12 عامًا على مقعد الوزارة، وقبلها سنوات في مناصب حكومية متعددة بعد إنهاء الدراسة في الكلية الفنية العسكرية، كانت كفيلة برسم ابتسامة على وجه وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي، ومنح جسده حركات واثقة، أثناء رده على أعنف مساءلة أو "فضفضة" برلمانية، خلال الفصل التشريعي الحالي تحت قبة مجلس النواب، في جلسة استمرت أكثر من ست ساعات.
كان المصيلحي الذي تولى وزراة التموين منذ عام 2017، وقبلها التضامن الاجتماعي لست سنوات قبل ثورة يناير؛ على موعد مع جلسة رقابية الثلاثاء، للرد على 151 طلب إحاطة وسؤال وطلب مناقشة عامة موجهة له من النواب بشأن ارتفاع الأسعار، والرقابة على الأسواق، وأوضاع المخابز، والدعم، واستراتيجية الوزارة في الفترة المقبلة.
وبعد جلسة استمرت نحو أربع ساعات استمع خلالهم إلى الكثير من الكلمات الغاضبة، تحدث بنبرة هادئة دون تقديم إجابات عن الأسئلة التي تلقاها، مكتفيًا بالتأكيد على أن الحكومة لن تتدخل بالتسعير الجبري لضبط الأسعار، ورفض الحديث عن نهاية أثر الحرب الروسية على أوكرانيا على السلع بل قال إن تأثيرها سيمتد أعوامًا قادمة.
بداية ساخنة
جاءت بداية الجلسة العامة ساخنة مع مناقشة طلبات الإحاطة المتعلقة بارتفاع الأسعار، التي بدأت بكلمة عضو المجلس عن حزب حماة الوطن، النائب نافع عبد الهادي، الذي طالب بإقالة أو استقالة وزير التموين، واتهمه بتسليم الشعب المصري للتجار الجشعين، وتعظيم دور المحتكرين، وانتهاج عكس سياسات الرئيس.
على الخط نفسه كانت كلمة عضوة مجلس النواب عن حزب الشعب الجمهوري، النائبة ألفت المزلاوي، التي وجهت خطابها للوزير "أنت ما ينفعش تكمل معانا، أنت وزير مأزوم".
أما عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، النائب محمد نجيب خالد نور الدين، قال "الناس مش عارفة تجيب أكل"، بينما اتهم النائب المستقل أحمد الحديدي، الوزير بالعمل "ضد الدولة وإصدار قرارات خاطئة"، وتحدث عن أزمة توريد السلع التموينية للمستودعات "النهارده 3 في الشهر توجد مستودعات لم تصل لها حتى الآن مواد تموينية".
يبدو أن الوزير ظهر على وجهه رفض لكلام الحديدي، فقال النائب موجهًا حديثه للمصيلحي "كلامي مش عاجب حضرتك"، فتدخل رئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي، مطالبًا النائب بالالتزام باللائحة ومواصلة الحديث في الموضوع وعدم توجيه ملحوظة شخصية للوزير.
أزمة اختفاء السلع
النائب المستقل أحمد فرغلي طالب في كلمته الحكومة بالاستقالة، وتحدث عن أزمة الأرز "الحكومة أصبحت وزارة السوق السوداء، غرقت في كيلو رز وسابت المواطن فريسة للغلاء"، مضيفًا "الوزارة تدخلت في أزمة الأرز أصبح بسعرين ومش موجود، وتدخلت لحل أزمة الزيت، الزيت اختفى، الحكومة تصدر قرارات وهمية تقول سلع استراتيجية تكفي ستة أشهر أو خمسة أشهر، أرز أو زيت وكل الأسعار تزيد والحكومة في وادي تاني خالص".
وأكد النائب ضرورة تحرك المجلس لإقالة الحكومة "على المجلس حماية المواطن من الحكومة وعلى الحكومة تقديم استقالتها".
عضوة مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، النائبة أميرة العادلي، طرحت سؤالًا على الوزير بشأن اختفاء الأرز "في ظل الأزمة الطاحنة نفاجأ بوجود أزمة في الأرز ولا أعرف السبب، وإدارة الأزمة تضع علامات استفهام"، وتساءلت "هل أدى قرار التسعير لزيادة المضاربة واختفاء السلعة؟ هل القرار صحيح ومدروس بما أنك كنت واقف مكاني نائب تدافع عن حقوق المواطن، لماذا اختفت السلعة؟".
تدخلات للتهدئة
أمام الكلمات الساخنة للنواب وانفعالهم، تدخل رئيس المجلس لتهدئة الأجواء، وتخفيف حدتها متسائلًا "مالكم النهاردة فيه إيه؟"، وتساءل ضاحكًا "مالكم النهارده فيه فرط حركة؟ مالكم فيه حاجة بعد الجلسة مثلًا؟". وطالب جبالي النواب بالهدوء، وقال "قول كل اللي أنت عايزه بموضوعية وهدوء لكن عندما يزداد حماسك يضيع منك تنظيم كلمتك، بهدوء تنتهي كلمتك في الوقت المحدد".
وبعدها بدقائق سمح جبالي بكلمة لزعيم الأغلبية البرلمانية (مستقبل وطن) النائب أشرف رشاد الشريف، الذي تداخل رغم عدم إدراج اسمه ضمن النواب الذين يلقون طلبات الإحاطة والأسئلة.
تدخل الشريف جاء للتهدئة وتوضيح مسار جلسة "الفضفضة" التي اتخذت منحنىً قويًا في النقد الموجه للوزير ومطالب بإقالته، وجاءت كلمات الشريف هادئة واضحة مطمئنة للوزير، إذ وجه الشكر للمصيلحي، كما وجه الشكر للنواب على نقل طلبات المواطنين المشروعة، مبررًا الوضع بأن "الوزارة تخوض عددًا من التحديات، والمطالب التي ينقلها النواب مشروعة، والوزير لن يدخر جهدًا لمتابعتها".
لكن كلمة الشريف لم توقف غضب النواب، وبدأ النائب المستقل رضا غازي كلمته بالآية القرآنية "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ".
واستطرد "عذرًا سيدنا موسى، مصر لم تعد أرض الخير الأسعار في متناول الأثرياء"، واختتم كلمته "الشعب يحتاج من ينظر إليه بعين الرحمة"، وطالب بـ "تصرف من الرئيس شخصيًا حتى ينقذ شعبه".
ممثل الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، النائب عاطف مغاوري، حوَّل المسار، مطالبًا بمثول رئيس مجلس الوزراء أمام البرلمان، وقال "ليست مسؤولية وزارة التموين"، وعقب على كلمات زملائه عن ارتفاع الأسعار والرقابة على الأسواق "كل الكلام يقول عايز رئيس الوزراء يجي هنا في المجلس"، وهو ما اتفق معه عضو المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، النائب عمرو درويش.
تحذير من القادم
في كلمة هادئة حذر نائب رئيس حزب مستقبل وطن النائب علاء عابد، من العام الجديد، خلال إلقاء طلب المناقشة العامة بشأن استراتيجية الوزارة في الفترة المقبلة لتأمين الاحتياجات الأساسية، وضبط الأسواق.
قال عابد الذي وصف المصيلحي بـ "عميد الوزراء" لتقلده الوزارة مرتين "يقلقني أن نتكلم عن الغذاء... نحن أول وأكبر دولة مستوردة للقمح".
وأضاف "أقول من مجلس النواب، ونحن اليوم 3 يناير 2023، إن القادم هو الأصعب علشان ماحدش يتخيل إن القادم سهل، لا صعب على الحكومة والبرلمان والشعب وعلى مستوى العالم ليس مصر فقط".
الرغيف تحت القبة
نائب رئيس حزب العدل، النائب عبد المنعم إمام، أمسك برغيف خبز سياحي بحجم أصغر من كف اليد خلال الجلسة، وقال "منذ تسعة أشهر تحدث الوزير عن أزمة العيش السياحي، وعد بإنهائها في ظرف أسبوع من ناحية الوزن والسعر، النهاردة وأنا جاي جايب العيش السياحي، رغيف خبز بـ 50 قرش بياكله المصريين والطلاب في المدارس".
الطريف أن عضو الأغلبية البرلمانية (مستقبل وطن) النائب محمد الحسيني، رفع خلال إلقاء كلمته بشأن ارتفاع الأسعار وتردي أوضاع السلع الأساسية، نفس الرغيف الذي أحضره إمام في الجلسة.
حجة الحرب الباطلة
يبدو أن حجة الحرب الروسية الأوكرانية التي تروجها الحكومة وإن كانت صحيحة نسبيًا، لم تعد مقنعة للنواب، وهو ما عبر عنه إمام في كلمته "الحرب حجة بطلت، أوكرانيا الآن تطلع قمح، وروسيا بقت تطلع قمح"، كما أشار إلى الحصول على قرض في يوليو/ تموز الماضي بنصف مليار دولار لشراء القمح "بقينا نستلف علشان ناكل".
الأمر نفسه تحدث عنه النائب أحمد العرجاوي، عضو المجلس عن حزب النور الذي قال "الحكومة شاطرة في الفواتير الإلكترونية ومش عارفة تراقب المخابز الموجودة دي كلها"، واستطرد "مالنا ومال حرب أوكرانيا، الحكومة عاجزة وفاشلة المواطن يئن والحكومة لا تئن".
الوزير يهرب
بعد أكثر من أربع ساعات من إلقاء النواب كلماتهم الناقدة للحكومة بشكل عام ووزير التموين بشكل خاص، بدأ المصيلحي الرد، مستهلًا كلمته بديباجة طويلة للتهئنئة بعيد رأس السنة الميلادية، وعيد الميلاد، وانتقل بعدها لحديث مطول عن ضرورة التوافق على التعريفات والاصطلاحات المستخدمة لتكون بنفس المعنى لدى المتحدث والمتلقي والجمهور والمسؤول.
ثم تحدث بشكل قاطع عن عدم العودة للتسعيرة الجبرية، ورفض فكرة حكومة الحرب التي طرحها النائب الوفدي محمد عبد العليم داود.
كلمات المصيلحي التي جاءت بنبرة صوت عالية واثقة "في موضوع الأسعار من أعلى سلطة سياسية في مصر للحكومة نحن مع المواطن وسوف أسرد ما نقوم به، لكن نعرف الأول ما هي الأسعار، نطالب بالتسعير وفي نفس اللحظة عندما قامت الحكومة بالتسعير باظ سوق الأرز".
واستكمل "لا يوجد معنى للتسعير ولن نعود للستينيات، لا يوجد في الدستور ولا القانون ونحن في البرلمان المصري صرح القضاء وسن القوانين وكل شيء، لا يوجد أي نص تشريعي يسمح للحكومة بالعودة للتسعيرة الجبرية".
وشرح المصيلحي الفرق بين التسعير الجبري الذي كان يطبق في الستينيات، والوضع الحالي الذي يخضع للتنظيم من قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الذي يجيز للحكومة تسعير سلعة معينة في ظروف معينة لمدة محددة، عن طريق وزير التموين بالعرض على مجلس الوزراء، وفي هذه الحالة يصدر قرار من مجلس الوزراء بالتسعير، وقال "لم نستخدمه إلا في 2017 أثناء أزمة السكر".
ولكن لم يرد المصيلحي على اختفاء الأرز من الأسواق بناء على قرار مجلس الوزراء بشأن تسعير الأرز، بل تحدث بعبارات مرواغة عن استيراد الأرز الهندي.
وبدأ في استكمال ردود عامة مكررة، كما أشار النائب الوفدي محمد عبد العليم داود في كلمته إلى تكرار الوزير نفس الردود والكلمات المسجلة في مضابط المجلس منذ 2005، وحتى الآن.
لم يقدم المصيلحي إجابات بشأن استمرار ارتفاع الأسعار، ورفض حديث النواب عن تراجع تأثير الحرب الروسية الأوكرانية، بل اعتبر أن الأزمة ستستمر لعامين أو ثلاثة. واستمر في الحديث نحو ساعة كنت أتمنى أن أخرج منها بإجابات عن استراتيجية الأمن الغذائي التي سأل عنها النائب علاء عابد، أو استراتيجية ضبط الأسعار، أو آلية لعدم تضارب الأسعار للمنتج نفسه من مكان لآخر، أو سبل ضبط المخابز سواء التي تقدم الخبز المدعم أو السياحي.
لماذا الغضب؟
ربما فوجئ البعض بتصاعد نبرة النواب المطالبة بإقالة الوزير، بل مطالبة البعض بإقالة الحكومة. المشهد الذي رأيناه قد يشتبك فيه سببان؛ مشكلة حقيقة واضحة يستشعرها النواب في دوائرهم امتدت إلى قوت المصريين بشكل كبير، خاصة أن الهجوم الأعنف على الوزير كان من جانب النواب الذين يمثلون دوائرهم في المحافظات، ليس من بين الأسماء اللامعة أو من يمكن أن نطلق عليهم نجوم البرلمان.
والثاني ضرورة امتصاص الغضب والتنفيس، وقيام المجلس بدور في مواجهة الغضب الشعبي المكتوم في يوم للعمل الرقابي تحت القبة انعكس على شاشة التليفزيون، لنرى الإعلامي أحمد موسى يصفق للبرلمان بعد هذه الجلسة الساخنة.
المؤكد أن هذه المساءلة التي يمكن تسميتها "فضفضة" لن تؤدي لنتائج تنعكس على الأسواق، فالقرار يأتي من خارج مجلس النواب، وحتى سلطة الوزير.