتاء قادم" من عالم جورج آر آر مارتن إلى الواجهة.

غلاف الجزء الأول من أغنية الجليد والنار

فالعبارة القصيرة التي تصدرت السوشيال ميديا في هيئة ميم ساخر يخص فصل الشتاء، صارت مع الوقت صالحة للاستخدام للإشارة إلى التردي المعيشي الذي يعانيه الناس في العالم بشكل عام. لكن هشام في حواره للمنصة، يوضح أن مبدع السباعية، المنتظر استكمالها، كان مشغولًا بالخطر المناخي في صياغته ذلك الجزء من الصراع بين العائلات المتحاربة، ويتخذ "المشاة البيض" رمزًا للدمار الذي يمكن أن يسببه ذلك الخطر، "الشتاء قادم.. والليل مظلم ومفعم بالأهوال".

ولا يستغرب مترجم "وليمة للغربان"، أن "كثيرًا من القراء والمشاهدين، سواء أجانب أو عرب، لم يدركوا تلك الرمزية"، نتيجة عوالم مارتن المغرقة في الغرائبية والفانتازيا، لكن يبدو أن تلك الرمزية، أو بصورة أعم مقاصد جورج من أدبه، لا تعاني مع قارئ يجهل مفاتيحها أو يأولها بصور أخرى، فصناع الأعمال المقتبسة عن عالم "العروش" ارتبكوا هم أيضًا في استكماله، وصاغوا نهاية للمسلسل الذي اتسع لثمانية مواسم، احتاجت أن تغطي أحداثًا لم يكتبها مارتن في سباعيته غير المنتهية بعد، ولم تكن موفقة.

فالتحول المباغت في شخصية الملكة دنيرس التي كانت تحارب من أجل انتصار "الشعب المستضعف" في محاولة لإزالة ميراث أبيها الملك المجنون الذي أباد مواطنيه، استحالت هي نفسها إلى نسخة منه في الجزء الأخير من "لعبة العروش"، وهي النهاية التي يعدها فهمي "غريبة" على عالم مارتن أو الرواية على السواء "فبعيدًا عن أن شخصية دنيرس في أحداث المسلسل تختلف كليًّا عن شخصيتها في أحداث الرواية، فإن الشخصية التي قُدمت على الشاشة لم يكن منطقيًّا أن تلجأ إلى ذلك الفعل وأن تكون تلك نهايتها"، موضحًا أن نهاية دنيرس في الرواية لم تُكتب بعد، فالجزء السادس من الرواية كان متوقعًا أن يفرغ جورج مارتن من كتابته في عام 2016 ولكنه ما يزال يكتبه حتى الآن.

لذلك فإن النهاية التي عُرضت على الشاشة لأم التنانين حتى إذا تشابهت مع ما يريده مارتن "فالمؤكد أنه سيقنع القارئ بضرورة إقدام دنيرس على ذلك التصرف، ويمكن لمن شعر بإحباط حقيقي عند مشاهدة أم التنانين تحرق وتدمر الجميع مثل أبيها، أن يلجأ إلى الأجزاء الجديدة للرواية، إذا صدرت، بديلًا عن النهاية الدرامية غير الموفقة، فهي ليست النهاية الحقيقية على كل حال"، يقول هشام.

أترجم الاقتباسات الرديئة أيضًا

رغم ذلك يرى مترجم "الهوبيت" للكاتب الإنجليزي جون رونالد تولكين، أن الاقتباس السينمائي من الأدب، قد يتفوق أحيانًا على النص الأصلي المقتبس منه، أو قد ينجح في صناعة آخر مستقل عنه، وهو في الحالتين دعاية جيدة للأدب، ضاربًا المثل بسلسلة روايات "سيد الخواتم" لتولكين، التي "زادت نسبة قراءتها وطباعتها ونشرها بعد عرض النسخة السينمائية من الرواية"، وهو الأمر الذي ينطبق أيضًا حسب فهمي على سلسلسة "أغنية الجليد والنار" التي زادت مبيعاتها وقراؤها حول العالم بعد عرض المسلسل.

ويرى المترجم أن حتى الاقتباس السيئ يروج للأدب "فيلجأ البعض إلى الأصل الروائي حين تتنشر معلومة أن جودته أفضل مما قُدم على الشاشة"، وهو الأمر الذي حدث معه بعد ترجمته "أضواء الشمال" للسير فيليب بولمان، وهي الجزء الأول من سلسلة بعنوان "موادُّه المظلمة"، وكان ما دفعه لترجمتها "مشاهدة الفيلم السينمائي المحبِط المقتبس من جزئها الأول، والذي أثبت مرة أخرى قاعدة أن العمل الأصلي -عادة- يظل أفضل كثيرًا من الاقتباس".

مع فريق التنين

قبل انطلاق الدورة الأخيرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب بفترة وجيزة، صدرت ترجمة جديدة من عالم جورج مارتن بعنوان "كتاب النار والدم"، التي اقتبس منها مسلسل House of the Dragon الذي عرض مع نهاية 2022، لكن الكتاب المشتق عن عالم "أغنية الجليد"، صدر هذه المرة من دون توقيع هشام فهمي كمترجم وإن لم يخل من اسمه كمراجع.

غلاف كتاب النار والدم

لهذه الترجمة تحديدًا قصة تعبر عن قصد فهمي من الإشارة إلى أهمية الاقتباس في الترويج للأدب، فبعد النجاح الذي حققه لعبة العروش، وما أعقبه من إعلان صناعه عن تحويل "كتاب النار والدم" إلى مسلسل، قررت مجموعة من عشاقه من المترجمين الشباب يطلقون على أنفسهم "فريق ضرغام"، ترجمة الكتاب، بعد أن تواصلوا مع هشام ليتأكدوا من عدم نيته ترجمته، فأنجزوها وطروحها مجانًا على الإنترنت.

وبعد نجاح المسلسل تواصلت دار كيان مع فهمي تطلب منه ترجمة الكتاب، فرشح لهم ما أنجزه هؤلاء الشباب الذين ينتمون إلى أكثر من بلد عربي مثل العراق وتونس ومصر والأردن وليبيا، وذلك بعد أن قام بمراجعتها وتحريرها.

مقاصد جورج آر آر مارتن

ما خاضه فريق ضرغام بتحفيز من مسلسلهم الأثير "لعبة العروش"، خاضه غيرهم منذ الإعلان عن آل التنانين، وانتشرت الكثير من العروض والملخصات للأحداث المفترضة للعمل الدرامي اعتمادًا على كتاب مارتن، وهي محاولات تنامت بعد صدور المسلسل ومع انتهائه تقارن بين العملين.

لكن المترجم الذي يرى أن صناع آل التنانين تفوقوا على نظرائهم في لعبة العروش، من حيث الملابس والالتزام بالسياقات التاريخية والاجتماعية للعصور الوسطى التي تشبه عالم كلا العملين، وكذلك في الدراما ورسم الشخصيات؛ يحبذ قراءة النص المترجم حتى من دون مشاهدة المسلسل لما يثيره الأول من قيمة فلسفية في حد ذاته ربما لا تظهر على الشاشة. فالنص الأصلي كُتب كـ"كتاب تاريخ وليس رواية" يقول هشام.

كتاب "النار والدم"، هو "كتاب تاريخ زائف" بوصف هشام فهمي، كتب "على يد مؤرخ يعتمد على مصادر مختلفة ومتضاربة، فالشخصيات التي ابتكرها جورج مارتن لتكون مصادره التاريخية المؤلفة هي رجل دين ومهرج وعالم، وكل منهم يحكي قصة تلك العائلة وتاريخ الصراعات فيما بينها من وجهة نظره".

وهذا ما يريد جورج مارتن أن يلقي عليه الضوء؛ "عدم الثقة التامة بالتاريخ" أو "الاعتماد على المعلومات التاريخية دون النظر بشكل معمق في توجهات المصدر الناقل للمعلومة التاريخية".

ربما لم يقم هشام فهمي بترجمة الكتاب لأنه "لا يحمل تحديًا جديدًا" بالنسبة إليه كمترجم، فهو ليس أدبًا عظيمًا "بمثل السلسلة الأساسية"، لكنه في الوقت نفسه، يشكل جزءًا مهمًا لفهم عالم جورج آر آر مارتن الذي يقوم في الأساس على طرح الأسئلة واستكشاف إجابات لم تكن في أي حال من الأحوال منطقية قبل أن يطرحها مارتن نفسه.

لذلك تكون مهمة فهمي في الترجمة دائمًا صعبة، حتى وإن اختار أعمالًا رائجة وتلقى حفاوة جماهيرية.