بالنسبة للباحثين عن تمويل عقاري، كانت قفزة أسعار الفائدة المعلنة من البنك المركزي بـ 8% خلال 2022، والتوقعات بزيادتها خلال العام الجاري في ظل الارتفاعات المتلاحقة للتضخم، خبرًا سيئًا للباحثين عن التمويل العقاري؛ لأنه يعني زيادة مباشرة في تكاليف القروض التي سيحصلون عليها، خاصة وأنه يتزامن مع وقف مبادرات البنك المركزي لتقديم القروض ميسرة الفائدة والتي كانت القروض العقارية واحدة من أهم مجالاتها.
وبحسب تقديرات خبراء تحدثوا للمنصة، فإن كل 1% زيادة في سعر الفائدة يرفع التكلفة الإجمالية للتمويل العقاري ما بين 6% و8% تقريبًا.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة الأولى للتمويل العقاري أيمن عبد الحميد "لو حصل العميل على شقة قيمتها مليون جنيه بسعر فائدة 14% خلال 10 سنوات سيسدد لجهة التمويل 1.8 مليون جنيه تقريبًا، في حالة زيادة الفائدة لــ 15% سيصل اجمالي المبلغ لحوالي 1.9 مليون جنيه، ولقد شهدنا 8% زيادة على أسعار الفائدة في آخر سنة مما يعني زيادة تتجاوز 50%".
واعتبر عبد الحميد في حديثه إلى المنصة أن الزيادات الناتجة عن سياسة الفائدة الحالية ستدفع قطاعات واسعة من جمهور التمويل العقاري لتأجيل قرارات الاقتراض.
وبلغ إجمالي حجم التمويلات العقارية خلال 2021 نحو 8.1 مليار جنيه، بحسب البيانات السنوية لهيئة الرقابة المالية غير المصرفية، وهو لا يزال أحد أقل الأنشطة التمويلية حجمًا بسبب ارتفاع تكاليف الوحدات لدخول العملاء، بجانب بعض الصعوبة في الإجراءات المرتبطة بهذا النوع من القروض.
لكن برغم الرؤية التشاؤمية التي تفرضها أسعار الفائدة، يرى رئيس إدارة التمويل العقارى ببنك الشركة المصرفية محمد سمير أن تأثيرها يظل محدودًا، نظرًا إلى أن "التمويل العقاري لا يزال هو الخيار الأفضل للمستهلك".
وأضاف أن "أسعار الوحدات مرتفعة وسترتفع أكثر فى ظل الآثار التضخمية لتحرير سعر الصرف وتراجع قيمة الجنيه، لذا فإن اللجوء لتمويل الشقة على 10 أو 20 سنة حل مثالي، خاصة مع الاتجاه للسماح برفع قيمة القسط من دخل العميل".
وكانت هيئة الرقابة المالية أعلنت مؤخرًا عن زيادة قيمة قسط التمويل العقاري ليصبح 50% من إجمالي دخل طالب التمويل بدلًا من 35% و40% للفئات ذات الدخول المختلفة، ما سيسهم في زيادة قاعدة المستفيدين، بدخول فئات جديدة لم تكن مدرجة من قبل في شروط التمويل العقاري.
لكن من جهة أخرى، اتجهت الحكومة لوقف مبادرات البنك المركزي لتقديم الفوائد الميسرة للعديد من الأنشطة ومنها نشاط التمويل العقاري، استجابة لمطالبات صندوق النقد، ومنها وقف مبادرات التمويل العقاري بفائدة 3% و8%.
ارتفاع تكاليف الفوائد يفرض على القائمين على سياسات التمويل تيسير إجراءات الحصول عليه لتخفيف العبء على طالبيه قدر الإمكان
ورغم أن قرار مجلس الوزراء أشار إلى إحالة مبادرات التمويل العقاري لوزارة الإسكان، فإن الوزارة في أول طرح لها بعده، والذي تضمن شققًا سكنيةً لمتوسطي الدخل ضمن مشروعات "سكن مصر ودار مصر وجنة"، جاءت بتقسيط مباشر على 3 أو 5 أو 7 سنوات، بدون إضافة إمكانية الحصول على الشقق بنظام التمويل العقاري.
كيف يواجه المواطنون الفائدة المرتفعة ؟
أمل عبد الله، زوجة وأم لطفلين تبحث منذ أكثر من عامين عن شقة تصلح للشراء عن طريق التمويل العقاري، لكن اتجاه البنك المركزي للتوقف عن دعم فوائد التمويل أحبط طموحاتها في هذا الشأن.
تقول أمل للمنصة "تواصلت مع موظف البنك اللي مرتبي بيتحول عليه، قالي إن مبادرة البنك المركزي اللي بتقدم تمويل عقاري بفايدة 3% مش موجودة دلوقتي، وسعر الفايدة لوحدة مناسبة ومستوفية للشروط والمستندات مش هيقل عن 20%".
بجانب مشكلة ارتفاع تكاليف الفائدة، تواجه أمل تحديات توفير الوحدة المناسبة للتمويل "أغلب الوحدات السكنية مش مسجلة في الشهر العقاري وملهاش الأوراق المطلوبة للبنك، وفى حالة الوحدات المسجلة المالك بيفضل تشتري فوري أو بالتقسيط على سنتين، وده ميتناسبش مع ظروف أسرتي المادية"، مشيرة إلى أن سعر الشقة المعقولة 100 متر تقريبًا لا يقل عن نصف مليون جنيه في المناطق الشعبية.
وبحسب بيانات هيئة الرقابة المالية فإن النسبة الأكبر من طالبي التمويل العقاري يتجهون لشراء عقارات بمساحات كبيرة نسبيًا، أكبر من 86 مترًا مربعًا، وبلغ عدد الوحدات الممولة بهذه المساحات خلال الربع الثالث من العام الماضي 2377 وحدةً.
وأمل ليست الوحيدة، فعلي محمد، الذي كان يسعى لشراء شقة بالتمويل العقاري للزواج بها، تراجع مؤخرًا عن الفكرة بسبب التعقيدات الإدارية "وجدت شقة جيدة بمساحة 140 متر في منطقة سكنية متوسطة وسعرها 600 ألف جنيه، لكن لما حاولت اشتريها بالتمويل العقاري البنك طلب شهادة ضريبة تصرفات عقارية، واكتشفت أن هذه الشهادة تستلزم سداد 2.5% من قيمة الوحدة للضرائب، المفروض يسددها قانونا المالك، لكنه رفض وطالبني بالسداد لأنه عاوز يبيع كاش مش بتمويل عقاري"، كما قال للمنصة.
ويضيف محمد أن الضريبة وتكاليف باقي الأوراق القانونية ترفع سعر الشقة بقيمة لا تقل عن 50 ألف جنيه وبعد إكمال الأوراق يمكن أن يتم رفض التمويل.
تيسيرات بدلًا من الفائدة
ارتفاع تكاليف الفوائد يفرض على القائمين على سياسات التمويل تيسير إجراءات الحصول عليه لتخفيف العبء على طالبيه قدر الإمكان.
وفي هذا السياق يطالب سمير بعودة البنوك وشركات التمويل العقاري لتمويل الوحدات السكنية تحت الإنشاء، إذ يسمح القانون بتمويلها لكن عمليًا لا يتم ذلك تخوفًا من عدم الالتزام بمواعيد التسليم للوحدات للعملاء.
ويقول مصدر بصندوق التمويل العقاري التابع لوزارة الإسكان، طلب عدم ذكر اسمه، للمنصة، إن أهم التيسيرات المطلوبة هي تسهيل عملية التسجيل العقاري للوحدات الممولة خاصة وأن نسبة الوحدات المسجلة في مصر لا تتعدى 5%، ويجب أن يتم تسهيل دورة الورق واقتصار الأمر على عدة ورقات بتكلفة محدودة وسهل الحصول عليها من الشهر العقاري لتملك وحدة أو تسجيلها لكن الوضع الحالي يتطلب مستندات صعبة لأي عميل.