عاشت نادية عمر، الكاتبة والمترجمة، تجربة انقطاع الطمث المبكر في أوائل الأربعينيات من عمرها حين بدأت الهبّات الساخنة تهاجمها. في البداية، لم تربطها باضطراب دورتها الشهرية "كنتُ فقط أفضل البقاء في التكييف لوقت أطول من المعتاد، حتى وضعت الأعراضَ المتزامنة مع بعضها لتكتمل الصورة واكتشفتُ أنني أمام انقطاع مبكر للطمث، لم أحسب أن ذلك موعده".
تشخيص انقطاع الطمث يجري بعد مرور 12 شهرًا من توقف الدورة الشهرية، حينها يمكننا أن نُودّعها، الوداع الذي يحدث عادةً بين منتصف الأربعينيات إلى الخمسينيات، والمعدل الطبيعي لحدوثه هو بدايات الخمسينيات، لذا يعتبر ما قبل ذلك انقطاعًا مبكرًا.
ورغم أن انقطاع الطمث عملية بيولوجية طبيعية، تمرُ بها النساء، فإنّ الأعراض المزعجة التي تصاحبه دائمًا تكون مفاجئة ومربكة، ولا تعرف النساءُ كيف تتعامل معها بسبب نقص التوعية والصمت الذي يحيط بالموضوع.
تذكر نادية أنّها عانت من أعراض جسدية مزعجة للغاية مثل الهبات الساخنة كما لو كانت خارجة من ساونا على نحو متكرر. وهناك أعراض أخرى لم تُصب بها مثل اضطراب النوم، ونقص الطاقة، وجفاف المهبل، والقشعريرة والتعرق الليلي، والتغيرات المزاجية، وزيادة الوزن نتيجة للتغيرات في الأيض، واستقلاب الطعام، وسقوط الشعر أو جفافه، وفقدان الامتلاء الطبيعي للثدي.
تختلف هذه العلامات والأعراض من امرأة إلى أخرى، سواء في الإصابة بها كلها أو ببعضها، وفي شدتها، وغالبًا تظل الدورة الشهرية غير منتظمة لفترة في البداية حتى تنقطع تمامًا.
ليست كل التجارب متشابهة
تقبلت نادية انقطاع الطمث المبكر بطيب خاطر باعتباره مجرد مجموعة من التغيرات الهرمونية التي يجب عليها التعامل معها، لكنّ على عكسها تعتبره الكثيرات "كارثة"، ومنهم أمنية محمد التي ذهبت إلى الطبيبة وهي تحمل هاجسًا عملاقًا تحاول الهروب منه، فدورتها الشهرية مضطربة للغاية، ووصل الأمر لشهور متتالية من الانقطاع، دون حمل.
أمنية في الثالثة والأربعين من عمرها، تزوجت منذ ست سنوات، ولديها طفل وحيد أنجبته بصعوبة بعد علاجات مطولة لتأخر الحمل، لتواجهها الطبيبة "هذا انقطاع طمث مبكر"، وهو ما خشيت أمنية حتّى التفكير فيه.
بالنسبة لامرأة أربعينية لا تزال لديها رغبة في الإنجاب، هذا خبر كفيل بتهديد زواجها وهز حياتها. خشيت أمنية أن ينعتها المقربون ومعهم زوجها، بأنها "عقيمة" أو "عود جف"، لذلك لم تصدِّق طبيبتها، وذهبت لآخرين، وأجرت تحاليل مخزون المبايض أكثر من مرة، لكن النتيجة جاءت واحدة.
ويقف الضغط المجتمعي وتنميط صورة المرأة في أدوار معينة خلف ما انتاب أمنية من فزع، واضعًا عبئًا إضافيًا عليها، بينما تواجه بالفعل التغيرات المزاجية والاكتئاب وجفاف المهبل والأرق المرتبط بانقطاع الطمث، دون أي دعم نفسي وعائلي. أصبح زوجها يعاملها أنها تسببت في أزمة غير متوقعة.
وزاد سوء الموقف على أمنية عدم وجود أي توعية صحية من أي نوع للنساء حول انقطاع الطمث، سواء من الهيئات الحكومية أو حتى الأطباء في العيادات الخاصة. على عكس حملات التوعية ضد الأمراض المختلفة، لا يوجد أي حديث معلن حول تلك المرحلة التي تمر بها كل امرأة.
الأغرب هو امتداد حالة الصمت إلى الأحاديث المجتمعية أو داخل دوائر النساء أنفسهن، فرغم أن جروبات النساء على فيسبوك تتطرق لكثير من التابوهات فإن انقطاع الطمث ليس من بينها.
وبينما تتناول المواقع الطبية والمدوِّنات باللغة الإنجليزية والطبيبات الأجنبيات الموضوع باستفاضة، وتطلق عليه فترة البلوغ الثانية، باعتبارها تغيرات جسدية عادية، فلا تزال مثل تلك الأحاديث بعيدةً عن مجتمعنا.
والمثير للعجب، أن أعراض انقطاع الطمث التي عانتها أمنية ونادية ليست أعراضًا نادرة تصيب نسبة قليلة من النساء حتى يتم تجاهلها، بل تصيب الغالبية منهن، وبحسب دراسة بعنوانMenopausal Symptoms : Comparative Effectiveness of Therapies تعاني نحو 85% من النساء من أعراض متفاوتة في النوع والشدة.
الصمت يدفع النساء إلى دوائر الألم
ككافة التغيرات الجسمانية التي تصيب أي إنسان، ذكرًا كان أو أنثى، في المراحل العمرية المختلفة، توجد علاجات وأدوية وأسلوب حياة يساعد المرء على التعامل معها وتخطيها. تقول ياسمين أبو العزم، طبيبة النساء والتوليد إنه طوال حياتها العملية كطبيبة لم تزرها امرأة تبحث عن علاج لأعراض انقطاع الطمث، أو لمحاولة تخفيفها.
تتفق معها استشارية النساء والتوليد، الدكتورة عفت الصيرفي، التي عملت لنحو ثلاثين سنة في مصر والسعودية، "في مصر لا تشكو النساء إلا في الحالات القصوى التي تصل فيها الأعراض إلى تهديد ممارسة الحياة الطبيعية من الأساس، مثل الهبات الساخنة الشديدة، أو الأرق العنيف الذي يصل لأيام بلا نوم، في هذه الحالة تلجأ المرأة لعلاج هذا العرض فقط، وغالبًا تخضع للعلاج الهرموني بعد أن تصل السيدة إلى حالة لا يصلح معها العلاجات التكميلية العادية أو العشبية".
ويمكن أن يؤدي إهمال أعراض انقطاع الطمث إلى آثار أكبر. تذكر الصيرفي إحدى الحالات لامرأة في الخمسينيات انقطع عنها الطمث في سن طبيعي، لكن ظهرت عليها أعراض تزايدت على نحو متسارع مع الإهمال، مثل الهبات الحرارية التي تستمر لدقائق، والتعرق الشديد، ثم عودة الطمث بعد شهور من انقطاعه بنزيف شديد يستمر لأيام.
نتيجة لتأخر علاج هذه الاضطرابات الهرمونية، أصيبت المريضة بارتفاع في ضغط الدم، والسكري من النوع الثاني، لتنقلب أعراض انقطاع الطمث التي كان من الممكن السيطرة عليها بأدوية تكميلية إلى أمراض تستلزم علاجًا مدى الحياة.
وتقارن الطبيبة بين حالة التجاهل والإنكار الشديدة في مصر مقابل الوعي في بلاد عربية أخرى مثل السعودية التي عملت بها "في السعودية تعرف النساء من كل المستويات الاجتماعية والثقافية عن العلاجات التكميلية لأعراض انقطاع الطمث منذ نحو عشرين عامًا تقريبًا، وهن من يتوجهن بأنفسهن للطبيب للسؤال عن الأدوية، وذلك لاهتمام الشركات المصنعة للمكملات والعلاج بالتوعية بطرائق مختلفة ومنها المحاضرات المجانية لأمهات الطالبات في المدارس الثانوية".
المريضة أكثر وعيًا من أطبائها
لا تقتصر الأزمة على النساء دائمًا، جزء منها قد يتحمله الأطباء. اعتادت نادية إجراء فحوصات دورية في مستشفى حكومي يقدم خدمة الفحوصات والتحاليل للنساء. ثم عرضت النتائج على طبيبها، لكن ما أثار استغرابها أن كلًا من طبيبها الخاص، والأطباء الذين فحصوها في المستشفى، لم يذكروا لها أعراض انقطاع الطمث، ولم يتعرفوا عليه كسبب للأعراض المسيطرة عليها.
عندما ظهرت نتيجة تحليل نسبة الكالسيوم في الجسم سألت الطبيب إن كانت تحتاج إلى مكملات غذائية، فنظر إلى نتيجة التحليل مرة أخرى ثم قال "يمكنك أخذ حبة كالسيوم يومًا بعد آخر إذا رغبتِ".
وجدت نادية هذه الإجابة محيرة للغاية، ماذا يعني "إذا رغبتِ"؟ هذا أمر لا يتعلق بالرغبة؛ بل بناء على التحاليل التي أجرتها بالفعل، والطبيب هو الذي يجب أن يحدد ذلك.
بحثت نادية عن نقص الكالسيوم فقرأت أنه يسبب هشاشة العظام التي تعد أحد الأعراض التي تصيب السيدات بعد انقطاع الطمث. ولمزيد من التوضيح فإنه إذا كانت ذروة كتلة العظام لدى المرأة قبل انقطاع الطمث أقل من المثالية، وهو أمر متوقع نتيجة لسوء التغذية أو تكرار الحمل والولادة، فقد يؤدي فقدان الكالسيوم الذي يحدث في فترة انقطاع الطمث إلى هشاشة العظام. ويشير أحد الأبحاث الذي أجري عام 2017 إلى أن واحدة من كل امرأتين فوق سن الستين ستعاني من كسر واحد على الأقل بسبب هشاشة العظام.
الحياة بعد البلوغ الثاني
وصلت نادية الآن، بفضل قراءاتها، إلى طريقة تتعايش بها مع أعراض انقطاع الطمث، لكن أمنية أقل حظًا. فغالبية النساء يحتجن إلى معرفة أن الأعراض ليست عقابًا يجب أن تتحمله، بل حلقة من طبيعة النمو والتقدم في العمر عمومًا، ويمكن التعامل معه بطرق طبية مختلفة. على سبيل المثال هناك علاجات تكميلية تحتوي على هرمونات تعوض تلك التي تغيرت نسبها نتيجة انقطاع الدورة الشهرية.
وتتضمن أساليب التعايش إجراء تغييرات في طبيعة الحياة اليومية مثل بدء روتين نوم لتحسين طبيعته، والحصول على قدر أكبر من الراحة، واتباع نظام غذائي صحي يحتوي على الأطعمة الغنية بالكالسيوم مثل الحليب واللبن واللفت للحفاظ على صحة العظام، وممارسة الرياضة بانتظام بما فيها حمل الأوزان لتدعيم عضلات الساقين والفخذين والظهر، والرياضات التي تؤدي للاسترخاء مثل اليوجا والمشي، كذلك التواصل مع أخريات يعانين من الأعراض نفسها للدعم النفسي.
تقول نادية مازحة إن لانقطاع الطمث الكثير من المزايا بالنسبة لها، فهي لم تعد قلقة من حدوث حمل غير مخطط له، وهذا أزاح عن كاهلها الكثير من الحذر في علاقتها الجنسية بشريكها التي تحسنت على نحو كبير، وكان حظها جيدًا أنها لا تعاني من جفاف المهبل ولا تحتاج لاستخدام المزلِّقات.
لا تزال أمنية قلقة مثل الكثيرات، لكن زيادة الوعي والحديث هو الخطوة الأولى لكسر هذه الدائرة المغلقة.