بعد ساعات تقريبًا من هجومه أمس على النائب أسامة هيكل بسبب قانون العدالة الانتقالية، "الحفلة" اليوم كانت على محمد السادات، الذي أصابته سهام رئيس المجلس، عندما استعان الأخير بأغلبية النواب في قمع السادات، والموافقة على الرسائل الحادة التي وجهها للنائب –المغضوب عليه- في الجلسة العامة. ووصلت كلمات رئيس المجلس للتهديد بإجراء انتخابات جديدة على رئاسة لجنة حقوق الإنسان التي يرأسها السادات.
كان هذا في معرض تمرير قانون زيادة معاشات العسكريين، الذي شهد تمريره عدة لقطات هامة افتقر إليها تمرير زميله "الخدمة المدنية" الذي وافق عليه البرلمان اليوم نهائيًا وأرسله إلى مجلس الدولة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن خلاف السادات وعبدالعال؛ امتد الآن إلى أروقة المجلس؛ لكنه في الحقيقة، بدأ خارجها..
الموقف من السادات ربما يكون نتاج غضب جهاز أمني أو أجهزة أمنية عليه، حيث عطلت وزارة التضامن الاجتماعي في وقت سابق منحة من الاتحاد الاوربي للجمعية التي يرأسها السادات، واتخذ عدد من النواب من بينهم مصطفى بكري مواقفًا مضادة للسادات، وهاجموه في تصريحاتهم الإعلامية بسبب "التمويل الأجنبي".
يسود بين عدد كبير من النواب موقف ضد السادات الذي يعتبروه "طابور خامس" أو "ممول"، في إطار تبني مواقف حادة من التمويل الأجنبي والعلاقات المفتوحة مع الغرب، والحديث عن حقوق الإنسان. وبالنسبة للنواب السادات يمثل هذا المثلث المرفوض.
بدأت الخلافات صباحًا عندما عقدت لجنة حقوق الإنسان اجتماعا، أكد خلاله السادات أن رئيس المجلس يعطل عمل اللجنة ويماطل في الرد على رسائلها ومخاطباتها. وهدد بتجميد نشاط اللجنة إذا استمر الحال على ما هو عليه، ووافقه أعضائها على هذا. وانتهى الاجتماع بتوجه السادات للقاء عبد العال قبيل الجلسة الصباحية.
أعلن السادات خلال الاجتماع قبل خروجه غاضبًا؛ أنه لا يمكن للجنة حقوق الانسان أو أية لجنة أخرى إدراج أي بند على جدول الأعمال إلا بموافقة رئيس المجلس. موضحا أن اللجنة أرسلت عدة طلبات من يوم 17 يوليو، ولم تتلق ردًا، وبالتالي لم تقم بدورها في مناقشة البنود التي تنتظر موافقة عبدالعال كي تدرج على جدول الأعمال.
من بين الطلبات التي تقدمت بها اللجنة: إدراج تقرير منظمة العفو الدولية حول الاختفاء القسري على جدول أعمالها ومناقشته. حيث تحدث التقرير عن وجود تعذيب وإخفاء قسري في مصر، ولكن عبد العال لم يبت في الطلب المقدم منذ أيام. وأعرب عدد من نواب اللجنة عن دهشتهم من انتظار موافقة رئيس المجلس لمناقشة تقرير، فرد السادات "كل هذا جديد لم يكن موجود" في إشارة إلى استحداث هذا البند في اللائحة الجديدة التي وضعها المجلس لنفسها في بداية هذه الدورة البرلمانية.
من بين الطلبات المرفوضة للجنة بسبب "رفض الأمن" على حد تعبير السادات: المشاركة في أحد الفعاليات التي دعت لها الأمم المتحدة. كما ذكّرت مارجريت عازر وكيل اللجنة الأعضاء بتقدمها بطلب للأمانة العامة لحضور أحد مسئولي السفارة الفرنسية لاجتماع اللجنة لمناقشة بعض الأمور؛ لكن الأمانة رفضت واشترطت موافقة وزارة الخارجية و"جهات أخرى".
من بين الأمور التي لم يتلق رئيس اللجنة ردًا بشأنها؛ زيارات اللجنة للسجون. وقال السادات:"المجلس القومي لحقوق الانسان الذي نشرف عليه له حق زيارة السجون، ويزورها دون إذن، ونحن في انتظار موافقة رئيس المجلس!".
نواب لجنة حقوق الانسان تجاوبوا مع السادات في ضرورة رفض هذه الترتيبات. النائب سمير غطاس أشار إلى أن رئاسة المجلس لها صلاحيات مطلقة وفقًا للائحة، وتعطل عمل اللجان عامة؛ لكن التعنت أكبر في حالة لجنة حقوق الإنسان.
مارجريت عازر طرحت تساؤلاً حول رفض "الأمن" السماح للأعضاء بالسفر والقيام بزيارات تتصل بأعمالها، رغم أن هذا "الأمن" يتبع وزارة الداخلية وقالت عازر: "وزارة الداخلية.. المفترض أن مهمتي مراقبتها ومحاسبتها فكيف يحق له [الأمن التابع لها] منعنا؟".
السادات أنهى اجتماعه مع نواب اللجنة وتوجه الى لقاء رئيس المجلس علي عبد العال، لتبدأ "الحفلة".
البلد عندها فلوس.. للعسكريين
بعد يوم واحد من موافقة النواب على تخفيض زيادات المرتبات للعاملين في الدولة من 10% إلى 7% مراعاة لظروف البلاد، وبعد أيام قليلة من موافقتهم على تخفيض الزيادات المطلوبة لمعاشات المدنيين من 15% إلى 10% أيضًا مراعاة لظروف البلاد؛ وافق المجلس مجددًا على قانون آخر في سلسلة قوانين زيادة معاشات العسكريين بنسبة 10%، بما يساوي النسبة التي أقرها لزيادة معاشات المدنيين.
حضر الجلسة التي كانت "مظاهرة حب" بحسب تعبير النواب، اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية.
كلمات النواب كانت داعمة للجيش والقوات المسلحة، عدا التساؤل الذي حاول طرحه محمد السادات بشأن حصول المتقاعدين من القوات المسلحة الذين يعملون في وظائف مدنية على المعاش، بينما يتقاضون رواتبًا من الدولة نظير وظائفهم المدنية.
الحقيقة السادات لم يتمكن من استكمال سؤاله الموجه لممدوح شاهين، وقاطعه عبد العال بحزم وصوت عال: "مش مسموح لك مش مسموح لك"، وواصل "غير مسموح لك الكلام في هذا الأمر وعلى أي عضو يتحدث عن القوات المسلحه أن يقف احتراما وإجلالا، ولا نقبل هذا الكلام في القاعة التي ينحني أعضا[ؤ]ها إجلالا واحتراما للقوات المسلحة". وصفق الأعضاء ووقفوا ومعهم مدوح شاهين لتحية القوات المسلحة. وأضاف عبد العال: " الرسالة وصلت، ليس فقط للسيد العضو؛ ولكن لكل من يريد أن يفصل بين القوات المسلحة والمدنيين".
وأضاف عبد العال إن المحكمة الدستورية اعتبرت أن الاحتفاظ بالمعاش حق. ومنع السادات من الحديث مجددًا، وقال: "القاعه ردت عليك في رسالة لك ولكل من يرغب في فصل الشعب عن قواته المسلحة".
وعقَّب النائب محمد الحسيني: "كلنا جيش كلنا جيش، إحنا جيش عامل نفسه شعب. إحنا نايمين في البيت والجيش يدافع عننا الكلام موجه للطابور الخامس".
ولأول مرة يطرح رئيس المجلس القانون بالتصويت وقوفًا، حيث طالب الأعضاء الموافقين على مشروع القانون الذي يتكون من مادتين فقط بالوقوف، وهذه مفارقة لم تحدث من قبل، إذ يتطلب النصاب التصويت الإلكتروني، وكان عبد العال يعتمد على التصويت برفع الأيدي في عدد من القوانين، ويعتبر أن النصاب مكتملا لأن القاعة تبدو مملتئة، بينما اليوم هي المرة الأولى التي يكون التصويت فيها بالوقوف.
بعد خروج ممدوح شاهين، وبدون أية مقدمات؛ وّجه علي عبد العال رئيس مجلس النواب رسائل حادة إلى السادات وقال: "لا يجوز لأي لجنة أن تنفرد بباب كامل من الدستور. اللائحة حددت اختصاص كل لجنة، لن أقبل على الإطلاق تحت أي ضغط من الضغوط سواء اللجنة لجأت لتجميد عملها أو أي وسيلة أخرى. لن أخالف الدستور أو اللائحة ولن أقبل التحريض ولن أقبل التهييج إطلاقا بس".
وأضاف عبد العال الذي ظهر في عصبية شديدة: "هناك باب كامل اسمه الحقوق والحريات العامة، من الحق في السكن إلى كل الحقوق التي يتمتع بها الإنسان. في لجنة معينة تطلب مناقشة كل ما يتعلق بهذا الباب؟ إسكان وظيفة، سجون، عدالة انتقالية، التقاضي؟ إذن هذه اللجنة تشتغل وكل اللجان الأخرى تتفرج".
وتابع بصوت حاد "لن أقبل على الإطلاق، ولن أقبل التحريض ولا الاعتصام ولا التجميد. إذا جمدت اللجنة عملها أعرض على المجلس فورًا لاتخاذ قرار بإعادة الترشيح".
ورفع السادات يده طالبًا الكلمة فقال عبد العال: "لن أعطيك الكلمة، لن أعطيك الكلمة، وأرجو منك التوقف عن تحريض أعضاء المجلس وتجريح المؤسسات الدستورية. هل توافقون على هذه الرسالة؟ الموافق يتفضل برفع يده"، وصفق عدد من النواب فقال عبد العال "موافقة'".
واستطرد موجها حديثه للسادات "لن أعطيك الكلمة أمامك الصحافة والإعلام. لن اعطيك الكلمة، تريد تجميد اللجنة؟ جمدها! المجلس موافق على فتح الترشيح على هذه اللجنة. لقد تحملت كثيرًا ولدي الكثير. وأمسك عن الكلام فيه".
لم يتحرك السادات من مقعده ولم ينسحب رغم الموقف الذي لا يحسد عليه من قبل رئيس المجلس، وموافقة أغلبية النواب على قمعه. فيما أعطى عبد العال الكلمة للنائب مصطفى بكري الذي قال: "تعودنا منك سعة الصدر. يحكمنا اللائحة الداخلية التي تحدد عمل كل لجنة، وإذا تجاوز أحد نطبق اللائحة، ولا يصل الأمر لحد المشاكسة. لن يسمح المجلس بانهيار الأسس واللائحة والقيم الأساسية. نعرف أن المجلس مستهدف وحجم التقولات على رئيس المجلس بلغ مداه، وتقديم صورة غير صحيحة عن المجلس. أي إنسان يرتكب خطأ نطبق اللائحة".
لكن كلمات بكري بدت وكأنها صبت زيتًا على نار غضب عبدالعال الذي قال: "لا تنس ما حدث في جلسة معاشات القوات المسلحة، وهي عبارة مبطنة ويعلمها كل من درس القانون. وبالأمس رسالة مُرِّرَت وتحملتها في التحدث في الدستور وطلب مني نزول القاعة. أراد [السادات] أن يصادر حق رئيس المجلس في إيضاح بعض المسائل القانونية، وأبلغني اليوم بتجميد عمل لجنة حقوق الانسان".
وأضاف عبد العال "صدري يتسع للجميع، وأحاول قدر الإمكان التوازن. لكن لا يمكن أقبل باستمرار دعوات سفر، عندي معايير للدعوات لا يمكن أخرج عنها. في أمانة في عنقي: الحفاظ على كرامة المجلس. حق السفر مكفول للجميع. أنا ازعم أني أفسر الدستور واللائحة تفسيرًا صحيحًا. التحريض لا أقبله، أنا سمعت كلمات في الاجتماع لا أريد أن أقولها، ولكن للصبر حدود بس".