صفحة وزارة التربية والتعليم- فيسبوك
وزير التربية والتعليم رضا حجازي يتفقد سير العملية التعليمية بإحدى المدارس- أرشيفية

لماذا فوجئت مديريات التربية والتعليم بعيد الميلاد.. عن أزمة جدول امتحانات نصف العام

منشور الثلاثاء 27 ديسمبر 2022

استقبل عماد السيد، وهو ولي أمر طالبة في الشهادة الإعدادية، قرار وزارة التربية والتعليم بتعديل مواعيد امتحانات نهاية العام الدراسي بغضب كبير؛ كان استقر على موعد زفاف ابنته الكُبرى في الأسبوع الأول من شهر مايو/ أيار المقبل، قبل أن يتسبب قرار الوزارة في إرباك حساباته، بتبكير موعد امتحانات نهاية العام شهرًا كاملًا.

كان السيد حدّد موعد العُرس في الأسبوع الأول من مايو، ليمنح أسرته شهرًا على الأقل، بين موعدي امتحانات الشهادة الإعدادية لابنته الصغرى، وفرح الابنة الكُبرى، واتفق مع العريس على الموعد وقاما بحجز قاعة الزفاف فعلًا.

حسب الخريطة الزمنية للعام الدراسي المعلنة منذ يوليو/ تموز الماضي، كان مقررًا أن تبدأ اختبارات نهاية العام الدراسي في الثالث من يونيو/ حزيران 2023، بالنسبة لصفوف النقل والشهادة الإعدادية، فيما ستبدأ اختبارات الدبلومات الفنية في الثامن من يوليو/ تموز، لكن الوزارة غير ذلك كله وبكرت الامتحانات شهرًا لتبدأ في مايو.

أصبح عماد مضطرًا لتأجيل زفاف ابنته الكبرى للتركيز مع شقيقتها التي تدرس في الشهادة الإعدادية وشقيقها الذي ينتظم في السنة النهائية من الدبلوم الفني، اللذان ستنطلق اختباراتهما بين الأسبوع الأول والأخير من مايو المقبل "مفيش مرة الوزارة تصدق في قراراتها.. لازم تغيرها وتربك كل حساباتنا"؛ يقول الأب الذي يشاركه في أزمته أسر كثيرة ستتأثر بسبب تلك التغيرات "مش عارفين إن الناس بتخطط لشهور قدام بسبب قراراتهم، وبيخسروا كتير بسبب الارتباك ده".

هذا الاستياء العام تحول إلى حملات إلكترونية، لا تشتكي فقط من الضرر الاجتماعي جراء التغيير، وإنما مصير الطالب العلمي الذي سيتأثر باختصار المدى الزمني لتدريس المناهج، فتبنى أولياء الأمور والمعلمين على السواء مطالب روجوا لها عبر السوشيال ميديا وجروبات الوزارة التي تجمعهم بمسؤوليها للتخفيف من المناهج أو حذف بعض دروسها. وبعد شد وجذب، اضطرت وزارة التربية والتعليم في النهاية لحذف دروس شهر مايو على أن تكون الامتحانات من المناهج حتى نهاية أبريل/ نيسان فقط.

اللافت أن الوزارة بررت تعديلاتها التي أدت لذلك الارتباك بأنها هكذا تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، حيث يفترض أن تجرى الاختبارات في بداية مايو من كل عام، رغم أن الذي أصدر الخريطة الزمنية التي عينت الاختبارات في يونيو كان الوزير الحالي رضا حجازي وهو نفسه الذي قام لاحقًا بتغييرها إلى مايو.

"تعليم" القرارات المرتبكة

ذلك ليس بموقف وحيد لحجازي أو وزارته، لكنه نمط اعتاده المواطنون فيما يبدو من المؤسسة التي دأبت على إصدار القرارات والتراجع عنها، في ارتباك شديد وبدون تخطيط أو اتفاق مسبق؛ هذا العام مثلًا كان مقررًا أن تنطلق اختبارات نصفه الدراسي منتصف يناير/ كانون الثاني المقبل، وفق الخريطة الزمنية المقررة، ولكن فوجئ أولياء الأمور بالمديريات التعليمية تعلن أنها في بداية يناير، حتى أن مديرية التربية والتعليم في محافظة الشرقية، أعلنت عن جداول امتحانات مغايرة للخريطة الزمنية التي كانت أقرتها الوزارة لامتحانات الفصل الدراسي الأول، واكتشفت بعد إعلانها أنها تتزامن مع أعياد المسيحيين، فما كان منها إلا سحب الجداول مرة أخرى.

طلاب بالثانوية العامة يؤدود أحد الاختبارات

وبرر مصدر قيادي بالوزارة للمنصة، وهو مسؤول بقطاع التعليم العام، قرار تغيير مواعيد امتحانات النصف الأول للسنة، بأن بعض المديريات اشتكت من ضغط الوقت "قالولنا مستحيل نلحق نعمل امتحانات نص السنة في 12 يوم (من 14 إلى 26 يناير)، فقلنا لهم كل واحد وظروفه بس ابعدوا عن الأعياد الدينية والوطنية".

واعترف المصدر، بأن الوزارة لم تقم باستطلاع رأي مديري المديريات التعليمية في المحافظات بشأن مواعيد امتحانات نصف العام قبل إعلان الخريطة الزمنية، مبررًا "ناقشناها في المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، وطلعنا بيها قرار، بس مع الوقت تبين إنه مكنش مناسب للواقع".

ماذا يتعلم الطالب؟

كانت منال حمدي، وهي معلمة بالصف الخامس الابتدائي، مضطرة إلى مضاعفة كم الدروس التي تشرحها يوميا خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حتى تستطيع إنجاز منهج الترم الأول قبل بداية يناير، رغم ذلك لا ترى أن أزمتها بدأت حين قرر مسؤولو التعليم تبكير اختبارات النصف الدراسي الأول أو نهاية العام، وإنما بدأت منذ قررت الوزارة تغيير موعد بدأ الدراسة إلى الأول من أكتوبر بدلًا من 24 سبتمبر/ أيلول المقرر سلفًا "ممكن الأسبوع ميفرقش في حاجة، لكن الفكرة إن الوزارة مش معترفة إن القرارات التعليمية دي بمثابة عقد بين الوزارة والمجتمع مينفعش حد يخل بيه ولا ينسحب منه ويغير بنوده، علشان كده دايما ردود فعل الناس حادة، وبصراحة حقهم".

تؤكد المُعلمة أن العبث في الخريطة الزمنية للعام الدراسي، يضر بالطالب وولي الأمر والمعلم، لأن الأخير يرتب ظروفه على شيء، ويوزع منهجه بشكل أسبوعي، حسب الخريطة، لكن التلاعب فيها، وعدم الالتزام بالعقد المبرم بين الوزارة والطالب والمعلم، يضاعف العبء النفسي والعصبي على الطرفين، مشيرة إلى أن "أي تخفيف من المناهج يؤثر تربويًا على الطالب، لأن المناهج مترابطة مع بعضها، مينفعش تشيل جدول الضرب، وتيجي بعد كده تطلب من الطفل يجمع ويحسب ويقسم الأرقام".

وزارة الحنث العظيم

زيبدو أن وزارة التربية والتعليم لا تعتبر كثيرة بمقولة "إن الوقت كالسيف..." التي تزين بها كثير من مناهجها وجدران مدارسها، لكنها ليست العبارة الوحيدة التي تحنث بها، فآلية تدريس الطلاب أنفسهم عانت كثيرًا من الارتباكات المشابهة خلال السنين الأخيرة.

طلاب بالثانوية العامة يؤدود أحد الاختبارات على التابلت

منذ العام الدراسي 2018 – 2019، تعوّد طلاب الثانوية العامة على أن تكون الامتحانات بنظام أسئلة الاختيار من متعدد، والإجابة بطريقة البابل شيت، التي ستخضع للتصحيح الإلكتروني، لكن مع رحيل طارق شوقي عن الوزارة، قام نائبه رضا حجازي الذي صعد إلى منصب الوزير، بتغيير الطريقة منذ أسابيع قليلة، وأضافة أسئلة مقالية بنسبة 15% في كل مادة، الأمر الذي مثل للطالبة إيمان حسن، التي تدرس في الشهادة الثانوية، أكبر من مجرد تغيير في اللحظة الأخير، وإنما تلاعب بمصير دفعة كاملة.

المشكلة من وجهة نظر إيمان أنها لم تتدرب من قبل على مثل هذه الأسئلة "مش ممكن يتقال لنا واحنا في أولى وتانية، إن امتحانات تالتة كلها اختيار من متعدد، ومحدش يذاكر القصة ولا الحاجات اللي فيها مقالي وإنتاج إجابة زي التعبير، ويفاجئونا بالمقالي اللي هو ياللا بينا عندنا مقالي السنادي".

تضيف للمنصة "حتى المعلمين في الدروس الخصوصية، اللي بدأناها من شهر أغسطس (آب) الماضي، كانوا بيقولوا متركزوش على المقالي، ولا تدربوا على إنتاج الإجابة، اهتموا بس بالمفاهيم اللي هيجي منها أسئلة الاختيار من متعدد.. مش معقولة واحنا في نص السنة نرجع نجيب المنهج من أوله تاني علشان نستوعب فكرة إنتاج إجابة للأسئلة المقالية".

حالة إيمان لا تخص الطلاب وحدهم، وإنما معلميهم بالمثل الذي لم يتدربوا على صياغة مثل تلك الأسئلة، حتى قررت الوزارة بشكل متأخر، أن تقوم بتدريب خمسة آلاف معلم في الثانوية العامة على صياغة الأسئلة الجديدة مع انتصاف العام الدراسي.

الشفافية حق

وإن كانت طبيعة الامتحان تعاني تلك الارتباكات، فإنها ليست أفضل حظًا من أداتها، فقد قررت وزارة التعليم إلغاء عقد الامتحانات الإلكترونية بشكل مركزي، لتصبح امتحانات الصفين الأول والثاني الثانوي رقمية ولكن تحت مسؤولية كل إدارة تعليمية، وهي مشكلة يراها الكثير من أولياء الأمور مجازفة، لأن الإدارات التعليمية لن تستطيع إدارة امتحانات إلكترونية بعيدًا عن الوزارة، فالأخيرة نفسها كانت تعاني في عقدها بانتظام إما لخلل في السيستم أو الإنترنت.

والعام الماضي، عُقدت امتحانات النصف الدراسي الثاني إلكترونية، لكن نتيجة الامتحانات شهدت أخطاء بالجملة، دفعت الوزارة لإصدار قرار بنجاح كل طالب تعرض لمشكلة تقنية مثبتة بمحضر رسمي من جانب المدرسة، في حين كانت امتحانات النصف الدراسي الأول، العام الماضي، ورقية، خشية سقوط السيستم، بعدما كانت الوزارة قررت في اللحظات الأخيرة، عقدها ورقيًا وليس إلكترونيًا.

وهنا ترى أستاذة البحوث التربوية بجامعة القاهرة، الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، أن ما يحدث في التعليم نتاج عدم المساءلة وغياب وجود استراتيجية واضحة للتطوير، معلقة "كل قرار في التعليم مرتبط بمستقبل ناس، لازم يكون فيه وقفة من الحكومة، أنت ليه عملت كده وقررت كده وليه انسحبت وغيّرت؟ مفيش حد ضد التطوير، لكن الكل ضد الارتباك والتخبط والتجريب.. مطلوب حوار مجتمعي قبل أي قرار يطلع لأنه بيتبني عليه مصائر أمّة".

من غير المتوقع، وفق الأب عماد الذي عدّل موعد زفاف ابنته، أن تلتزم وزارة التعليم مع الأهالي بمواعيد وقرارات لا يتم تغييرها أو سحبها، ما لم تكن هناك قناعة لدى المسؤولين بالوزارة بحتمية الالتزام تجاه المواطنين وتقليل التخبط في القرارات.