حصلت المنصة على حيثيات حكم مجلس تأديب أعضاء مجلس الدولة بعزل نائب رئيس المجلس المستشار محمود مصطفى سيد عبد الرحمن، الذي صدر على إثره القرار الجمهوري رقم 581 لسنة 2022 بعزله مطلع الشهر الجاري، بسبب انخراطه في علاقة وصفها الحكم بأنها "غير شرعية" مع امرأة تضمنت تهديدات لها بقدرته على سجنها مستخدمًا سلطاته، بالإضافة إلى تورطه في سب وقذف قاضٍ آخر حاول التوسط بينهما لحل المشكلة.
وبحسب أوراق القضية التي حملت رقم 11 لسنة 68 ق. تأديب، فقد تقدمت سيدة بشكوى إلى إدارة التفتيش القضائي ضد عبد الرحمن، تتهمه فيها بالتهرب من الاعتراف بعلاقة جمعتهما، وتهديده لها بـ"قدرته على سجنها والتنكيل بها مستخدمًا سلطاته".
وأدين عبد الرحمن بتهم عدّة هي "الخروج عن مقتضى واجبه الوظيفي" بإقامة "علاقة جنسية مع مقدمة الشكوى" التي وصفها الحكم بأنها "سيئة السلوك"، وبسب وقذف القاضي الآخر وهو "وسام. أ .أ" الذي حاول التوسط بينهما، الذي جرى التحقيق معه كمتهم آخر في القضية، وعوقب بتوجيه اللوم له، ما يعني حرمانه من رئاسة الدوائر القضائية.
ولا يُجرم القانون المصري العلاقات الجنسية التي ينخرط فيها البالغون بالتراضي خارج إطار الزواج ما لم تكن بمقابل مادي، كذلك لا يوجد في قانون مجلس الدولة أو لائحته الداخلية أو في "مدونة التقاليد القضائية لمجلس الدولة" التي أصدرها رئيس مجلس الدولة السابق المستشار محمد حسام الدين، أي نص يمنع القضاة من الانخراط في علاقات جنسية خارج إطار الزواج.
غير أن مصدرًا سبق له العمل قاضيًا في مجلس الدولة، تحدث إلى المنصة طالبًا عدم ذكر اسمه، أوضح أن إدارة التفتيش القضائي اعتادت على التعامل مع الوقائع المماثلة من منطلق ما تسميه "الحفاظ على سلوكيات القضاة والنأي بأنفسهم عن الدخول في علاقات، بالمخالفة لما يجب أن يتحلى به القاضي من البعد عن الشبهات".
ولم يخف المصدر تحفظه على طريقة التعامل تلك، مؤكدًا أن هذه العلاقات "تدخل في إطار النطاق الخاص للقاضي لا ينبغي لجهة عمل الشخص التدخل فيه، إلا إذا خرج سلوكه للعموم وأساء للوظيفة العامة".
ولكن مصدرًا قضائيًا آخر على درجة رئيس محكمة في مجلس الدولة، أوضح للمنصة أن أحكام مجلس التأديب تواترت على تفسير المادة 94 من قانون مجلس الدولة التي تحظر قيام القاضي بأي عمل لا يتفق واستقلال القضاء وكرامته، باعتبارها تحظر على القضاة الانخراط في علاقات دون زواج.
تفاصيل العزل واللوم
ووفقًا لحيثيات الحكم، فإنه عقب تهديد مقدمة الشكوى من قبل المستشار محمود مصطفى، ورفضه الزواج منها أو الاعتراف بعلاقتهما، تعرّفت مقدمة الشكوى على القاضي الآخر وسام عبر فيسبوك، وطلبت منه التدخل كوسيط لحل أزمتها مع عبد الرحمن.
مصدر قضائي مطلع في مجلس الدولة، أوضح أن صدور قرار الرئاسي بعزل عبد الرحمن في تلك القضية استغرق وقتًا أقل من المعتاد في القضايا المشابهة
واستجاب وسام لطلبها، وتواصل مع عبد الرحمن هاتفيًا وعبر واتساب، حسب الحيثيات، فحدثت بين القاضيين مشاحنات ومشادات كلامية، أقدم خلالها عبد الرحمن على سب وسام وقذفه.
وأظهرت الحيثيات أيضًا أن وسام قابل السب والقذف "بملاسنات كلامية" تضمنت طريقة وصفها الحكم بأنها "لا تليق بقضاة مجلس الدولة". ووثق الحكم توجيه وسام لعبد الرحمن عبارات من بينها "اللي له ظهر ما ينضربش على بطنه" و"أنت مريض ولازم تشوف دكتور نفسي.. أنت بتفهم ولا البعيد غبي".
وأضافت أنه عقب فقدان كل من صاحبة الشكوى المتضررة والمستشار وسام الأمل في إيجاد حل للأزمة مع عبد الرحمن، أقدما على تهديده بتقديم شكوى ضده في إدارة التفتيش الفني، ورصدت التحقيقات رسائل تهديد موجهة من وسام على واتساب.
وإزاء عدم استجابة عبد الرحمن لتهديداتهما، وجّه وسام صاحبة الشكوى إلى التوجه لإدارة التفتيش الفني بمجلس الدولة، فتقدمت بالشكوى التي صدر فيها الحكم بعزل عبد الرحمن، لكنه لم يقتصر فقط على ذلك بل اعتبر أن تدخل وسام في الأزمة يمثل "مخالفة يستحق إزاءها تطبيق عقوبة اللوم عليه".
ويترتب على توجيه "اللوم" للقاضي حرمانه من رئاسة دوائر المحاكم.
وأدان مجلس التأديب وسام بأربع مخالفات، تمثلت أولها في "الزج بنفسه في علاقة مع الشاكية وتماديه في تلك العلاقة بالمخالفة بما يجب أن يتحلى به القاضي من البعد عن الشبهات"، وأيضًا الدخول في "مشاحنات وملاسنات كلامية" مع عبد الرحمن تضمنت تهديده باللجوء إلى إدارة التفتيش الفني، و"استمرار علاقته بالسيدة الشاكية على الرغم من معرفته بسوء سلوكها" حد زعم الحيثيات.
سرعة في التنفيذ
مصدر قضائي مطلع في مجلس الدولة، أوضح للمنصة أن صدور قرار الرئاسي بعزل عبد الرحمن في تلك القضية استغرق وقتًا أقل من المعتاد في القضايا المشابهة.
وقال المصدر إن إصدار قرار العزل الرئاسي لم يستغرق سوى شهر واحد عقب صدور الحكم بالعزل، إذ صدر الحكم في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما صدر القرار الجمهوري بعزله في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم.
وأكد المصدر أن القرارات الرئاسية المشابهة بتطبيق أحكام عزل القضاة تستغرق على الأقل 3 شهور يتم فيها إرسال الحكم لوزير العدل، الذي يرسله بدوره إلى رئاسة الجمهورية لعرضه والتصديق عليه، لافتًا إلى أن دلالة هذه السرعة تشير إلى "شدة تورط القاضي المعزول في القضية ووجود مستندات ووثائق دامغة تدينه".