"تصفية النصر لفحم الكوك"، العنوان الذي فرض نفسه في اﻷيام اﻷخيرة على المواقع الصحفية وبعض النشرات الإليكترونية، استنادًا إلى عمر المنشأة الذي يرجع تأسيسها إلى ستينيات القرن العشرين؛ فضلًا عن الغموض الذي غلفت به الجهات المسؤولة موقفها من "صفقة التصفية".
وكانت الجمعية العامة غير العادية، لشركة النصر لصناعة الكوك، قررت تصفية أعمال الشركة، بعد نحو 62 عامًا من تأسيسها، لتلحق بشركات الحديد والصلب بحلوان، والقومية للأسمنت، والمصرية للملاحة التي جرت تصفيتها العام الماضي.
وبينما برّرت وزارة قطاع الأعمال تصفية الشركة بأن عميلها الرئيسي؛ شركة الحديد والصلب في حلوان جرت تصفيتها خلال العام الماضي، دافع رئيس شركة النصر لفحم الكوك السيد الطيب، في لقاء تليفزيوني في يونيو/ حزيران الماضي، عن إمكانية إحياء دور الشركة من خلال التعامل مع شركات الحديد والمسابك من القطاع الخاص.
تراجع الدور
الشركة التي تأسست عام 1960، تضم 4 مصانع، وهي مصنع الكوك والأقسام الكيماوية، ومصنع تقطير القطران، ومصنع النترات، والوحدة متعددة الأغراض. وتنتج الشركة فحم الكوك بأحجامه المختلفة المستخدم في تشغيل الأفران العالية لإنتاج الصلب بالإضافة إلى البنزول، وكبريتات الأمونيوم، والنترات، والنيتروجين.
في مصانع الصهر، وهي الوحدات الموجودة في مصانع حديد التسليح الكبرى والمسؤولة عن صهر الخردة والحديد المختزل، كمرحلة من مراحل التصنيع الأساسية في تلك الشركات، تعتمد على فحم الكوك الذي جرت معالجته بطريقة "التكويك" التي كانت تنفذها الشركة المصفّاة "النصر".
ويوضح عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات المعدنية ومالك أحد مصانع المنتجات الحديدية، أحمد رضوان، أن فحم الكوك يعد ضروريًا لضبط نسبة الكربون في الحديد ومنتجاته.
ويقول المدير التنفيذي لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات محمد حنفي، إن مصانع الصهر في القطاع الخاص كانت تعتمد بالفعل على منتجات شركة النصر، لكن الشركة لم تكن لتستمر اعتمادا على هذه المصانع، لأن احتياجها من فحم الكوك محدودًا للغاية، "الشركة كانت تورّد نحو 95% من إنتاجها إلى شركة الحديد والصلب والنسبة المتبقية إلى المصانع الخاصة".
وكان إنتاج شركة النصر، المنشأة في 1964، موجه بالأساس لخدمة شركة الحديد والصلب في حلوان التي كانت تعمل بتكنولوجيا قديمة لتشغيل أفران صناعة الحديد تعتمد على الفحم بصورة رئيسية.
ويضيف حنفي "طاقة الخلية أو البطارية الواحدة من أفران التكويك، في مصنع شركة الكوك، تنتج أكثر من 10 أمثال احتياجات السوق المحلي من فحم الكوك في الوقت الراهن".
لكن حنفي لا ينكر أن ثمة تغييرًا طرأ على السوق بعد تصفية شركة النصر للكوك، وساهم غيابها في اعتماد مصانع الصهر الخاصة على استيراد الفحم من الخارج.
بجانب مصانع الصهر، ركز السيد الطيب في لقائه التلفزيوني على إمكانية تعويض نقص استهلاك فحم الكوك الناتج عن تصفية شركة الحديد والصلب، من خلال الاعتماد على عمليات أخرى من الصناعات المعدنية في القطاع الخاص مثل المسابك.
لكن رئيس شعبة المسابك بغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات عمر عبد العزيز، يرى أن احتياج المسابك لفحم الكوك في الوقت الراهن يعد محدودًا للغاية بالنظر إلى أن معظم مصانع القطاع تستخدم الكهرباء في تشغيل الأفران، بينما كانت تستخدم المصانع التقليدية فحم الكوك سابقًا.
ويتفق معه رئيس شركة للسباكة وتشغيل المعادن أحمد البيلي "لم نعد نستخدم فحم الكوك في تشغيل الأفران، الآن يستخدمه فقط عدد محدود من المصانع في الأرياف وبعض المناطق المحدودة".
وساهم في تراجع استخدام مصانع المسبوكات لفحم الكوك ضغوط وزارة البيئة لاستخدام الكهرباء بدلًا من الفحم بسبب أضراره البيئية.
البحث عن بدائل
في مقابل الآراء السابقة، يقول آخرون في مجال صناعة المسابك إن فحم شركة النصر كان ضروريًا بالنسبة لصناعتهم، وأصبحوا بعد إغلاقها مضطرين للبحث عن بدائل أخرى محلية من الفحم.
ويقدر فارس الطاروطي، مالك أحد المسابك، إن 65% من المسابك تستخدم فحم الكوك وبدائله لتشغيل الأفران الخاصة بها، فيما يستخدم الكهرباء حوالي 25% من المصانع، و10% يستخدمون بعض أنواع الزيوت.
ويشرح الطاروطي أهمية فحم الكوك للمسابك "هذا النوع من الفحم يعد عنصرًا أساسيًا لتشغيل الأفران. نضع الفحم على جانبيّ الفرن ونشعله مع تشغيل موتور 25 حصانًا كي تصل درجة الحرارة إلى 1600 درجة، وأقوم بذلك كل يومين".
وبحسب صاحب مسبك معادن بمنطقة بولاق أبو العلا يوسف بركات، فإن معظم الأفران التي تعمل بفحم الكوك تقع في مناطق عكرشة والكوم الأحمر وسقيل بالقاهرة.
ومن واقع عمله كمالك لأحد المسابك بالكوم الأحمر، يقول محمد مرسي، إن 4 مسابك فقط بالمنطقة تعمل بالكهرباء، بينما البقية تعتمد على فحم شركة النصر قبل أن تتوقف الشركة العامة عن إنتاجها مؤخرًا.
وأمام انتشار المسابك التي تعمل بالفحم كانت هذه المنشآت تحت ضغط البحث عن بديل لشركة "النصر"، واحدة من هذه البدائل من القطاع العام أيضًا. يقول فارس الطاروطي إن توقف شركة النصر عن الإنتاج دفعه للاعتماد على الفحم الحجري أو الفرش الكربونية التي توفرها شركة مصر للألومنيوم، وهي خامات ناتجة عن الكسر أو الهالك من عملية تصنيع الألومنيوم، وتتجه الشركة للاستفادة من عملية بيعها لبعض الصناعات.
أي زيادة في استيراد الفحم تنتج عن تصفية "النصر" ستمثل ضغوطًا إضافية على الاقتصاد
أنتَ أولى بالدولار
يتضح من الآراء السابقة للعاملين في الصناعات المعدنية وجود تضارب في التقديرات حول مدى اعتمادية القطاع الخاص على منتجات شركة النصر لفحم الكوك، وتأثير غيابها الذي يتفاوت بين البحث عن منتجات محلية أو الاعتماد على فحم مستورد، وهو ما يؤكد أهمية أن تجري عملية تصفية كيان بهذا الحجم بصورة أكثر شفافية لإطلاع الرأي العام على تقديرات واضحة بشأن دورها في الاقتصاد المحلي.
رضوان عضو غرفة الصناعات المعدنية يقول إن "الحكومة والقطاع الخاص مطالبان بأن يستثمران في إنتاج الخامات، خاصةً وأن لدى مصر ثروة معدنية يجب أن نستفيد منها بدلًا من تصديرها واستيرادها في صورة منتجات أخرى، أي دولار تقدر توفّره أنت أولى به".
إذًا تعاني البلاد من ضغوط ضعف التدفقات الدولارية، وأي زيادة في استيراد الفحم تنتج عن تصفية "النصر" ستمثل ضغوطًا إضافية على الاقتصاد.