سارة حجازي تعزف على الپيانو - صورة من حسابها على إنستجرام

"أهلًا بكم في الجحيم".. "هيومن رايتس" توثق "انتهاك واغتصاب" الأمن لأفراد مجتمع الميم

منشور الخميس 23 فبراير 2023

تروي تانيا، وهي امرأة قبرصية متحولة جنسيًا، في الثلاثينيات من عمرها، إنها تعرضت للاغتصاب أكثر من 100 مرة، خلال 290 يومًا قضتهم محبوسة في مصر، 22 مرة منهم خلال أول 15 يومًا، حتى تدخلت السفارة القبرصية وأعادتها إلى بلادها. 

تانيا حالة ضمن كثيرين تعرضوا لانتهاكات وثقها التقرير الأخير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في 21 فبراير/شباط الجاري، بعنوان "كل هذا الرعب بسبب صورة: الاستهداف الرقمي وعواقبه في الحياة الفعلية على مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وعلى الرغم من أن مصر واحدة ضمن 5 دول تضمنها التقرير إلى جانب لبنان وتونس والعراق والأردن، فإن غالبية الحالات التي تعرضت لانتهاكات كانت فيها.

وتقول الباحثة الأولى في هيومن رايتس واتش رشا يونس، للمنصة، إن الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة المصرية بحق مجتمع الميم، تمثل واحدة من أسوأ سجلات انتهاك حقوق ذلك المجتمع في المنطقة "الانتهاكات التي وثقناها في مصر كانت الأكثر شدة، مما يشير إلى أنها تمثل سياسة ممنهجة من الحكومة المصرية، ترقى إلى مستوى الاضطهاد".

ووصفت يونس أن آثار عمليات الاستهداف الإلكتروني لمجتمع الميم في مصر  بـ"المروعة"، إذ "تبدأ من الاعتقال التعسفي وتصل إلى سوء المعاملة أثناء الاحتجاز، بما يشمل الاعتداء الجنسي والتعذيب، بالإضافة إلى التأثيرات طويلة المدى، مثل تدهور الصحة العقلية وقطع سبل معيشة مجتمع الميم".

وكان التقرير أخفى اسم إحدى المؤسسات التي ساعدته في إعداد التقرير داخل مصر، وعللت ذلك بالأسباب الأمنية، وعلقت رشا يونس "يمثل ذلك إشارة إلى مستوى القيود الصارمة على تنظيم مجتمع الميم ونشاطه في مصر".

وأشارت المنظمة خلال تقريرها  أنها  27 من بين 90 شخصًا التقتهم، كانوا يقيمون في مصر و 18 في العراق و10 في الأردن و 17 في لبنان و13 في تونس. بينما يعيش اثنان آخران في فرنسا، واثنان في السويد، وواحد في قبرص.

وحتى الحالة التي تعيش حاليًا في قبرص، وهي تانيا، قبض عليها في مصر. علمًا بأنها أخفت كافة أسماء الحالات، وذكرت أسماء مستعارة للحفاظ على سلامتهم.

"الجحيم" 

تروي تانيا كيف أنها اضطرت إلى إجراء عملية في الشرج عند عودتها إلى قبرص. تتذكر "بمجرد أن وصلت إلى قسم شرطة مدينة نصر، الضابط قال لي 'أهلًا بك في الجحيم'، و في أول يوم لي في الحجز، اغتصبني 5 من رجال الأمن بينما كنت معصوبة العينين، شعرت أنهم خمسة وسمعتهم جواري يضحكون، في اليوم الثاني، رجل في الأمن قال لي بينما كنت ذاهبة إلى المحكمة، انتهي بسرعة كي أعود لاغتصابك، ثم اغتصبني رجلان غيره، لم يكن معي أحد ولا حتى المحامي".

تعرض نور للضرب في قسم الشرطة، ولكمه ضابط في وجهه وأذنه حتى أنه لم يعد يسمع بها جيدًا حتى الآن، وآخر اعتدى عليه جنسيًا

وتشير إلى أنه في إحدى الوقائع أجبرها ضابط على إدخال حبل في فرجها، وفي أحد الأيام دخل عليها ضباط في الزنزانة وطلبوا منها خلع ملابسها وقاموا بتصويرها، ووصفته بأنه أسوأ يوم في حياتها، "شعرت أن روحي انتهكت"، وفي موضع آخر تقول "بالرغم من أنني أعمل في الجنس من أجل المتعة والمال، لكن ما حدث لي كان اغتصابًا". ولفتت إلى أن أحد الضباط أخبرها أن الاعتداء الجنسي عليها هو نوع من أنواع العقاب.

استخدمت المنظمة الاقتباس الذي ذكرته تانيا عن الجحيم، لعنونة أحد فصول تقريرها، الذي يذكر أيضًا تعرض نور، وهو في الـ31 عامًا من عمره، ويصنف نفسه على أنه لا ثنائي الجنس (يرفض تصنيفه كرجل أو امرأة)، للضرب في قسم الشرطة، ولكمه ضابط في وجهه وأذنه حتى أنه لم يعد يسمع بها جيدًا حتى الآن، وآخر اعتدى عليه جنسيًا، بينما قام ثلاثة من السجناء بإيعاز من أحد الضباط بضربه على أعضائه الجنسية. 

"الكمين"

يرصد التقرير بالأساس الطرق التي يتم بها القبض على أفراد مجتمع الميم، عبر نصب أكمنة لهم من خلال تطبيقات المواعدة الخاصة بهم، وأشهرها جريندر، بالإضافة إلى فيسبوك وانستجرام، وهو ما يعتبره سوء استخدام للإنترنت، ناشدت المنظمة إثره مواقع التواصل بمراجعة سياستها لمنع مثل تلك العمليات. 

وتحت عنوان "كان كمينًا" رصد التقرير العديد من حالات القبض التي حدثت في مصر في الفترة بين 2017 إلى 2021، ومنه ما حدث مع الشاب الثلاثيني عمرو، الذي انتحل أحد رجال الأمن عبر فيسبوك شخصية شخص مهتم بمواعدته.

اتفق عمرو على لقاء صديقه المزعوم، وفي الوقت والزمان المحدد سأله صديقه عما يرتديه كي يتعرف عليه، وهنا علم عمرو أنه كمين. حاول الفرار لكن الوقت كان فات، امسكوا به، وفتشوا هاتفه، "لم أكن قلقًا لأن هاتفي لا يتضمن أي برامج مواعده، لكنهم حملوا برنامج جريندر عليه، وزيفوا محادثات واستخدموها كأدلة ضدي فيما بعد"، وذلك في قسم العجوزة.

وما تعرض له عمرو من تلفيق أدلة اتهام ليس نهجًا حدث معه فقط، إذ تشير المنظمة إلى أنها رصدت في تقرير سابق لها في أكتوبر/تشرين الأول 2020 "نمطًا من الاضطهاد بتلفيق بعض الصور وتحميل برامج للمواعدة بين المثليين، واستخدام تلك الصور والتطبيقات كأدلة إدانة فيما بعد، وذلك بعد تفتيش هواتف المقبوض عليهم، وعدم وجود ما يدعم أنهم مثلي الجنس".

خلعوا ملابسي، وسألوني أسئلة خاصة مثل: كيف أصبح لك صدر، واعتدوا علي بالضرب، وأجروا لي فحصًا شرجيًا

ويضيف عمرو "في القسم، شتموني أنا وعائلتي، وأطفأوا السجائر في يدي"، مكث الشاب أسبوعين في قسم الشرطة، وأسبوعًا في قسم آخر، وفي المحكمة، "لم يتحدث القاضي إليَّ، قرأ تقرير الأمن، وأصدر حكمه مباشرة بشهر سجن وشهر مراقبة، ثم قال خذوه من وشي". 

أما مأمون، فوقع فريسة لانتحال رجل أمن آخر جنسية خليجي يرغب في قضاء وقت معه، وسأله عن السعر الذي يرغب فيه، فرفض الأخير المال. وطبقًا لمحامين مصريين، عادة ما يحاول رجال الأمن تحديد سعر لاستخدامه كدليل لإثبات جريمة "الدعارة" فيما بعد، بحسب التقرير نفسه.

قضى مأمون 10 أيام في الحبس الاحتياطي، تعرض خلالهم لاعتداء جنسي من قبل مساجين معه، أحدهم عرض عليه ممارسة الجنس مقابل حمايته، وفعل ذلك لأسبوع، غير أن آخرين من المساجين اعتدوا عليه خلال نومه واستحمامه، علمًا بأن الزنزانة الصغيرة التي أقام فيها كانت تضم 45 شخصًا.

الفحوصات الشرجية 

عادة ما يكون إجراء الفحص الشرجي مرحلة تالية للقبض، رغم أنه علميًا وفق المتعارف عليه في المجتمع الطبي الدولي الآن، إجراء لا يدل على الممارسة الجنسية المثلية. 

لا زالت حنان، وهي فتاة متحولة جنسيًا، تتذكر حين قُبض عليها قبل عدة أعوام، حين كانت في الـ17 من عمرها، "خلعوا ملابسي، وسألوني أسئلة خاصة مثل: كيف أصبح لك صدر، واعتدوا علي بالضرب، وأجروا لي فحصًا شرجيًا".

وبخلاف حنان، تعرض كل من في التقرير ممن قبض عليهم لذلك الفحص، سواء ممن أوقفوا في كمين للإيقاع بهم، أو كانوا ضحايا عمليات ابتزاز. 

الابتزاز 

إلى جانب الانتهاكات التي اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الأمن بارتكابها، فإنها تناولت أيضًا نوعًا آخر يتمثل في عدم الاستماع إلى شكوى أفراد مجتمع الميم حين يتعرضون للابتزاز من أفراد أو عصابات منظمة، بل ويتم رفع قضايا على الضحايا.

نقل التقرير في ذلك حالة مجد وشريكه إسماعيل اللذين تعرضا لابتزاز في أغسطس/ آب الماضي. في أول واقعة وصلت العصابة إلى منزليهما، وابتزتهما، وحين صرخ مجد طلبًا للمساعدة جاءت الشرطة فأبلغهم أن الأمر  محاولة سرقة، وبعد عدة أيام ترصد أحد أفراد العصابة مجد في الشارع وتشاجرا.

في القسم أخبر المبتز الشرطة أن مجد مثلي، فقامت بتفتيش هاتفه وقبضت عليه هو وشريكه إسماعيل، ومكثا أربعة أيام، ولم يعلما ماذا حدث للمبتزين. خضع الشريكان لعلاج النفسي بعد الصدمة التي تعرضا لها.

يقول مجد إنه لا يشعر بالأمان وهو يعلم أن العصابة يمكن أن تصل إليهما في أي وقت، وأن الحكومة لن تحميهما، مشيرًا إلى أن العصابة بها شخص مثلي تستغله للإيقاع بالضحايا، وقاموا بجمع ثروة كبيرة جراء الابتزاز. وكانوا طلبوا منه مبلغ 70 ألف جنيه.

أما ياسين فتعرض للابتزاز قبل عامين حين كان طفلًا في الـ16 من عمره، من قبل أحد الأفراد الذين تعرف عليهم على جريندر، وأتضح أنه ضمن عصابة. ذهب الطفل إلى منزل ذلك الشخص، فظهر اثنان آخران أحدهما يحمل سكينًا كبيرًا، قاموا باغتصابه وتصويره، وطلبوا منه دفع 100 ألف جنيه، وإلا قاموا بإرسال المقطع إلى أهله، ونشره على فيسبوك. 

حين استشار مهدي محاميًا أخبره أن ثمة احتمال بنسبة 50% أن يتم حبس المبتز ، والنسبة نفسها أن توجه تهمة الفجور إلى مهدي ذاته

أبدى ياسين عدم اهتمام بإبلاغ أهله، وتفاوض معهم على تركه مقابل هاتفين يملكمها ومبلغ 3 آلاف جنيه لديه في البنك. بعد المغادرة اتصل بوالده الذي اصطحبه إلى قسم شرطة القاهرة الجديدة.

يقول ياسين "لم أخبر الشرطة عن جريندر، وقلت أني تعرضت للاختطاف من الشارع، وحين لم يصدق الضابط روايتي، طلب والدي رؤية المأمور، الذي أرسلني لضابط آخر فتح المحضر واصطحبني إلى الشقة التي كنت فيها، حيث وجدت فردين من العصابة".

يضيف "خلال التحقيقات أمام النيابة اعترف أحد الرجلين بكل شيء بما في ذلك جريندر، فقامت الشرطة بإجراء فحص شرجي لي، وأظهر أنني غير مثلي، واستطعت به الخروج من القضية بأمان، ولا أعرف مصير الرجلين الآخرين اللذان هدداني". 

كما نقلت المنظمة حالة مهدي الذي تعرض للابتزاز من شخص تحدث معه على إنستجرام لمدة شهرين، ثم أقام علاقة معه وقام بتصويرها، وحين استشار مهدي محاميًا أخبره أن ثمة احتمال بنسبة 50% أن يتم حبس المبتز ، والنسبة نفسها أن توجه تهمة الفجور إلى مهدي ذاته.

كيف يُحاكم المثليون؟

يشير التقرير إلى أن محاكمة المثليين في مصر تتم من خلال المواد من 9 إلى 14 في القانون رقم 10 لسنة 1961 الخاص بمكافحة الدعارة، تحت بنود محاربة الفجور. بالإضافة إلى تولي المحكمة الاقتصادية لبعض تلك القضايا من خلال قانون الاتصالات الصادر عام 2003، وقانون الجرائم الإلكترونية الصادر عام 2018، الذي يجرم في بعض مواده نشر مواد تخالف قيم الأسرة أو استخدام الإنترنت لإجراء أي مخالفة أخرى.

ولا يجرّم الدستور أو القوانين المثلية الجنسية، واستقر قضاء محكمة النقض على اعتبار أن المقصود بالفجور في ذلك القانون هو العلاقات المثلية بين الرجال، غير أن قانونيين أشاروا إلى شبهة عدم دستورية تلك المادة على اعتبار أن "كلمة الفجور غامضة ومتميعة ومنبهمة، والتعريفات اللغوية والاصطلاحية لا تعبر عن فعل المثلية الجنسية بين الرجال بعضهم البعض".

ويحدد التقرير زيادة الهجمة على أفراد مجتمع الميم بعد رفع الناشطة سارة حجازي علم قوس قزح خلال حفل لمشروع ليلى في مصر في سبتمبر/أيلول 2017. فبعد الحفل، قامت الحكومة بنشاط من المراقبة أونلاين، بعدها تم القبض على حجازي وعشرات ممن حضروه. 

وسارة روت عن الشهور الثلاثة التي قضتها في الحبس، وكيف أصيبت بسببهم باضطراب ما بعد الصدمة،  وتعرضها للتعذيب عبر الصعق الكهربائي والحبس الانفرادي، وإيعاز رجال أمن لمحتجزات أخريات بالاعتداء عليها جنسيًا. وانتحرت سارة في 13 يونيو/ حزيران في كندا.

وأشار التقرير إلى التناقض بين الممارسات، والالتزامات الدولية القانونية. "كل من الدول الخمسة التي شملها التقرير لديها التزامات دولية لمجابهة تلك الانتهاكات التي ذكرناها، وكلها موقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة المعاملة أو العقوبة".

إلى الحكومة.. البرلمان.. والأمن 

انتهى التقرير بعدة توصيات من بينها مطالبة الحكومة المصرية بـ"ضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع البالغين المسجونين بسبب السلوك الجنسي المثلي بالتراضي، وتدريب الشرطة ومسؤولي السجون والقضاة ووكلاء النيابة على معايير حقوق الإنسان الدولية وعدم التمييز، وخصوصًا قضايا التوجه الجنسي والهوية الجندرية، وإنهاء ممارسة الفحوصات الشرجية في الطب الشرعي للرجال والنساء العابرين جنسيًا المتهمين بالفجور".

كما أوصت مجلس النواب بتعديل "القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة وإلغاء كل الإشارات إلى  الفجور". بينما أوصت الأمن وقف القبض على البالغين والأطفال بسبب الممارسات الجنسية المثلية، والامتناع عن انتهاك خصوصية المتهمين أثناء التحقيق، بما في ذلك طلب هواتهم، أو حساباتهم على السوشيال ميديا، أو كلمات المرور، ووقف جمع المعلومات الرقمية بشكل غير قانوني أو تلفيقها لدعم محاكمة أفراد مجتمع الميم.

ولا تملك المنظمة بحسب رشا يونس، إحصاءات عن المسجونين في مصر حاليًا على خلفية قضايا جندرية "خاطبنا الحكومة المصرية، بما في ذلك وزارة الداخلية ومكتب النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان. ومع ذلك، لم نتلق ردًا".