ينتظرنا شهر ساخن بداية من اليوم، 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، عندما تجري انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي بمجلسيه؛ الشيوخ والنواب، التي ستحدد مصير إدارة الرئيس جو بايدن خلال العامين المتبقيين من ولايته، وربما قراره بالترشح لولاية ثانية في 2024، غالبًا في مواجهة خصمه اللدود الصاخب دونالد ترامب، الذي يصر أنصاره حتى الآن أنه لم يخسر المنافسة في 2020، بل زُوِّرت النتيجة.
داخليًا، يخشى المسؤولون عن الأجهزة الأمنية مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي من تصاعد العنف السياسي بعد إعلان النتيجة، في ظل الاستقطاب الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذي بلغت حد تحذير بايدن، والرئيس الأسبق باراك أوباما، بأن الديمقراطية الأمريكية برمتها في خطر لو تمكن أنصار ترامب من السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب.
معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أن نتيجة الانتخابات ستتبع النهج المعتاد في كل انتخابات تجديد نصفي سابقة للكونجرس: حزب الرئيس الذي يشغل البيت الأبيض غالبًا ما يخسر، إما لتوجه الناخبين إلى الحد من نفوذ الرئيس، أو بسبب عدم الرضا عن أدائه.
التراجع الواضح في شعبية بايدن دفعه إلى عدم المشاركة في العديد من الحملات الانتخابية لصالح مرشحي الحزب الديمقراطي
حدث هذا مع كل الرؤساء الأمريكيين تقريبًا. وفي هذا السياق، تشير استطلاعات الرأي أن الحزب الديمقراطي سيخسر انتخابات مجلس النواب، بينما سيبقى مصير مجلس الشيوخ متأرجحًا.
مجلس الشيوخ منقسم حاليًا بالتساوي بين الحزبين، خمسون نائبًا لكل حزب، وتصوِّت نائبة الرئيس كمالا هاريس مع حزبها الديمقراطي لترجح الأصوات.
ولكن إذا حصل الجمهوريون على الغالبية في مجلس النواب، وفازوا كذلك بمجلس الشيوخ فإن بايدن سيتحول عمليًا لبطة عرجاء على مدى عامين كاملين، وذلك في حال تمكنه من إتمام فترته الرئاسية الحالية، في ضوء التقارير المتزايدة عن تراجع حالته الصحية وتزايد هفواته أمام وسائل الإعلام وتقدمه في العمر.
ورغم الاعتراضات التي يثيرها ترامب بسبب مواقفه وآراءه، فإن أحدًا لا ينكر قدرته الفائقة على السخرية وإطلاق الصفات المضحكة على منافسيه ومنتقديه، ومنهم بايدن الذي التصق به وصف ترامب "بايدن النعسان/sleepy Biden".
كما دفع التراجع الواضح في شعبية بايدن إلى عدم مشاركته في العديد من الحملات الانتخابية لمرشحي الحزب الديمقراطي، وحل محله الرئيسين الأسبقين أوباما وبيل كلينتون لما لهما من مهارات خطابية تحفز الناخبين الشباب، إلى جانب علاقتهما الجيدة مع الأقليات وتحديدًا الأمريكيين السود والمنحدرين من أصول لاتينية.
ولكنَّ الخطر الذي تحذر منه الأجهزة الأمنية هو احتمالات تصاعد العنف السياسي في الشارع حال خسارة الجمهوريين لمقاعد حاسمة في عدة ولايات، خاصة بعد تلميح مرشحي الحزب أنهم سيتبعون نهج قائدهم ترامب في رفض نتيجة الانتخابات.
وعند تصنيف الديمقراطيين للمرشحين المنافسين من الجمهوريين، اكتشفوا أن غالبيتهم ينتمون لمن يوصفوا الآن بـ election deniers/ناكري نتيجة انتخابات 2020.
ترك اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونجرس في 6 يناير / كانون الثاني 2021 لمنع النواب من التصديق على فوز بايدن بانتخابات الرئاسة جرحًا غائرًا في الذاكرة الأمريكية، وهو سيناريو يمكن تكراره بسهولة، في بلد يموت فيه سنويًا 45 ألف مواطن في حوادث إطلاق نار بسبب حرية حمل السلاح وسهولة الحصول عليه.
وبينما يصف الديمقراطيون محاولة الاقتحام بالشغب والعنف السياسي، يراه جمهوريون "احتجاجًا مشروعًا".
قلق من تصاعد العنف
كشف استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست وتليفزيون ABC أن نحو 88% من الأمريكيين من كلا الحزبين قلقون من احتمال تصاعد العنف السياسي عقب إعلان نتيجة انتخابات التجديد النصفي اليوم، بينما أشار 63% إلى أنهم "قلقون للغاية".
وزادت هذه المخاوف بعد حادثة الاعتداء على زوج رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في منزلهما بولاية كاليفورنيا، من شخص قال المحققون أنه يميني متطرف من أنصار ترامب وتمتلئ حساباته على السوشيال ميديا بآراء تدعم تفوق العرق الأبيض ورفض المهاجرين والملونين، والتأكيد على أن هوية أمريكا الحقيقية؛ قومية مسيحية.
من ينتظر النتيجة؟
وكما أن لنتيجة انتخابات التجديد النصفي تأثير هام على الداخل الأمريكي ومستقبل الديمقراطية والتعايش، في بلد كان يوصف بأنه الوعاء الذي تمتزج فيه كل العرقيات والألوان، فإن مناطق أخرى عدة من العالم تترقب نتيجة الانتخابات، على رأسها روسيا في إطار حربها مع أوكرانيا، وكذلك الصين التي تتصاعد مواجهتها تدريجيًا مع إدارة بايدن، ونحن طبعًا في الشرق الأوسط.
وفي ضوء تصاعد تكلفة حرب أوكرانيا وتراجع أداء الاقتصاد الأمريكي وشكوى المواطنين من التضخم، قد لا يكون الجمهوريين بنفس الحماس لتمويل الحرب، وقد يسعون للتوصل لحل دبلوماسي، على عكس الإدارة الحالية التي تضع الحرب ضد روسيا في إطار معركة أوسع لتحديد مستقبل قواعد إدارة العالم ورفض توسع الهيمنة الروسية على جمهورياتها السابقة في زمن الاتحاد السوفيتي، بل وحتى دول ما كان يعرف بحلف وارسو في أوروبا الشرقية.
أما ترامب فهو معروف بعلاقته الشخصية القوية مع الرئيس الروسي بوتين، ويتهم الديمقراطيون موسكو أنها قدمت له المساعدة لكي يفوز بانتخابات 2016 أمام هيلاري كلينتون.
القيادة السياسية في مصر لا تحمل الكثير من الود لإدارة بايدن
ولا تُخفي السعودية، التي دخل ولي عهدها وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان في مواجهة مباشرة مع بايدن قبل أسابيع قليلة بقراره خفض إنتاج النفط بمعدل غير مسبوق، تطلعها لخسارة الديمقراطيين والتخلص من اتهاماتهم لابن سلمان بقتل معارضيه، وشن حرب عبثية في اليمن.
وكذلك الحال بالنسبة للرئيس الإماراتي محمد بن زايد الذي رفضت واشنطن استقباله في البيت الأبيض، وبن سلمان ولي العهد السعودي. وكان الوحيد بين قادة دول الخليج الذي تم استقباله بحفاوة في واشنطن هو أمير قطر تميم بن حمد، العدو اللدود للإمارات.
وفي ضوء التحالف مع السعودية والإمارات، لا تحمل القيادة السياسية في مصر الكثير من الود لإدارة بايدن، التي تواصل إثارة ملف حقوق الإنسان واستقطاع مبالغ من المعونة العسكرية السنوية بحجة تدهور سجل مصر في هذا الملف.
بينما كان ترامب يتمتع بعلاقة شخصية قوية مع الرئيس السيسي، وكثيرًا ما أثنى عليه ورفض التدخل في الشأن الداخلي المصري، ودعم موقف القاهرة في نزاعها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة.
إيران بدورها تتطلع لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس، لكي تحدد اذا ما كانت ستمضي قدمًا في محادثاتها مع واشنطن بشأن إحياء الاتفاق النووي الذي توصل له أوباما في 2015، ثم انسحب منه ترامب في 2018، إرضاءً لحلفائه المقربين في إسرائيل والسعودية والإمارات.
ومن المعروف أن أحد الهواجس الرئيسية لطهران هو التزام أي إدارة أمريكية مقبلة بأي اتفاق قد يتم التوصل له مع بايدن، خاصة بعد تجربة ترامب. ولو خسر الديمقراطيون في انتخابات اليوم، قد يتجه المؤشر بوضوح نحو خسارة أكبر في انتخابات 2024 للرئاسة، وبالتالي قد لا يكون مجديًا التوصل لأي اتفاق جديد مع الغرب.
أما في مصر، فلدينا أسبابنا الخاصة للقلق من نوفمبر الساخن في ضوء تضخيم الأجهزة الأمنية من خطر احتجاجات يوم الجمعة 11/11، والتي يروج لها أنصار جماعة الإخوان بشكل رئيسي.
غالبًا لن يحدث شيء في 11/11، وسيمضي كما أيام أخرى عديدة تحمل رقمًا مميزًا، وسيكون الضحايا عشرات أو مئات المواطنين الذين يتم القبض عليهم عشوائيًا أو بعد مصادرة هواتفهم المحمولة، في إطار إجراءات احترازية تقوم بها أجهزة الأمن منذ مطلع الشهر الحالي.
ولكن مشاكلنا الاقتصادية الحادة ستتجاوز بالتأكيد نوفمبر وديسمبر، وما يتطلع له المواطنون هو إجراءات تخفف من وطأة غلاء الأسعار والتضخم الحاد، كيلا نصبح دائمًا عرضة لهذه الحالة من التوتر المفرط وغير المبرر كلما تحركت دعوة للتظاهر بسبب ظروف المعيشة الصعبة.