برخصة المشاع الإبداعي- فليكر- Michael Geiler
بيب جوارديولا

أزمة المهاجم في مانشستر سيتي.. إعادة اختراع العجلة

منشور الاثنين 23 يناير 2023

في مارس/ آذار 2021؛ أعلن نادي مانشستر سيتي رسميًا أنه الموسم الأخير لهداف الفريق التاريخي سيرجيو أجويرو رفقة الأزرق السماوي، ليدخل النادي بعدها في خضم أزمة تخص كينونة اللاعب الذي سيعوض موهبة بحجم أجويرو، خاصةً مع تذبذب مستوى جابرييل خيسوس وعدم الاعتماد عليه كليةً من طرف مدربه بيب جوارديولا.

بعدها بتسعة أشهر؛ أعلن نادي برشلونة عن ضم مهاجم فريق السيتيزينس فيران توريس بعقد لخمسة أعوام، لتزيد الشكوك حول وضع مانشستر سيتي فيما يخص مركز المهاجم؛ فلم يبق إلا خيسوس مع وجود محاولات من طرف جوارديولا لإدخال رحيم ستيرلينج إلى هذا المركز لم تفلح كثيرًا.

في يوليو/ تموز الماضي؛ المان سيتي يعلن ضم المهاجم الأرجنتيني والملقب بـ"أجويرو الجديد" جوليان ألفاريز، بعدها يتعاقد مع الموهبة الشابة الأكثر شهرة في العالم إيرلينج هالاند، قبل أن يتخلص من خيسوس وستيرلنج معًا وفي طائرة واحدة متجهة إلى لندن. 

سنة وثلاثة أشهر ظل فيهم جوارديولا يبحث عن حل لأزمة انتهت بأسلوب أبسط كثيرًا من طريقته في التفكير، ومع ترتيب الأحداث قد نسأل: لماذا نجنح إلى المبتكر رغم أن الحل يوجد بسيطًا وواضحًا أمام أعيننا؟

!Over thinking

في فترة الانتقالات الصيفية 2021، لاحت المناوشات بين مانشستر سيتي وتوتنهام حول إمكانية ضم المهاجم الإنجليزي هاري كين من توتنهام، وهو ما لم يحدث، وفوجئت الجماهير بضم  مانشستر سيتي لجاك جريليش مهاجم نادي أستون فيلا بمبلغ 100 مليون يورو، اﻷمر الذي لم يبدُ مفهومًا لدى كثير من المتابعين وأن فائدة الصفقة تماد تكون معدومة، خاصة وأن "تفوق جريليش من خلال الإحصائيات سواء كان في التمرير أو الاختراقات أو التمريرات الكاسرة للخطوط أو حتى المراوغات داخل منطقة الجزاء تقارب إحصائيات لاعب الفريق كيفن دي بروين".

ومع حاجة الفريق لمهاجم صريح، ظل متماسكًا وبقوة ضاربة تحقق الدوري الإنجليزي للموسم الثاني على التوالي والرابع في آخر خمس سنوات، وإن لم يفز بدوري الأبطال حتى الآن، بخروجه من البطولة خالي الوفاض وبسيناريو يشبه سيناريوهات السنوات السابقة، عبر إضاعة الفرص ووضع الخطط غير المرتبة بشكل جيد.

مهاجم وهمي

بعد فترةٍ قصيرة من بدء الموسم اقتنع بيب أن الفريق لا يمكنه التحسن دون وجود مهاجم، فارتكن على فكرةٍ طبقها كثيرًا رفقة برشلونة ومانشستر سيتي ألا وهي المهاجم الوهمي؛ خروج اللاعب ببساطة من مربع العمليات إلى خط الوسط يعطي أفضلية عددية للاعبي السيتي في مناطق التحضير ويعمل على خلق المساحات للاعب المنطلق خلف خطوط الخصم، يبدو حلًا منطقيًا وطبقه بيب مرارًا. لكن لماذا لم يستطع بيب الاستناد على هذه الفكرة بشكل كامل في السيتي؟

 في تقرير نشرته مجلة The Athletic تحدث الصحفي سام لي عن كيفية علاج بيب لهذه الإشكالية بثلاثة طرق: الأولى الارتكان إلى فكرة المهاجم الوهمي، كالاستعانة باللاعبين كول بالمر وبرناردو سيلفا ورياض محرز ورحيم ستيرلنج بالتناوب. والثانية اللعب دون مهاجم، ووضع ثلاثة لاعبين في مركز الوسط المهاجم يتناوبون الدخول إلى منطقة الجزاء لكن دون أن يصرح أحدهم بأنه المهاجم الحقيقي.

 أما بالنسبة للطريقة الثالثة فكانت العودة إلى البديهيات واللعب بمهاجم صريح يقف حائلًا بين قلبيّ الدفاع ولا يبرح مكانه، لجأ بيب إلى ستيرلنج في هذا الدور وفي بعض الأحيان كان يستخدم محرز، ومن هنا تأتي الأزمة؛ ستيرلنج ليس مهاجمًا بالمعنى الشامل لذا يشعر دائمًا بالتيه ويتمركز بشكل خاطئ في معظم الأوقات، "رحيم هو أفضل من يلعب هذا الدور لدينا"؛ هكذا قال بيب، "لقد طلب بيب من ستيرلنج أشياء سيطلبها من هالاند في حالة وجوده، ومن هنا جاء الارتباك"؛ هكذا طرح سام لي.

العودة إلى البديهيات

عدم وجود المهاجم لم يكن عائقًا بالنسبة لكتيبة بيب أمام تحقيق الانتصارات والوصول لمرمى المنافسين، لكن وجوده يمنح الفريق عمقًا يفتقده منذ رحيل أجويرو القناص، ويساعد على تبديل الخطط وتمركزاته دون القلق من جودة اللاعب المنوط به لعب دور المهاجم. وكان الحل في تحديد مميزات أجويرو جيدًا، واختيار لاعبًا يمتلك المميزات نفسها.

بالبحث عن المهاجمين الواعدين في العالم نجد من يبشر بأجويرو جديد مثل ألفاريز كما أشرنا، لكنّ كثيرين رشحوا هالاند كشبيه أكثر جرأة وشمولية.

لم يخف الأمر على بيب أو إدارة السيتيزينس، ولعدم الحيرة قرروا التعاقد مع النرويجي مع الشبيه الأرجنتيني، لتنتهي الأزمة نظريًا، قرارٌ واحدٌ بالتعاقد مع لاعبين يتصارع عليهما الجميع أنهى أزمة سيطرت على النادي ودون عقبات، كيف ذلك؟

 

كطلقة المسدس

بساطة في الأداء، ذكاء في التحركات، سرعة جنونية بالكرة، يمكن أن تطبق عليها كلمات الشاعر  رياض الصالح لحسين "بسيط كالماء .. واضح كطلقة المسدس"، وربما كان يجب على المدرب الإسباني قراءة لحسين وهو يفكر في كيف يمكنه تغيير أنماط لعب الفريق لتناسب خصائص النرويجي هالاند. "حار كجمرة/ بسيط كالماء/ واضح كطلقة مسدس/ وأريد أن أحيا/ ألا يكفي هذا أيتها الأحجار التي لا تحب الموسيقى؟".

يعد السيتي أحد أوائل الفرق التي بدأت في نقل الظهيرين إلى وسط الملعب كجزء من تناوب التمركز، نمط يخلق حملًا زائدًا ويساعد في تمرير الكرة لثلثي الملعب بسهولة، لكن منذ بداية الموسم الجاري، أجرى جوارديولا تعديلات؛ فبدلًا من دفع ظهير  في كل مرة يدفع بظهيرين على جانبي رودري دُفعةً واحدة، كان هذا واضحًا في الفوز 2-0 على وست هام، إذ كانا جواو كانسيلو وكايل ووكر في خط الوسط معًا. 

خطة لعب مان سيتي ضد  وست هام ​​​​

ويساعد هذا الأمر على تحرير اللاعب الذي يشغل مركز الرقم 8 من الأحمال الدفاعية الزائدة ليعمل في مساحات أعلى وأقرب للمرمى، وهذا ما ينقلنا إلى النقطة التالية، تغيير أدوار دي بروين مع توفر الحماية اللازمة له في خط الوسط، ووجود مهاجم ذكي في التحركات مثل هالاند، يقدم البلجيكي متوسط ​​5.79 تمريرة عرضية مفتوحة لكل 90 دقيقة، وهو رقم أكبر من الموسم الماضي الذي كان بمتوسط 3.88 تمريرة عرضية، وهذا هو الذكاء، إذ يعرف دي بروين أن هالاند قادر على التسجيل من الكرات العالية أو المنخفضة داخل منطقة الجزاء، فما المانع من إمداده بعدد أكبر من العرضيات؟

نضيف إلى ذلك معدل تسجيل هالاند البالغ 41.86% من التسديدات الكلية في رقمٍ متقدم على سون هيونج مين الذي سجل 23 هدفًا لتوتنهام بمعدل تحويل 33.3%، ليصبح الأعلى في إحصائيات الموسم الماضي. إذن فعندما يقرر مهاجم مان سيتي التسديد، فإن الضربات ستهزم حارس المرمى على نحو مكرر، ولنذكر أن من 28 محاولة على المرمى، سجل إيرلينج 18 هدفًا، رقم خرافي أليس كذلك!

" لا أحد يعرفني سوى العشب/ لا أحد يلعب معي سوى القطَّة، حينما أنام وحيدًا، بقدمين متباعدتين وذاكرة عاتية". رياض الصالح مجددًا.

لست هنا لسرد المميزات الشاملة لصفقة السيتي وتحليلها، لكن أطرح سؤالًا: إذا كان حل الأزمة واضحًا بهذه الطريقة لماذا لم يفكر به بيب من قبل؟ إذا كانت الشمس مشرقة فلماذا لا نشعر بضوئها؟

داخل عقل الإسباني

"أفكر كثيرًا، بالتأكيد من العدل أن أقول ذلك، لهذا السبب حققت نتائج جيدة جدًا في دوري الأبطال، سيكون الأمر مملًا، إذا كان عليّ الفوز طوال الوقت بالطريقة نفسها". يقول جوارديولا عن نفسه.

في تقرير نشره موقع ذي أثليتيك يشرح سام لي ببساطة أن تهمة التفكير الزائد الملتصقة بجوارديولا ليست صحيحة دائمًا، إنه يؤدي عمله، يصيب ويفشل، لكن الأصل أنه يفعل ما يجب عليه فعله، الأزمة تظهر فقط عندما تنفلت من يده الأمور.

في حلقة من برنامج "الكورة الثانية" بعنوان الفيلسوف الوهمي قال الصحفي لؤي فوزي إن جوارديولا مثل أي شخص آخر يخطئ أحيانًا ولا ضير من أن ينتهي هذا الخطأ بكارثة كبرى. في مباراة النهائي أمام تشيلسي قرر بيب الدفع بجوندوجان كارتكاز صريح وأن يجلس فرناندينهو بجانبه على دكة البدلاء، ذلك لأن جوندوجان سيعطي للفريق خيارات أكثر شجاعة في التمرير وبناء اللعب عندما تكون الكرة مع الفريق، لكنه أغفل نقطة مهمة: ماذا سيفعل جوندو عندما يفقج الفريقُ الكرة؟

سؤال بديهي للغاية؛ لكن بيب أغفله ولم ينظر إليه، فكانت النتيجة ثغرة في منتصف ملعب السيتي وهزيمة تلقاها الفريق أبعدته عن حلمه، بالضبط مثلما أغفل بيب ولمدة عام كامل أن عليه أن يكف عن الاستعراض وأن يجلب مهاجمًا صريحًا منذ اللحظة الأولى لرحيل أجويرو.

النقطة الجوهرية في الأزمة التي استمرت في النادي عامًا كاملًا، حلها ببساطة أيضًا عقل بيب، بالتالي فانها واردة التكرار في سنوات مقبلة وبأشكال أخرى، إلا إذا تعلم الدرس وأدرك أنه وفي بعض الأوقات يجب علينا الجنوح إلى البسيط أو ببساطة لا يفكر في إعادة اختراع العجلة.