منذ أيام قليلة وافق مجلس النواب على مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب، ورفعه إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه ثم نشره في الجريدة الرسمية، لتنطلق موجةٌ من الجدل حوله، إذ وجه حقوقيون انتقادات للمشروع باعتباره ينتقص من حقوق اللاجئين، بينما دافعت الحكومة والنواب عنه وقالت إنه تضمَّن امتيازات، فيما وضع البعض علامات استفهام على السوشيال ميديا عن علاقة القانون بمخططات توطين الفلسطينيين في سيناء.
تأتي المحاولة الأولى في تاريخ مصر الحديث لاستصدار تشريع ينظم أوضاع اللاجئين بالتزامن مع تدفق أعداد كبيرة من الدول المجاورة التي تشهد نزاعات أو حروبًا، لدرجة أن ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى مصر، حنان حمدان، دعت في بيان إلى دعم مصر بشكل عاجل، بعدما أصبحت أكبر دولة تستقبل السودانيين منذ بداية النزاع المسلح في أبريل/نيسان 2023، بجانب استقبالها لاجئين وطالبي لجوء من نحو 62 جنسية أخرى من سوريا وجنوب السودان وإريتريا واليمن وإثيوبيا.
فلسفة الحكومة في إصدار القانون توحيد الجهات التي تخدم اللاجئين
بموجب مشروع القانون الجديد تنشأ اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين، وتتبع رئيس مجلس الوزراء، وتتولى التعامل مع اللاجئين وطالبي اللجوء وإتاحة الخدمات لهم، بدلًا من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تعمل في مصر منذ عام 1954.
ويرى مدير مركز حق للدعم القانوني والنفسي للاجئين ياسر فراج أن "وجود قانون ينظم شؤون اللاجئين أمر مُلح"، وأن تفعيله سيساهم في معرفة التعداد الرسمي للاجئين في مصر، وجمعهم تحت مظلة واحدة.
وتوضِّح بيانات مفوضية شؤون اللاجئين وجود أكثر من 800 ألف لاجئ وطالب لجوء ينتمون لـ62 جنسية، بينما تردِّد الحكومة أرقامًا بشأن وجود 9 ملايين "ضيف"، حسب التعبير الذي تفضله.
ووفق تصريح من المكتب الإعلامي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر لـ المنصة فإنه يجري العمل حاليًا مع الحكومة المصرية على وضع خطة عمل لمرحلة انتقالية، لاستحداث نظام إدارة اللجوء بما يتماشى مع المعايير الدولية والإقليمية.
ولفت المكتب إلى أن المفوضية سبق وقدمت ملحوظات للحكومة بشأن بعض بنود مشروع القانون، وستستمر في مشاركتها معها خلال الفترة المقبلة.
ولم يفصح المسؤولون في المفوضية لـ المنصة عن طبيعة الملحوظات الموجهة لمشروع القانون.
امتيازات جديدة
تضمن مشروع القانون، الذي يثير القلق بشأن حماية اللاجئين، عددًا من الامتيازات والمكتسبات الجديدة للاجئين، في مقدمتها منح اللاجئ وثيقة السفر، والحق في العمل، والتعليم الأساسي، فضلًا عن اكتساب الجنسية المصرية.
ويعتقد مدير مركز حق للدعم القانوني والنفسي للاجئين أن أفضل ما قدمه القانون للاجئ هو "منحه وثيقة سفر تسمح له بالتنقل، وهذا حق لم يكن يحصل عليه المسجَّل لدى المفوضية في مصر"، موضحًا أنه كان يتقدم بأوراقه لمفوضية اللاجئين ويحصل على كارت لاجئ فقط، ولا يحق له إصدار وثيقة سفر إلا إذا حصل على فرصة سفر في برنامج إعادة التوطين وهو ما قد يستغرق عشرات السنوات.
ويشير ياسر فراج إلى عزوف عدد من الوافدين الفارين من أماكن الصراع عن التسجيل في المفوضية "لأن تسجيل المفوضية يجبره على التخلي عن وثيقة السفر الخاصة"، لافتًا إلى أن حرمانهم من وثائق السفر يضطرهم إلى التنازل عن فرص عمل في دول أخرى أو التخلي عن صفة اللجوء وإغلاق ملفاتهم بالمفوضية.
ويوضِّح أن من بين الحقوق التي تضمنها مشروع القانون أيضًا النص بوضوح على حق العمل، وحق ممارسة المهن الحرة حال حمل اللاجئ شهادة معترفًا بها بعد الحصول على تصريح عمل مؤقت من السلطات المختصة بالبلاد.
غموض مصير اللاجئين الفارين من الاضطهاد الجنسي والديني
من بين الامتيازات الإيجابية التي تضمنها القانون، وفق المحامي المتخصص في مجال حقوق اللاجئين والخبير في المفوضية الإفريقية لحقوق الإنسان، أشرف ميلاد، مُنح اللاجئ الحق في الحصول على الجنسية المصرية، فضلًا عن تطبيق قانون الأحوال الشخصية الذي يخضع له اللاجئ نفسه، مشيرًا إلى أن مصر كانت متحفظة على إعطاء الحق للاجئ في تطبيق قانون الأحوال الشخصية الخاص به في بلد اللجوء.
حقوق غامضة
على الرغم من الامتيازات التي تضمنها القانون، فإن حق اللاجئ في الحماية أصبح مهددًا ويشوبه الغموض في بعض الحالات. إذ بات مصير اللاجئين الفارين من بلادهم لأسباب تتعلق باضطهاد على أساس العقيدة أو الجنس غامضًا ويثير القلق.
يقول فراج إن مشروع القانون لم يحدد المعايير التي على أساسها تحدد اللجنة العليا قبول طلب اللاجئ أو رفضه، كما لم يشر إلى "إمكانية قبول اللاجئ على أساس جنسي أو ديني كما هو منصوص عليه في اتفاقية 1951"، مؤكدًا أن أكبر مشكلة بالقانون هي غموض برامج إعادة التوطين وعدم وضوح طريقة تفعيل هذه البرامج التي كانت أحد الإجراءات الأساسية التي تقدمها المفوضية للاجئين.
مطالب بلائحة تنفيذية تحدد معايير إعادة التوطين
يتساءل مدير مركز حق للدعم القانوني والنفسي للاجئين عن المعايير التي ستستخدمها اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين لتحديد من له الحق في إعادة التوطين، مضيفًا "غالبية اللي سافروا خلال الستة أشهر الماضية بره مصر بموجب برنامج إعادة التوطين من أصحاب اللجوء الجنسي، فهل ستسمح اللجنة الجديدة بهذا الأمر في المستقبل؟".
يوضح فراج أن ملتمسي اللجوء، الذين لم تبت المفوضية في طلباتهم بعد، أو اللاجئين ممن حصلوا بالفعل على صفة لاجئ، لم يوضَّح موقفهم في القانون الجديد، متسائلًا "هل سيُعاد النظر في طلبات لجوئهم وفقًا للقانون الجديد أم سيتم إدارجهم بشكل تلقائي ضمن منظومة اللجوء".
ويتوقف الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية كريم عنارة أمام بعض السلبيات في المشروع، مثل وضع عبء إثبات الاضطهاد على طالب اللجوء، والتوسع في معايير الحرمان أو سحب صفة اللاجئ في أكثر من موضع.
ويشدد على أن معاقبة اللاجئ الذي ارتكب مخالفة أو جريمة جنائية تكون وفق قانون الدولة التي يقيم فيها، سواء الجرائم الجنائية أو أي مخالفة أخرى، شأنه شأن المواطن و"ليس بنزع صفة اللاجئ عنه"، مشيرًا إلى أن "التوسع في حالات نزع صفة اللاجئ ولأسباب شديدة العمومية يفرغ القانون من الحماية التي يمنحها أو يجعلها حماية شديدة الهشاشة".
لا تهجير للفلسطينيين
عبّر بعض مستخدمي السوشيال ميديا عن مخاوفهم من استخدام القانون الجديد لتحقيق مخططات إسرائيل بشأن تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في مصر، وعن هذه المخاوف يقول أشرف ميلاد إن الفلسطينيين لا يندرجون تحت مظلة القانون الجديد لأن الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين لا تنطبق على الأشخاص الذين يتمتعون حاليًا بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين "لديهم الأونروا المنظِّمة لجميع شؤونهم، وهي لا تعمل في مصر".
وينفي الباحث في المبادرة المصرية كريم عنارة أن يكون قانون تنظيم لجوء الأجانب الجديد له أي علاقة بما يُسمى "تهجير الفلسطينيين إلى مصر"، مشيرًا إلى أن قوانين اللجوء سواء الدولية أو المحلية ليست لها علاقة بالتهجير "طالب اللجوء لازم يكون جوه بلدك أو على الحدود يطلب منك الحماية. ما فيش حاجة اسمها تطلب لجوء عن بعد، ده انطباع خاطئ موجود عند ناس كتير بس مش صحيح بالنسبة للقوانين الأساسية المنظمة للحق في اللجوء".
ما بين تحفُّظ المفوضية الذي يكاد يصل للصمت في توضيح الفرق بين الوضع الحالي وما بعد صدور مشروع القانون، وتحذيرات الحقوقيين من تفريغ القانون من الامتيازات نتيجة العبارات الفضفاضة، أو التوسع في إسقاط صفة اللجوء، ننتظر صدور القانون رسميًا ولائحته التنفيذية التي ستكشف المزيد من التفاصيل وتحدد مدى تأثر اللاجئين بالتغييرات الجديدة.