آنسبلاش برخصة المشاع الإبداعي
أذنا ميكي المميز لشركة ديزني بألوان قوس قزح

 لماذا نخاف من قبلة ديزني؟

منشور الخميس 16 فبراير 2023

قبل ثمانية أشهر، كان وقع اسم شركة ديزني مرتبط في الأغلب بمفردات مثل اللطف والتسلية والطفولة والنهايات السعيدة بما تثيره من مشاعر، قبل أن تتحول إلى بعبع يخيف المشاهدين خاصة الآباء، بعد حديث رئيستها كاري بيرك عن ضرورة تمثيل شخصيات من هويات جندرية مختلفة في الأعمال الجديدة من إنتاج الشركة.

لا تبدو الإشارة إلى تلك القضية متأخرةً، حين نفكر عميقًا فيما قد يشيعه ذلك الحديث من مخاوف لدى المجتمع، من تأثير قبلة بين رجلين أو امرأتين على الشاشة على هوية الطفل الجنسية. هل ذلك أمر محتمل من الأساس؟

ديزني المغضوب عليها

في الواقع، يثير غياب تمثيل الشخصيات المثلية أزمة في استوديوهات ديزني منذ وقت غير قصير، فالعاملون هناك تذمروا من القوانين القديمة التي منعت ظهور أي شخصية مثلية وعدّوها مهينة لتنوعاتهم الجندرية المختلفة، خاصة بعد أزمة Don't Say Gay التي أثيرت في مارس/ آذار من العام الماضي، حين وافق مجلس الشيوخ في ولاية فلوريدا الأمريكية على مشروع قانون "لا تقل مثليًا" الذي يحظر "مناقشة التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية في الفصول الدراسية"، وتوحدت ضده العديد من الجبهات، وضغطت على الحكومة الفيدرالية لاتخاذ بعض الإجراءات دون تفعيله.

ظلت تلك الأزمة تختص بالمجتمع الأمريكي وحده، حتى ظهرت كاري بيرك، رئيسة ديزني العامة للترفيه، التي لم تتردد في انتقاد قانون "لا تقل مثليًا"، خلال فيديو تم ترجمته إلى العربية وانتشر بشكل واسع على السوشيال ميديا، لتؤكد أن سياسات ديزني تغيرت، وأن "نصف" الشخصيات في مشاريعها القادمة ستمثل مجتمع LGBTQIA+ (مجتمع الميم)، وأن المشاهدين سيتمكنون من رؤية ذلك التغيير بحلول نهاية 2022.

طرح بعد ذلك فيلم "Lightyear" المنبثق من سلسلة "قصة لعبة" للعرض العالمي، لكنه مُنع في الشرق الأوسط لوجود قبلة مثلية بين شخصيتين ثانويتين، ومع ذلك الحظر بدأت على السوشيال حملات الهدف منها التحذير بشكل مستمر من ديزني واتجاهاتها لـ"تلويث عقليات الأطفال" ودفعهم إلى المثلية عبر محتوى "غير مناسب"، فضلًا عن التشفي في إخفاق الفيلم في تحقيق إيرادات عالمية تقترب من النجاح الذي أدركته السلسلة الأصلية.

تريللر فيلم Lightyear


ذلك الجدل لم يكن جديدًا على ديزني، التي انخرطت وإن بشكل أخف في عام 2020، في جدل آخر مشابه بعد عرض فيلمها "Onward"، الذي يُظهِر شخصية ثانوية تتحدث عن متاعبها كأم ثانية لابنة شريكتها، غير أن "نظرية المؤامرة" في تلك الفترة لم تكن تشكلت بعد عند المشاهد العربي عن "خطط ديزني" مثلما هي الآن.

هل الأزمة في القبلة؟

على مدى سنوات كثيرة، كانت قصص الحب في أفلام ديزني عادة ما تنتهي بقبلة بين حبيبة وحبيب، أو تمثل نقطة محورية في الحبكة الرئيسية للقصة، مثل فيلم "الجميلة النائمة" الذي تحتاج بطلته قبلة حتى تستفيق من رقادها الأبدي.

مثل تلك القبلات لم تُثر أزمة في أي وقت قبل ذلك، أو تبدأ حملات لمقاطعة أفلام مثل "سندريلا" أو "سنو وايت"، أو حتى "قصة لعبة" الذي تضمن قصة حب بين بطله وودي وراعية الخراف، إذن هل تفقد القبلة معناها الجنسي داخل سياقاته الواضحة إن كانت بين شخصيتين غيريتين، وتصبح محرضة إن جاءت بين مثليين؟

ترى الطبيبة المتخصصة في طب نفس الأطفال والمراهقين الدكتورة هند بدوي، أن الطفل يبدأ منذ عمر الثالثة أو الرابعة في تكوين ثقافته الجنسية حين يدرك الحدود الجسدية بينه والآخرين، رغم ذلك فإن "القبلات مثلها مثل الأحضان؛ تعبير جسدي عن الحب، ومن الممكن ألا تحمل معنىً جنسيًا إلا اذا وضعت في سياق معين وتراكمي في سيناريو الأعمال الفنية، وهذا إن حدث سوف يكون للفيلم تصنيف عمري مختلف".

وتجزم المختصة في طب نفس الأطفال، للمنصة، أنه "لا يوجد أي مؤثر يمكن أن يحول طفلًا ليست لديه ميول مثلية إلى مثلي، ولا توجد هوية جنسية تتغير بمجرد معرفة أن هناك علاقات مثلية في العالم، ما يتغير عنده هو معرفته بأن ذلك الخيار الجنسي متاح"، مضيفة "المجتمع المصري لعدم وجود تنوع جنسي به، لا يعلمون أن هذا خيار، ما يرجع بشكل كبير إلى العادات والتقاليد والمرجعية الدينية،الذي يُحدث هذا الرفض".

هذه التخوفات من تأثير المحتوى الفني العاطفي على المتلقي المراهق عمومًا، تعده بدوي مفهومًا فقط عند الأجيال التي عاشت في عالم محدود المعارف ووسائل الاتصال، بيد أن "الأطفال في إعدادي وثانوي وبداية الدراسة الجامعية اليوم على انفتاح واسع تجاه العالم، الإنترنت نفسه يعطيهم القدرة على الوصول لمعلومات كثيرة، مقارنة بالأشخاص في الأربعينيات والخمسينيات من عمرهم الآن الذين عاشوا في نفس الطبقة الاجتماعية في الماضي".

السبيل نحو الآخر

إن أكثر ما يلفت في التعليق السابق للمختصة النفسية، هو التمكين من المعرفة، التي هي بداية أي قبول أو رفض لاحقين، وهي الرغبة نفسها التي يمكن استيعابها من تأمل الأهداف من وراء سياسات ديزني الحالية، التي تسعى كما هو واضح في نص حديث رئيستها، وكما يظهر فيما سبق وتلا ذلك من أعمال، أن يجد الصغار الذين لهم عائلات مختلفة جندريًا ما يمثلهم على الشاشة.

تؤكد بدوي أن الفنون بشكل عام "تزيد من التعاطف أو الإحساس بالآخر المختلف، مثل أشكال الأسر المختلفة، فالأطفال يعلمون أن الأسر المثالية هي التي تتكون من أب وأم وأطفال بيولوجيون، ولكن تعريفهم بأن هناك أشكال أخرى منها، مثل المحتضنة أطفال غير بيولوجيون، أو الأطفال الذين يعيشون رفقة جدودهم، ينمي لدى الطفل فكرة أن هناك أنماط أخرى من الأسر، وأشكال أخرى من الوالدية".

وأشارت الطبيبة النفسية إلى أن ذلك ينطبق أيضًا "على الاختلافات الجسدية والاحتياجات الخاصة، فمشاهدة فيلم عن شخص مختلف يتحدث بلسانه عن مشاعره، يقلل من التنميط لدى المشاهد، ويزيد الوعي الجمعي، بأن هناك أشكال مختلفة من كل شيء، وبالتالي يتفهم المشاهد، حتى لو كانت ثقافته ومرجعيته الدينية رافضة لذلك، ولا يقوم بالحكم عليه، أو يحاربه، ويعزز الإيمان بالمعتقدات بدون فرض وجهة النظر تلك على الشخص الآخر وإدارة حياته الشخصية".

هل وفق تلك النظرة للمختصة النفسية وفي إطار خطة ديزني الواضحة عبر  ما صدرمن أعمال حتى الآن، ما يزال مكان لتلك المخاوف؟

إن الإجابة الواقعية مفارقة رغم ذلك. ففي عالم قاسٍ للغاية، لا يضمن أي محاولات جادة لوضع نهاية لحوادث الطرق، التنمر، التحرش، الاعتداء الجنسي من الأقارب وفي المدارس؛ ثمة مساحة تتسع دائمًا لمخاوف أخرى تتعلق بالآخر المختلف وقبوله، وكأن ما يجب أن يستمر للأبد، هو خطاب الكراهية والنبذ.