قطع كثير من أعضاء مجلس النواب إجازتهم وعادوا إلى القاهرة، بعد تلقيهم ليل أمس الجمعة استدعاءً لجلسة طارئة "لمناقشة أمر عاجل" ظهر اليوم السبت.
الجلسة التي انعقدت منذ قليل، انتهت إلى الموافقة على تعديل وزاري يشمل 13 حقيبة في حكومة مصطفى مدبولي، الذي احتفظ بمقعده رئيسًا لمجلس الوزراء.
ولكن بين تلقي الاستدعاء المباغت من الأمين العام للمجلس أحمد مناع مساء أمس، وتمرير التعديل الوزاري سريعًا في جلسة لم تستمر لأكثر من 15 دقيقة، الكثير من التفاصيل والتساؤلات التي طُرحت خلف الكواليس، في ظل غموض وتغييب شبه تام للمعلومات حتى عن ممثلي الشعب.
ليلة الجلسة الطارئة
لم توضح الدعوة التي تلقاها أعضاء مجلس النواب ليل الجمعة جدول أعمال الجلسة الطارئة التي يدعون إليها أو السبب العاجل الذي يستدعي عقدها بعد انتهاء دور الانعقاد التشريعي وبداية إجازة المجلس.
ومع غياب جدول لأعمال الجلسة في الدعوى، بدأت جولة من الاتصالات المتبادلة بين النواب والصحفيين والمسؤولين، لمحاولة استقصاء طبيعة الأمر الطارئ العاجل.
تزامنت الدعوة التي وصلت مساء الجمعة مع إعلان إثيوبيا الانتهاء من الملء الثالث لسد النهضة، وهو المرحلة الثالثة التي بدأتها إثيوبيا دون الالتفات لشكوى مصر ودون الوصول لاتفاق يؤمن حصص مياه مصر والسودان.
وفتح تجهيل جدول أعمال الجلسة العامة الباب على مصراعيه للتكهنات وبحث الصحفيين وأعضاء مجلس النواب أنفسهم عن أسباب انعقاد الجلسة الطارئة في هذا التوقيت.
ليلة "الهبد العظيم"
عاش الصحفيون والنواب، ليلة مرتبكة من ليالي "الهبد العظيم" التي تتكرر مع غياب تام للمعلومات، والبحث عن معلومة قابلة للنشر.
كتب إعلامي ورئيس تحرير مجلة قومية في حسابه على فيسبوك "مسافة السكة" ووضع بجانبها علم مصر، بينما نشر أحد رؤساء تحرير المواقع الصحفية خبر الدعوة للجلسة الطارئة ووضع علامة النصر وبجوارها علم مصر، وهو المنشور الذي حذفه فيما بعد، مؤكدًا أن السبب تعديل وزاري.
لكن الحقيقة أن الأمر كان واضحًا منذ بداية الدعوة لدى بعض قيادات حزب مستقبل وطن، الموالي للحكومة وصاحب الأغلبية البرلمانية، مؤكدًا أن السبب مجرد "تعديل وزاري"، لكن ذلك لم يحسم الجدل الذي استمر لفترة خصوصًا مع إقحام إثيوبيا من قبل أخبار، وتعليقات من رؤساء مواقع وصحف، يفهم منها ضمنًا أن أمرًا جللًا على وشك الحدوث.
قضى الصحفيون ليلتهم وحتى ظهر السبت يكتبون أخبارًا متضاربة بشأن عدد الوزارات محل التعديل الوزاري، واشترك في حالة الترقب الأسر وخصوصًا الأمهات المتضررات من وجود وزير التربية والتعليم، طارق شوقي، وانتظرت "جروبات الماميز" خبر رحيله وكان لا يتوانى خوض معارك إلكترونية معهن على فيسبوك، معارك لم تخلُ من السخرية منهن وتحميلهن مسؤولية فشل أبنائهم.
"تان" و"كوتشي" تحت القبة
عودة النواب لمقر المجلس صباح اليوم جاء معظمها على عجل من القرى السياحية التي يقضون فيها إجازاتهم في الساحل الشمالي، كانت آثار "التان" واسمرار البشرة واضحةً على غالبية النواب، الذين تحدثوا في طرقات المجلس ضاحكين عن الاستدعاء الذي قطع الإجازة، ولجنة الساحل الشمالي المزدحمة بالزملاء في سياراتهم أمس وصباح اليوم.
بعض النواب الذين وصلوا صباح اليوم، لم يتمكن من المرور على المنزل لارتداء الملابس الرسمية كاملة تحت القبة، فحضروا بأحذية رياضية للمرة الأولى في مجلس النواب.
ظل جدول أعمال الجلسة مبهمًا حتى قبيل دقائق من انعقادها، بل إن بعض النواب رجح حدوث مفاجأة والحديث عن إثيوبيا بجانب نظر التعديل الوزراي، وهو ما استبعده نواب آخرون.
ولكن قبل دقائق من بداية الجلسة تأكد أعضاء في المجلس من وجود اسم زميلهم أحمد سمير رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في التعديل، مرشحًا لمقعد وزير التجارة والصناعة، خلفًا لنيفين جامع، مع استمرار "الهبد" بشأن أسماء أخرى لم تدرج ضمن التعديل الرسمي الذي تم الكشف عنه في الجلسة العامة لاحقًا.
لماذا الآن؟
كان السؤال بشأن توقيت التعديل الوزاري ملحًا خلال ليلة أمس، وأكد مصدر برلماني في تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أن التعديل الوزاري كان من المفتر ض إجراءه منذ عدة أشهر وتم تأجيله، بينما كان من المتوقع إجراءه قبيل انتهاء دور الانعقاد الثاني في يوليو/ تموز الماضي.
وأوضح المصدر أن التعديل محاولة لامتصاص الغضب والقلق الشعبي بشأن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها المواطنون خلال الأشهر الأخيرة، والتي بات أثرها واضحًا ومسموعًا لدى الجميع، سواء في البرلمان أو السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية.
وأكد مصدر برلماني في تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أن وزيرة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج، نبيلة مكرم، التي كتبت منشورًا عبر صفحتها تكشف عن رحيلها عن الوزارة صباح اليوم؛ كانت قد تقدمت باستقالتها رسميًا في أبريل/ نيسان الماضي بعد تورط نجلها في قضية قتل في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما لفت إلى أن الاستقالة رفضت حينها.
وأكد المصدر أن تغيير وزير التربية والتعليم طارق شوقي، جاء لتهدئة المواطنين أيضًا وامتصاص الغضب تجاهه، بينما شدد على أن رضا حجازي الوزير الجديد الذي كان يشغل منصب نائب وزير التربية والتعليم لشؤون المعلمين سيستمر في تطبيق سياسات التعليم ومنظومته الجديدة التي تتبناها الدولة.
ويعالج التعديل الذي وافق عليه النواب اليوم حالة الفراغ في منصب وزير الصحة، بعد "الإجازة المرضية" التي طلبتها وزيرة الصحة السابقة هالة زايد، عقب تورط قيادات في وزارتها وطليقها في قضية فساد، ليحل محلها رسميًا وزير التعليم العالي، خالد عبد الغفار الذي تولى مهمة إدارة وزارة الصحة عقب إبعاد زايد، ليكون أول طبيب أسنان يتولى قيادة الوزارة.
تصفيق وغضب بعد الإعلان خلال الجلسة العامة التي بدأت في الثانية عشرة ظهرًا، كان اسم رضا حجازي، المرشح لوزارة التعليم، الاسم الأول في كشف الوزراء الذي يتلوه مذيع الجلسات، ليصفق بعدها أعضاء مجلس النواب، مؤكدين موافقتهم على حجازي، ورحيل شوقي، وتلاه في الترتيب الإعلان عن اسم وزير الري ثم وزير التعليم العالي، وبدأ النواب في التصفيق بعد كل اسم، وتوقفوا عن ذلك بعد توجيه رئيس المجلس حنفي جبالي الذي أوضح أن التصويت على القرار كله وليس اسمًا اسمًا.
قطع النواب تلاوة الأسماء عقب سماع اسم زميلهم، النائب أحمد سمير وزيرًا للتجارة والصناعة، واستمروا في التصفيق له مدة تكاد تصل لنصف دقيقة. وبعد الانتهاء من الموافقة بأغلبية تجاوزت الثلثين على التعديل، وجه سمير كلمة للنواب، ضاحكًا "بالراحة عليا"، إذ ينتقل سمير من مقعده البرلماني لمقعد الوزير الذي سيكون محل مساءلة أمام المجلس لاحقًا بعد أداء اليمين الدستوري.
وبعد انتهاء الجلسة التي استمرت دقائق، بدأ أعضاء مجلس النواب من المعارضة في الإعلان عن موقفهم من التعديلات الذي أجمعوا على وصفه بـ "المخيب للآمال" بحسب رئيس حزب العدل، عبد المنعم إمام، ونواب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذين أكدوا أن هذه التعديلات مجرد تغيير في الأشخاص ولن تمتد للسياسات التي يعاني منها المواطنون.
الغريب أن هذه التعديلات لم تلق رضا عدد كبير من أعضاء حزب مستقبل وطن، وأعضاء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، واعتبرها عدد منهم في أحاديث جانبية مجرد تغييرات شكلية، لكن في الوقت نفسه رحب عدد كبير منهم بتغيير وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، الذي يلقبه عدد من النواب بـ "وزير غلق قطاع الأعمال"، وأوضح أحد النواب من التنسيقية أن تغيير وزير السياحة والأثار وتعيين الرئيس التنفيذي لقطاع التجارة والتجزئة المصرفية بالبنك التجاري الدولي، أحمد عيسى طه، اتجاه نحو العمل على الاستثمار في مجال السياحة والآثار وتشغيل هذا القطاع بأسلوب "البيزنس".
أنهت الجلسة العامة "الهبد" والتكهنات، بإعلان الأسماء والموافقة عليها، ليبدأ بعدها كل وزير في ممارسة مهامه بعد أداء اليمين الدستوري، لكن على الأغلب "دون جديد" أو تغيير حقيقي يذكر في السياسات التي تؤثر بشكل أساسي على المواطنين.