عن استراتيجيات الدول العربية في التحول من الوقود الأحفوري إلى النظيف، وإن كانت خسائر التغير المناخي أكبر من مكاسب الدول النفطية؟ وغير ذلك، حاورت المنصة زينة الحاج، مديرة الحملات في منظمة 350.
ومنظمة 350 هي منظمة شبابية دولية تهتم بتغيرات المناخ، سجّلت حضورًا لافتًا في قمة COP27 التي اختتمت أعمالها هذا الأسبوع في شرم الشيخ.
وتعمل المنظمة مع المجموعات التي تُباشر مهامها في دول إفريقية وآسيوية ولاتينية، بهدف تغيير السياسات الدولية وإيقاف الدعم الذي يذهب للوقود الأحفوري.
- لماذا مجابهة الوقود الأحفوري تحديدًا؟
لأننا نراه السبب الرئيسي في ظاهرة التغيرات المناخية، بسبب الانبعاثات الكربونية الصادرة عنه التي سببت الاحتباس الحراري، وينبغي إيقاف الاعتماد عليه لحماية الأرض والحد من ظواهر التطرف المناخي.
- وكيف تنظرين إلى مفهوم التغيرات المناخية؟
حاليًا نعيش أزمة، ووفقًا للعلماء، فالقطبين الجنوبي والشمالي يشهدان ذوبان الجليد ما يتسبب في ارتفاع منسوب سطح البحر، مما قد يؤثر في التيارات البحرية، التي تؤثر بدورها في الطبيعة المناخية.
وهذا ما نشهده حاليًا من اضطرابات مناخية، فهناك ارتفاع في حدة الفيضانات، مثلما حدث في باكستان، أما التصحر وذلك أمر تعاني منه المنطقة العربية، بالإضافة إلى ندرة المياه، وتراجع نسب الغذاء، والبرودة الشديدة. تلك كلها أضرار ناجمة عن تغيُّر التيارات البحرية، وهذا حديث العلماء منذ الستينيات ولكن لم يلتفت أحد إليه سوى في التسعينيات.
- برأيك، ما الذي يمكن أن تفعله الدول العربية لمواجهة هذه التغيرات؟
مع الأسف، في الوطن العربي لا نأخذ الأمر على محمل الجد، ولا تتحرك الحكومات لتغيير سياسات الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري.
الوطن العربي ينقسم لقسمين؛ دول تنتج الوقود الأحفوري وأخرى تستهلكه، وكلاهما يتأثر بالتغيرات المناخية، إذ تنتشر مشكلة التصحر في كل دول شمال إفريقيا، ويتأثر الخليج بشكل خاص بارتفاع درجات الحرارة عن المعتاد في السنوات الأخيرة، وفي العراق ينتشر التصحر وندرة المياه.
الدول العربية جميعًا تعاني من ظاهرة التغيرات المناخية، التي تتسبب في ظواهر متطرفة مناخيًا، ورغم ذلك فالدول التي تمتلك سياسة كاملة للتحول الجزئي عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، وإحلال الوقود النظيف محلة، ليست كثيرة.
العام الماضي أعلنت السعودية عن التزامات لإيقاف الاعتماد على الوقود الأحفوري لكنها لم تتحول لسياسة، المغرب والأردن ومصر لديهم مشاريع جدية تتعلق بالتوقف عن الاعتماد الدائم على الوقود الأحفوري.
كذلك، المغرب من البلدان المتطورة، فنحو 30% من الطاقة المستخدمة داخله تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة.
وبدأت مصر قبل سنوات الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكنها ما زالت تضع خططًا لاستخراج الغاز الطبيعي. غير أن الغاز الطبيعي لا يعتبر استثمارًا للمستقبل، فالكميات المتاحة لا تساعدها على التحول لدولة نفطية.
الدولتان بالإضافة إلى الأردن بدأوا الاستثمار في الطاقة المتجددة، لكن بنسب غير كافية، فجميع الدول العربية منخفضة الاستثمار في الطاقة المتجددة، واعتمادهم الأكبر على الوقود الأحفوري، لذلك نرى أن هذه الالتزامات ليست جدية.
أما بالنسبة لدول الخليج والدول المنتجة للنفط، فليست لديهم أي سياسة مستقبلية تحمي اقتصادهم، فهم يعتمدون على النفط بشكل أساسي؛ في الوقت الحالي سعر النفط يرتفع، لكن في المستقبل سنوقف اعتمادنا على الوقود الأحفوري، وهو ما سيضر اقتصادياتها.
- هل تُصبح كلفة التغيرات المناخية أعلى من العائد الذي تُجنيه الدول العربية من أرباح صناعة النفط؟
من وجهة نظر المجتمع المدني، فإن كلفة الأضرار المناخية على الدول العربية المنتجة للنفط ستكون أعلى من العائد الذي تحققه من تصديره، لأننا نتحدث عن الأجيال المقبلة، وغذاء المستقبل.
العراق حاليًا يتحول إلى صحراء بسبب انتشار ظاهرة التصحر، وعدد من دول شمال إفريقيا تعتمد على الزراعة بصورة أساسية، وهو قطاع يشهد تراجعًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة.
الاعتماد على الاقتصاد النفطي ليس كافيًا، والأضرار التي تقع على تلك الدول من تصحر وندرة المياه والفيضانات والحرائق، ستزيد في المستقبل وتؤثر على السياحة، وهي أضرار يجب أن نبدأ في النظر إليها ولا نتنظر ووقوعها.
- لكن بعض الدول ترى أن كلفة الاستثمار في الطاقة المتجددة مرتفعة، فما تعليقك؟
الحديث عن أن كلفة الاستثمار في الطاقة المتجددة مرتفعة هو أكبر كذبة، لأنه حتى الآن شركات الوقود الأحفوري تحصل على أموال المواطنين.
وهناك دراسة أجريت على مجموعة العشرين، كشفت أن هناك 55 مليار دولار من الأموال العامة ذهبت لدعم الوقود الأحفوري خلال السنوات الثلاثة السابقة فقط، بينما 29 مليارًا فقط ذهبت لدعم الطاقة المتجددة، أي نصف ما تستهلكه صناعة الوقود الأحفوري.
لإقامة مشروعات الوقود الأحفوري تجمع الدول أموالًا من المواطنين، وفي النهاية يتسبب ذلك في ضرر كبير للسكان في شتى بقاع الأرض، ويظل البشر يعانون، فكيف نمول شيئًا يسبب لنا ضررًا عند استخدامه؟
- وكيف تُدعم شركات إنتاج الوقود الأحفوري؟
الدعم يكون من خلال عدة أشكال مثل الإعفاءات الضريبية، ومنحهم استثمارات من الأموال العامة. شركات النفط في العالم العربي شركات مملوكة للدولة، ما يعني أن الدعم مصدره أموال المواطن؛ الضرائب التي ندفعها كمواطنين تذهب لشركات النفط، التي تخطت أرباحها مجمعة هذا العام 3 تريليونات دولار.
الحكومة لا تجبر شركات الوقود الأحفوري على دفع ضرائب، إذا أجبرتهم على دفع ضرائب عن هذا العام فقط بنسبة 10%، ستحصل الحكومات على 300 مليار دولار يمكن استخدامها في تعويض الخسائر والأضرار الناتجة عن الكوارث المناخية.
- لماذا لا تُلزَم شركات النفط بدفع ضرائب؟
الأنظمة العالمية ما زالت معتمدة على النفط، وهو ناتج عن نفوذ شركات النفط، فميزانيات تلك الشركات أعلى من ميزانيات دول، وأرباحهم ضخمة كما أشرت. يجب إخضاعهم للضرائب ووقف دعمهم، وهذا حديث يجب أن نخوضه.
- من أين إذًا يبدأ التغير في الوطن العربي؟
يبدأ من سياسات الدول، والسماح لأصحاب الرأي المختلف أن يعبروا عنه، يجب إفساح الطريق للمجتمع المدني والنشطاء والعلماء، يجب أن نتحرك لإنقاذ مستقبل الكوكب.
- وهل للبرلمان دور في مواجهة التغيرات المناخية؟
برلمانات الدول العربية لا تعمل، قليل من البرلمانات التي تتناول التغيرات المتاخية وتأخذ ذلك الأمر بشكل جاد، فجميعهم مشغولون بالأوضاع الاقتصادية وحقوق الإنسان.
- ما رأيك في استراتيجيات الدول العربية لمواجهة أزمة تغير المناخ؟
لا توجد استراتيجيات، هناك دول وضعت استثمارات لتغيير سياستها في مجال الطاقة، وأخرى لم تفعل شيئًا، وثالثة مستمرة في سياستها حول الاعتماد الكلي على الوقود الأحفوري من خلال تصديره، وهذا قتل للاقتصاد.
الدولة العربية الوحيدة التي لا تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كلي هي الإمارات، لأنهم حولوا اقتصادهم منذ 20 عامًا للاعتماد على السياحة والخدمات، أما باقي الدول العربية المُنتجة والمصدّرة للنفط لا تمتلك تلك السياسة، العراق مثلًا 80% من اقتصاده قائم على تصدير النفط، وهو من أكثر البلدان المتأثرة بتغير المناخ بالتصحر وشح المياه.
- ما رأيك في حديث الرئيس الإسرائيلي حول استغلال الطاقة الشمسية في الدول العربية وإعادة تصديرها للدول الأوروبية؟
على كل دولة أن تستغل الطاقة المتجددة لتغطية احتياجاتها أولًا، قبل الحديث عن تصديرها للخارج. المنطقة العربية لديها إمكانات كبيرة لاستعمال الطاقة المتجددة سواء الهوائية أو الشمسية التي يمكن تحويلها لهيدروجين، تلك إمكانات كبيرة غير مستغلة ولا نفكر في استخدامها وتصدير الفائض منها، يمكن تصديرها للمناطق المحيطة في إفريقيا وأوروبا.