دمّرت الحرب الإسرائيلية على غزة حياةَ النساء الفلسطينيات، فإلى جانب ما تعرضن له من جرائم قتل واستهداف وحالات إجهاض وولادات مبكرة ناجمة عن القصف، فإنه ومع الحصار المفروض على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بات من المستحيل عليهن الحصول على مستلزماتهن الصحية الأساسية، على رأسها فوط الدورة الشهرية وفوط النفاس وأدوية وقف النزيف ومضخات اللبن.
حسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء يعيش في قطاع غزة 2.2 مليون نسمة تُشكل النساء 49% منهن أي ما يتجاوز المليون امرأة، يعيش أغلبهن حاليًا مشردات ما بين نازحة ولاجئة يحتمين في المدارس والمستشفيات كمراكز إيواء تعاني مثل غيرها من ندرة المياه والكهرباء والوقود، ما حوّل حياتهن إلى جحيم مع غياب الرعاية الطبية وعدم توفر المستلزمات الصحية.
هذه المعاناة الخاصة بالنسوة الفلسطينيات كانت أكثر ما استحوذ على اهتمام المصرية جنة عادل، بينما تتابع الأخبار الواردة من القطاع المنكوب، تقول لـ المنصة "لما عرفت فكرت إن ده بيحصل في ظل انقطاع الميه والإمدادات الصحية، ده خلّاني أفكر في الستات عمومًا، وفي إن الدورة الشهرية ممكن تبقى كابوس إضافي، تخيلت نفسي مكان واحدة فيهم قاعدة في مستشفى مستنية خبر حد من أهلي، وعندي الدورة ومفيش حتى فوطة صحية، أو شوية مياه أغسل بيهم جسمي".
بدأت جنة التي تعمل كاتبة ومترجمة البحث عن طريقة لمساعدة نساء غزة، كيف تبدأ ومن أين؟ فكونها إنفلونسر تملك آلاف المتابعين لا يكفي وحده لبدء حملة تبرعات وإدارتها فضلًا عن إمكانية توصيلها، لذلك لجأت لآية منير، وهي ناشطة نسوية ومؤسسة مبادرة سوبروومن، " كلمتها أشوف معاها لو ممكن ننظم حاجة لجمع تبرعات للغرض دا تحديدًا".
احتياجات النساء في غزة لن تُلبى إلى حد كبير
حدث ذلك بعد مرور أسبوعين فقط على الحرب، أي في منتصف شهر أكتوبر، كان زخم الأخبار الواردة عن وحشية العدوان، وما يخلفه من ضحايا محركًا للجميع. "بعد ما جنة كلمتني قدرت أجمع على حسابي الشخصي مبلغ 8,600 جنيه خلال 6 ساعات تقريبًا، سلمت الفلوس لجنة وهي سلمتها لمؤسسة مرسال" تقول آية منير لـ المنصة.
ليست رفاهية
كشف تقرير للاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة "IPPF" عن معاناة نساء غزة، خصوصًا الفتيات، بسبب النقص الحاد في منتجات النظافة الصحية الخاصة بالدورة الشهرية، مما أدى لإصابتهن بالتهابات المسالك البولية، بالإضافة إلى الأمراض المنقولة جنسيًا، مع عدم وجود علاج طبي في الملاجئ المزدحمة.
تقول جنة "عرفت إن الستات هناك بيضطروا يلجأوا لحبوب منع الدورة الشهرية وحبوب منع الحمل؛ وده فيه خطر أكيد عليهم".
يقول تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش، إنه في الوقت الذي تكافح غزة لعلاج آلاف الأشخاص الجرحى جراء القصف الإسرائيلي، فإن احتياجات النساء اللاتي يعانين من مشكلات الإجهاض والولادة والدورة الشهرية لن تُلبى إلى حد كبير.
ويؤكد التقرير أن الحصول على المياه ومرافق الصرف الصحي المأمونة ضروريٌّ للنساء والفتيات اللائي يديرن نظافتهن أثناء الدورة الشهرية، وعندما لا يتم تلبية هذه الاحتياجات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى التهابات خطيرة، بما في ذلك التهاب الكبد B والقلاع.
ويشير التقرير إلى الصعوبة التي تواجه النساء والفتيات بالملاجئ في الوصول إلى الإمدادات والمرافق، وأنه من المحتمل أن يؤدي نقص الوعي بصحة الدورة الشهرية، خصوصًا بين الرجال والفتيان، إلى تفاقم الصعوبات التي يواجهنها.
ذلك جعل من الاستمرار في تقديم المساعدات أمرًا لا بد منه، تحكي جنة عن خطوات توسيع شبكة الدعم، "الأول آية نزلت بوست شخصي على فيسبوك بتاعها، وسابت رقم فودافون لصحابنا يحولوا عليه، وتاني يوم حولنا الفلوس لمرسال، وهنا قررنا نتعاون معاهم مباشرةً بما أنهم مسموح لهم يجمعوا تبرعات على نطاق واسع، وبالفعل مشاركين في قوافل الإغاثة".
جنة التي كانت بادرت بتوصيل أول دفعة إلى مرسال، عرضت على المؤسسة تخصيص جزء من التبرعات لمستلزمات النساء، تقول "مرسال أخذوا وقتهم في التفكير وبعتولنا موافقتهم وبدأوا في تخصيص جزء من التبرعات واضح على الموقع لمستلزمات الستات".
حاولنا نبدأ نجمع ناس أكتر معانا "قولنا كمان نجمع مؤسسات نسوية معانا ونشتغل مع بعض كمجموعة" تقول جنة.
شبكة دعم
بدأت شبكة للدعم تتشكل ضمت عدة مبادرات نسوية، وهي سوبروومن وبراح آمن وإدراك للتنمية والمساواة وY peer egypt، بادروا بمشاركة الحملة على صفحاتهم على سوشيال ميديا.
الشبكة اتخذت شعارًا لها #العدوان_لن_يمنعهن_عن_كونهن_نساء؛ لإضافة بند ثابت خاص بنساء غزة في قوافل الإغاثة، يتضمن فوط الدورة الشهرية وفوط النفاس وأدوية وقف النزيف في حالات الولادة المُبكرة والإجهاض وكذلك مضخات اللبن؛ حيث يصعب عليهن في تلك الفترة الحصول على فرصة آمنة بشكل مستمر لإرضاع أطفالهن.
تحتاج المرأة لعشرين فوطة صحية بحد أدنى خلال أيام الدورة الشهرية، وينصح الأطباء بتغيير الفوطة الصحية عدة مرات في اليوم الواحد، مهما كانت كثافة دم الحيض.
"هدف الحملة تشجيع المتبرعين على اختيار بند المستلزمات النسائية علشان يساعدوا في توفير أكبر عدد من القايمة المطروحة" تؤكد آية منير.
كمبادرة ليست لديها صيغة قانونية لجمع التبرعات، وجدت شيماء طنطاوي ناشطة نسوية وإحدى مؤسسات مبادرة براح آمن في الحملة بابًا مفتوحًا، إذ تتحمل مرسال كمؤسسة خيرية مشاركة رسميًا في قوافل الإغاثة التي تحمل شعار "مسافة السكة" مهمة جمع التبرعات عبر موقعها، كما أمنت دخول المساعدات إلى غزة.
إجمالي المساعدات التي وصلت غزة 337 شاحنة بحمولة 6740 طنًا
تقول نجوى إبراهيم، المديرة التنفيذية لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة "من أول ما بدأ العدوان على قطاع غزة واحنا بنفكر ازاي ممكن نساعدهم هناك، سواء من خلال المناصرة من خلال الشبكات العربية والإقليمية، وتوصيل صوتهم، وترجمة بيانات، كل همنا رفع المعاناة عن النساء في القطاع لأن معاناتهم بتكون مضاعفة طبعًا".
وتضيف نجوى "لما شوفنا الكلام عن الحملة من خلال superwoman stories تواصلنا مع آية مباشرةً، وقولنا إننا حابين نشارك في توفير كافة المستلزمات الصحية للنساء والفتيات سواء في فترة الحيض والحوامل واللي بيتعرضوا لإجهاض مفاجئ نتيجة الحرب ونتيجة الاضطرابات، وبيحصل بعده نزيف ومضاعفات صحية".
يوجد بغزة نحو 50 ألف امرأة حامل، أي 160 ولادة يوميًا، ومئات الحالات من الولادة المبكرة والإجهاض بفعل القصف، حسب منظمة الصحة العالمية. هؤلاء النساء يحتاجن إلى فوط صحية بكميات أكبر طوال فترة النفاس التي تمتد من 6-4 أسابيع، ويمكن أن تصل إلى 12 أسبوعًا.
يؤكد الدكتور عمرو حسن، استشاري النساء والتوليد، أن عدم استخدام الفوط الصحية في فترة النفاس يعرض النساء لحمى النفاس، ويهدد حياتهن يقول لـ المنصة "أدوات النضافة الشخصية في هذه الحالة أمر ضروري وليس رفاهية".
"انتظرنا أيام على ما وصلنا رد من مؤسسات في غزة علشان نقدر نحدد الاحتياجات لمرسال من مستلزمات صحية نسائية وتطلع في القافلة اللي بنجمع لها تبرعات"، تقول جنة.
استغلت مؤسسة إدراك عضويتها في الشبكة العربية للمجتمع المدني النسوي والموجودة في 13 دولة عربية، من ضمنها فلسطين؛ تقول نجوى "حاولنا نتواصل مع مؤسسات في غزة سواء كانت إغاثية أو نسوية عشان يحددوا احتاجاتهم، وما نعتمدش على الأخبار فقط".
وتضيف "انقطاع الكهرباء والاتصالات أثر على تواصلنا معاهم بشكل كبير، لكن في الآخر قدروا يوصلولنا هما عايزين إيه وأهمها أدوية وقف النزيف وفيتامينات".
لم تكن تلك العقبة الوحيدة، حيث ظهرت عقبات أخرى أثناء عملية جمع التبرعات من مقاومة من المتبرعين، تحكي نجوى "كان لازم نخوض نقاش في محاولة لإقناع المتبرعين بسبب ردود زي ملقيتوش غير الفوط الصحية، وفيه حاجات أهم محتاجينها". وعن ذلك تقول شيماء طنطاوي "إقناع غير النساء بأهمية الحملة أكيد مش سهل؛ لإن النساء بيحسوا بمعاناة بعض أكتر".
وتضيف "بعد تشجيعنا للناس إنها تتبرع فيه إنفلونسرز كتير دعوا لنفس الفكرة". كما أن التقارير الحقوقية الرسمية الصادرة عن أوضاع النساء في غزة، بالإضافة إلى الفيديوهات المتداولة كان لها تأثيرها في توسيع مدى الحملة، توضح جنة "أصبح فيه أكتر من صوت بيتكلم عن الستات في غزة وإيه اللي بيحصلهم ونقدر نساعدهم ازاي وهكذا، فدي كانت من الحاجات الكويسة".
وصول المساعدات
تمكن التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، الذي يضم مؤسسة مرسال، من إطلاق 3 دفعات من القوافل الإغاثية، ليكون إجمالي المساعدات التي وصلت غزة 337 شاحنة بحمولة 6740 طنًا من الأغذية والمساعدات الطبية والأغطية والأكفان.
خصصت مؤسسة مرسال شاحنة لأدوات النضافة في دفعة المساعدات التي دخلت غزة 25 أكتوبر الماضي، ولا تزال مستمرة في إرسال أدوات النضافة الشخصية ضمن القوافل الإغاثية إلى غزة.
بعد مرور أكثر من شهر على بداية الحرب ترى جنة أن الاستجابة مُرضية، وتقول "طبعًا المشوار لسه طويل جدًا لأننا بنتكلم في أعداد ضخمة من الستات والبنات بيواجهوا كارثة إنسانية بكل المقاييس، فحتى بعد وقف إطلاق النار ما أظنش إن الفوط الصحية هترجع تتوفر في غزة بسهولة، والستات هتفضل ستات أكيد وستظل احتياجاتها متكررة شهريًا".
تقول جنة "رغم إحساس العجز اللي مسيطر علينا، لكن احنا في النهاية مش بندخر أي جهد وبنعمل كل اللي نقدر عليه لمساعدة أهلنا في غزة".
وتتفاءل نجوى بالنتيجة "إننا قدرنا نقنع مؤسسة خيرية بالتعاون وفتح حساب خاص بمستلزمات النساء أمر غير هين ويدينا طاقة إننا نفكر، وهنشتغل أكتر على دعم الستات في غزة". أما شيماء طنطاوي فتقول "المشوار كان طويل بس نجحنا وقدرنا ندخل مستلزمات كتير".
تشاركها جنة الإحساس بالنجاح، تقول "نسبة التبرعات اللي وصلتنا وخلتنا نحس فعلًا إن صوتنا مسموع وقدرنا نعمل حاجة". ذلك النجاح ستصحبه فرحة حقيقية إذا ما تحقق ما يتطلعن إليه جميعًا تعبر عنه جنة بقولها "مش بنتطلع حاليًا غير لوقف إطلاق النار وإدخال الإغاثات فورًا وبلا أي مماطلة، بعدها أعتقد هنعرف نفكر في صور وآليات مساندة دايمة، لتوفير خط دعم مفتوح بين نساء القاهرة ونساء غزة".