تتذكر الفتاة العشرينية ألفت الحسيني* المرة الأولى التي أجبرت فيها على ممارسة الجنس بعد زواجها قبل أن يتخطى عمرها 15 عامًا "لبسوني ودخلوني أوضة وقالولي عادي ما تعمليش حاجة وخليه هو يعمل اللي هو عايزه براحته".
لا زالت ألفت تعاني من آثار سلبية لتزويجها طفلة، حتى بعد طلاقها منذ 4 سنوات، تحاول التركيز على استكمال دراستها، وتفكر في الخضوع للعلاج النفسي تقول"متخيلش أني ممكن أعيش التجربة دي (الزواج) تاني لا بمزاجي ولا غصب عني".
رغم أنها تعيش حتى الآن مع عائلتها إلا أنها تخطط للاستقلال وهجر البيئة التي تعرضت فيها للأذى الذي دفع أمها إلى الانفصال عن أبيها، بسبب إجباره الابنة على هذه الزيجة.
تقول للمنصة "قادرة أتعايش مع ماما و إخواتي، بس مش بالشكل الطبيعي، أوقات كتير بحس أني مش قادره اتاقلم، رغم إن مكنش ليهم دخل أوى بالموضوع". كما تشعر بالأسى على الفتيات المقبلات على تجربة شبيهة، "كنت عايزة أحدد حياتي تبقى ماشية إزاي مكنتش عاوزه أكون مغصوبة على حاجة".
ويجرم القانون زواج من هن دون الـ18 سنة، وفقًا للمادة 31 مكرر من قانون الأحوال المدنية، غير أن "ثغرات قانونية تركت مجالًا للتحايل على القانون بالزواج المبكر بعقد غير موثق، بالإضافة إلى عدم وجود آليات للتعامل مع مشكلة إجبار الصغيرات على الزواج"، بحسب الاستراتيجية القومية للحد من الزواج المبكر 2015-2020، والصادرة عن المجلس القومي للسكان، والتي أشارت أيضًا إلى أن وجود نصوص لـ"تجريم وتغريم المتسبب في حرمان الطفل من التعليم غير مفعلة".
علاقة بالإكراه
تعود ألفت بذاكرتها، وكيف أنها لم ترد سوى حياة طالبة عادية مثل من هن في عمرها، لكن والدها أجبرها قائلًا "مش بنسأل بنات عن رأيها في الجواز"، وعندما تقدم لها عريس لم يكمل تعليمه الإعدادي ويعمل حلاقًا ويتعاطى المخدرات، وافق دون سؤالها.
قبل الزواج، لم تعرف عنه ألفت، التي تلقت تعليمًا أزهريًا، سوى أحكام النكاح من الخطبة والإشهار وغيرها. تتذكر "فضلت أول يومين مش فاهمة إيه اللي بيحصل ولما كان بيحاول كنت برفض، بس لحد ما قال لأهلي واتدخلوا".
تضيف "هي حاجة صعبة بجد..مكنتش فاهمة إيه اللي بيحصل لدرجة إنه حتى لما كان خلاص بيوصل للنشوة الجنسية مكنتش فاهمة أصلًا إيه ده، كنت بفكر إنه بيتبول عليا، مكنتش عارفة أن دي حيوانات منوية".
تؤكد ألفت أنها لم توافق على أي علاقة جنسية مع زوجها السابق "كان بالنسبة لي الموضوع على بعضه إجبار وأنا مش من حقي أوافق أو أرفض". لكن في كل مرة كانت تصرح برفضها لهذه العلاقة، يأتي رد العائلة "سيبيه يعمل اللي هو عايزه عشان ربنا ما يحاسبكيش والملايكة هتلعنك".
لا عقوبة.. لا منع
ظلت ألفت حبيسة تلك الزيجة في انتظار عيد ميلادها الثامن عشر؛ لتتمكن من إثبات الزواج أولًا حتى يمكنها الطلاق. وفي هذه الأثناء، تعرضت لضغط مستمر من أهلها بحجة أن "اللي اتكشفتي عليه أحسن من غيره، وأنتِ مش عارفة بعد كدة مين هيقبل بيكي وأنتِ مطلقة".
وألفت ليست الوحيدة، فإلى جانب تأكيدها أن كثيرات في قريتها في محافظة الدقهلية تزوجن بالطريقة نفسها، تشير ورقة سياسات القضاء على الزواج المبكر، الصادرة عن المجلس القومي للطفولة والأمومة، إلى أنه "وفقًا لبيانات 2017 من تعداد مصر، يظل زواج الأطفال قضية قائمة في مصر. فما يقرب من واحد من كل 20 فتاة (4%) في الفئة العمرية 15 - 17 سنة وواحدة من كل 10 (11%) من الفتيات المراهقات في الفئة العمرية 15-19 سنة متزوجات حاليًا، أو سبق لهن الزواج مـع وجود تباينات كبيرة بين المناطق الريفية والحضرية".
اغتصاب زوجي
تتشابه قصة ألفت مع زينب*، التي تتذكر في حديثها مع المنصة تزويجها إلى ابن خالتها "الكسيب"، وهي في الصف الثالث الإعدادي.
لم تكن زينب تعرف هي الأخرى شيئًا عن العلاقة الجنسية، وتصوراتها عن الزواج اقتصرت في أنه "الفستان الأبيض والبيت والملابس الجديدة ووضع المكياج الذي كان قمة الأحلام في سنها". وتعلق "كنت بشوفهم في التليفزيون بيبوسوا بعض بيجيبوا عيال قلت خلاص سهلة دي"، لكن ليلة الزفاف لم تمر بهذه السهولة.
تقول "بعد الفرح دخلت مكنتش فاهمة لقيتهم بيتخانقوا إن هو عايز يخش بلدي، أمي قعدت تزعق تقول ليه هي راحت ولا جت فين"، وتتابع "بعد ما هما مشيوا لقيته زي الثور والله عارفة الثور؟ ما صدق لقى فريسة"، تصف المشهد الذي لم يقتصر على الضرب والإهانة بل والاغتصاب كذلك.
فوجئت زينب برؤية رجل عار لأول مرة "كان بالنسبة لي منظر بشع قعدت أغمض في عيني وأستخبى". لكن الصياد لم يترك فريسته إلا بعد إتمام مهمته في لحظة شبهتها بالموت "كنت حاسة إني بموت كأنهم بيخطفوا روحي"، لتصاب بعد أربعة أيام بتشنج مهبلي.
ذهبت الطفلة إلى الطبيبة فنصحتها بعدم الخوف، ووصفت لها أدوية مهدئة للأعصاب حتى تسمح للزوج بالاستمرار في ممارساته العنيفة، "الدكتورة هتقول إيه لما أنا هونت على أهلي مش ههون عليها؟".
اعتاد الزوج ضرب زينب من أجل العلاقة الجنسية، ونعتها بالبرود، حتى طورت مهارات الرفض بصبغ الفوط الصحية بالبيتادين لتثبت لزوجها أن دورتها الشهرية تمنعها عنه، لكن مع تكرار الأمر طلب منها زيارة الطبيبة لإيقافها.
حظ زينب أسوأ من ألفت نظرًا لطول تجربتها "فضلت متجوزة 10 سنين شفت المر"، تذكر زينب أنها لم تجد من يدعمها في محاولات الطلاق المستمرة، فكان أبوها يضغط عليها للعودة إلى زوجها الذي كان يستغل أن زواجها غير موثق لإذلالها.
في أثناء ذلك، حاولت زينب الانتحار لشدة إحساسها بالقهر في الزيجة التي رزقت فيها بطفلين أحدهما مصاب بالتوحد، وفي النهاية حصلت على الطلاق منذ أربع سنوات، وحتى الآن لا تعرف كيف تم توثيق زواجها وطلاقها.
ترى المديرة التنفيذية لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة نجوى إبراهيم، أن تزويج القاصرات هو أحد أشكال العنف الجنسي الذي يجب أن يعاقب عليه القانون كجريمة اغتصاب، بالإضافة إلى كونه "شكل من أشكال الاتجار بالبشر".
وبرغم أن نسبة النساء اللاتي سبق وتعرضن في أي وقت لأحد أشكال العنف الجنسي من قبل الزوج الحالي/ الأخير، بلغت 5.6% في عام 2021، بحسب المسح الصحي الأخير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن القانون المصري لا يجرّم الاغتصاب الزوجي، بغض النظر عن قانونية الزواج.
حاليًا تكتفي زينب بتربية ابنيها ورعايتهما ولا ترغب في الزواج مجددًا، "قرفت كلهم مقرفين اللي هيجي ده هيكون أحسن منه في أيه كلهم زي بعض". لذلك، ترتدي خاتم زواج "فالصو" كي لا يعرف أحد أنها مطلقة، "عشان محدش يطمع فيا ويقولوا دي وحدانية".
الحب لا يكفي
بخلاف ألفت وزينب، تزوجت سمية* وهي في الخامسة عشر "عن حب"، لكن ذلك لم يمنع معاناتها، فهي التي تبلغ 24 عامًا الآن، تؤكد أن زواجها المبكر كان خطأً تتمنى ألا تقع فيه أخريات.
تقول "أنا كنت حابة أكمل تعليم بس هو مرضيش وأنا عشان بحبه سمعت كلامه". في بداية حديثها أشارت سمية إلى أن زوجها لم يمارس معها الجنس بالقوة، لكنه "أخدها بالعقل والسياسة" في أول الزواج، فتقول إنها لم ترفض العلاقة الجنسية معه.
لكن مع استمرار الحديث معها بدأت تسترسل شيئًا فشيئًا، لتعترف بأنه أحيانًا يضربها ويعنفها أثناء العلاقة، خاصة عندما يكون "متضايق أو متعصب". لكنه يهدأ ويعود إليها بكلام معسول، فتسكت وتتغاضى عن العنف الذي تتعرض له، "أومال أطلق وأروح بيت أبويا وأزعل؟"
بلهجة صعيدية أصيلة تقول "أديني جاعدة معاه لما بيجولي كلمة حلوة برضى ساعات يضرب فيا ويزج فيا وييجي بعدها بشوية يجولي كلمة حلوة يحايلني".
وتعلق نجوى إبراهيم أن موافقة الفتاة قد تأتي بعد تزيين فكرة الزواج لها من قبل الأهل وترسيخ الفكرة في عقلها، أسوة بباقي بنات القرية أو العائلة، وبالتالي فإن عدم بلوغ الفتيات لسن تكتمل فيه أهليتهن لأخذ قراراتهن بشكل واع وحر بدون إجبار يخل بتحقق شروط الموافقة الكاملة والمستنيرة.
وهو ما تتفق معه المحامية هبة عادل، التي تؤكد أن القانون لا يبيح توثيق زواج الفتاة دون الـ18 سنة، وبالتالي لا يعتد برضاها أو موافقتها على الزواج لأنها في نظر القانون لا تزال طفلة وغير كاملة الأهلية.
بالعقل
ومؤخرًا، أطلقت مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة حملة "الجواز بالعقل مش بالجسم"، بالتزامن مع طرح مقترح قانون لتجريم تزويج الطفلات داخل مجلس النواب. وتشير مديرة المؤسسة إلى وجود ثلاثة مشروعات قوانين مقدمة إلى جانب المشروع المقدم من قبل الحكومة لتجريم تزويج الطفلات.
وأثناء مناقشة القانون في البرلمان، توقف عند اللجنة التشريعية التي أرسلت إلى الأزهر لتقصي رأيه ولم يصلها رد حتى الآن.
وإذا كانت تجربة ألفت انتهت بالحصول على حريتها ومعالجة آثار تلك الزيجة، فإن سمية التي انتقلت مع زوجها من المنيا إلى القاهرة، محرومة من الخروج من المنزل إلا في أوقات محددة ولأسباب يراها زوجها مشروعة.
وتعلق على تجربتها "لحد الآن بتندم إني سبت التعليم".وتشدد من واقع تجربتها أن الفتيات يجب أن يكملن تعليمهن "مفيش أحلى من التعليم. وتضيف أن الزواج "مسؤولية كبيرة جوي" لا تتحملها الفتاة الصغيرة، حتى ولو كانت راغبة فيه، "ما يعرفوش اللي هيحصل بعد كدة".
(*) اسماء مستعارة للحفاظ على خصوصية المصادر.