بدعوة من النائبة نادية هنري، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، حضر مجموعة من أقباط قرية كوم اللوفي بمحافظة المنيا، للمشاركة في جلسة استماع استضافتها اللجنة في مقرها برئاسة علي مصيلحي.
مصيلحي تولَّى بنفسه استخراج التصاريح فورًا لأقباط المنيا، الذين حضروا للقاهرة أمس مستنجدين بالنواب.
وصباح اليوم، وبعد ما يزيد عن شهر منذ شهدت القرية اعتداءات متفرقة على مسيحييها، وحرق منازل أربعة من المواطنين الأقباط على يد عدد من مسلميها، استمع نواب البرلمان للمرة الأولى لشهادات المواطنين المستنجدين بهم بعد تلقيهم تهديدات من المعتدين المفرج عنهم بقرار من غرفة المشورة بمحكمة جنح المنيا أمس.
أمام عدد من النواب أعضاء اللجنة الاقتصادية، روى الأهالي ليالي الرعب التي عاشوها منذ يوم 30 يونيو حتى الآن. وحكي "أيوب" صاحب أحد المنازل المحترقة عن معاناته في تجديد منزله، وموافقته على كل شروط أهالي القرية المتشددين، ورغم ذلك انتهى الأمر باحتراق منزله "الذي كان يشتري مواد البناء له بالتقسيط".
حكي مواطن آخر يدعى "ابراهيم خلف" عن ساعات الرعب، وإنقاذه لطفلين من بين ألسنة النيران، وعن زوجته التي حاولوا الاعتداء عليها، وسط بكاء النائباتان نادية هنري وبسنت فهمي، وذهول عماد جاد وهيثم الحريري وعلي المصيلحي وخالد عبد العزيز شعبان، ونواب آخرين حضروا جلسة الاستماع.
حكايات أهالي المنيا الأقباط جسدت صورة لما نسمعه عن جرائم داعش في العراق وسوريا، ولكنها جرت في إحدى قرى المنيا التي تبعد عن القاهرة بحوالي 240 كم فقط.
ماذا أتى بهم الآن؟
تقول نادية هنري إن مجموعة من الجناة المعتدين على الأهالي، أتوا عند منازلهم في تحدي بعد إطلاق سراحهم أمس. وأن الأهالي شعروا بالرعب وعدم الأمان، وأتوا من قريتهم للقاهرة خوفا من اعتداءات جديدة، بعد تهديدهم بحرقهم واغتصاب نسائهم.
وأضافت هنري:"الأهالي قالوا لو انتم مش عايزينا قولوا نروح فين، لكن لن نتحمل اغتصاب أو إشعال النار فينا، ورحل الأهالي من بيوتهم وأتوا بعائلاتهم إلى القاهرة".
منزل أيوب
الحكاية تبدأ من عند أيوب الشهير لدى اهالي القرية باسم أشرف، عندما قرر تجديد منزله المبني منذ خمس سنوات: "صدقني الموضوع كان أشبه بصعقه، في كل مكان في فصيل متشدد إلا عندنا جزء صغير معتدل"، قالها أيوب موجها حديثه للنائب علي المصيلحي الذي أدار جلسة الاستماع، ثم أضاف: "أي شخص يفكر يبني بيت يعلى ارتفاعه عن 2 متر و80 سنتيمتر، يعتبروه كنيسة ولازم يطلع بره البلد والبيت يتحرق".
مساحة منزل أيوب لا تتجاوز 65 متر "المساحة عملت لي أوضتين وصالة، وقررت أعمل بدروم خشب في الأسفل للحيوانات ولوازمها، وأحضرت الأسمنت من بائع اسمه الشيخ أحمد وهو سني، وسبق وقال لأهل البلد إني أبني منزل وليس كنيسة، أنا اشتري منه الأسمنت بالتقسيط، وهو قالهم أني لا أبني كنيسة".
أيوب يقسم أن ارتفاع العمود في منزله لا يتجاوز 3 أمتار، لكن أهالي القرية مازالوا متشككين في نيته، يقول: "ظهر شخص اسمه عبد الواحد، مرشح على منصب العمودية ومسنود من جهات كتير، وطلب مني التوقيع على إقرارات بأني لا أبني كنيسة، ووافقت ورحت المركز ومضيت على الإقرارات في وجود ضباط المباحث، وقلت لهم هوزع 1000 إقرار على أهل البلد علشان يطمنوا إني ما ببنيش كنيسة".
عبد الواحد "المسنود" لم يكتف بالإقرارات وطلب جلسة عرفية، يحكي أيوب "طلب جلسة عرفية يحضرها إخوان وسلفيين من أهل البلد، ووافقت ورحت يوم 29 يونيو، وجبت ناس كلهم مسلمين وحضر حلمي بيه ضابط الشرطة، لكن عبد الواحد اعترض إني جبت مسلمين من ناحيتي ووافقوا إني أبني البيت، وقالي دي جلسة عرفية القانون ما يعترفش بيها".
فكر أيوب في اللجوء لشخص أخر، وذهب إلى المرشح المنافس لعبد الواحد ويدعى بهاء، وأثناء توجهه لمنزل بهاء هذا، سمع ميكروفون الجامع ينادي على الأهالي يخبرهم بحريق في غرب القرية، وأدرك ان هذه مجرد دعوة للتجمهر وبدء الاعتداء على المنزل.
يختتم أيوب شهادته "الحاج بهاء قعدني في بيته لكن إخواتي لهم حكايات من وسط النار".
في قلب النار
ابراهيم خلف أحد أهالي القرية، كان في قلب النار وشهد بعينيه الاعتداءات على المنازل وعلى الشرطة التي حضرت - حسب شهادته- لاحتواء الموقف: "قلت للضابط إنت أخذت إجراءات تريح الناس وعايزينك تأمنَّا". يحكي خلف عن قوة تأمين ضعيفة من ضابط وست أمناء وعساكر فقط حضرت رغم اتساع حجم الاعتداءات في القرية.
"ابني عامل قلب مفتوح من فترة صغيرة، وأغمى عليه 3 مرات في الأحداث. إحنا كنا بنموت، البيوت اتهدت فوق دماغنا و[السلاح] الآلي والخرطوش بيضربوا أدام عينينا، قلت لهم هدِّوا (إهدموا البيوت) بس سلامة عيالنا ".
يحكي خلف عن ساعات الرعب التي عاشها مع عائلته وسط النار: "كسروا الخرسانة والسقف، وهددوا بالاعتداء على حريمنا مراتي اتشدت من إيدي، ومطلع ولدين من تحت النار، أنا عايز أخذ حقي بالقانون لو دي دولة قانون، واحد منهم قال نولع في البيوت التانية. وقال [المسيحيين] دول ولاد صلبان كلب والحريم اللي هناك هنعمل فيهم كذا وكذا".
يسقط خلف ورقة التوت من على شبه الدولة "كل جلسات الصلح لمراضاة المعتدين، الطرف محبوس اللي كانوا عايزينه يطلع. أنا عايز آخد حقي بالقانون لو دي دولة قانون. والشرطة اللي جت اتكسرت عربياتهم واتضرب عليهم آلي وخرطوش".
ردود النواب
علي المصيلحي رئيس اللجنة الاقتصادية طرح أسئلة عديدة وبدا غير مستوعب لحجم العنف والتضييق على الأقباط في تجديد مساكنهم.
لكن الأمر لم يخل من المواقف "المايعة"، النائب علي الكيال عضو البرلمان المستقل عن دائرة سمالوط أقر بحق الأهالي في بناء بيوتهم، لكنه أضاف أن أحد أهالي القريه أخبره بوجود وعود لأيوب ببناء كنيسة. وتساءل الكيال "في عناصر فعلت أمور غير مقبولة لكن هل جميع من في القرية وحش؟".
علي المصيلحي وجه حديثه للكيال وقال: "الواقع محزن جدا، هل لديك القدرة على إحقاق حق هؤلاء الأشخاص في بناء بيوتهم دون الحديث عن النوايا؟ فلو دخلنا فيها فنكون نضيع الحقوق".
فأجاب الكيال "إذا كان حقه في بناء منزله أنا معه، وأثق أنه لن يتعرض له أحد، واللي هيتعرض له أنا هضربه بالنار".
النائبة نادية هنري صرحت لي أن التهديدات التي تجددت مساء أمس بعدما أفرجت المحكمة عن المعتدين جعلت أقباط القرية يخافون على حياتهم ويستنجدون بها، ورئيس الأمن بالبرلمان وافق على إستصدار تصاريح الدخول لهم بشرط أن تعقد جلسة الاستماع في اللجنة الاقتصادية باعتبارها اللجنة التي قبلت استضافتهم، وأنها طلبت من النائب توحيد تامر أن يدعو باقي نواب المنيا لحضور الجلسة.