من الفيلم المكسيكي نظام جديد- الصورة IMDB

تعال يا عزيزي نأكل الأغنياء: الصراع الطبقي في السينما المعاصرة

منشور السبت 25 يونيو 2022

 

ثمة شبح يطارد السينما، يستقي إرثه من شبح الشيوعية الأحمر الذي استحضره ماركس وإنجلز ذات يوم، وينشط منذ العقد الأول من الألفية الحالية، حتى بات يسيطر على أفلام النوع من هوليوود إلى الواقعية الاجتماعية الأوروبية، وحتى السينما الكورية والمكسيكية؛ شبح: الصراع الطبقي.

من حيث المبدأ، لطالما تميّز تاريخ السينما بقصص الصراع الطبقي، فثمة خطوط ومسارات يمكن رصدها مما وضعه صانعو الأفلام الروس مثل سيرجي ميخائيلوفيتش آيزنشتاين وفسيفولُد إيلاريونوفيتش بودوفكين، والألمان في عهد جمهورية فايمار، مرورًا بأفلام العصابات من إنتاج وارنر براذرز، واقتباس جون فورد لـرواية عناقيد الغضب لجون شتاينبك، وأيضًا من خلال الواقعية الجديدة لسينما الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وحتى الموجة الجديدة في فرنسا وهوليوود الجديدة، لكن سينما الصراع الطبقي تشهد ذروة غير مسبوقة الآن.

على عكس توقعات أولئك الذين اعتقدوا أنه بنهاية الحرب الباردة وحلّ حلف وارسو ستنحلّ الجبهات داخل النظام الرأسمالي أيضًا، فإن تلك الجبهات تكثفت خلال الثلاثين سنة الماضية، بينما استمرت الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الاتساع، وتوقفت نظم الحماية الاجتماعية في العديد من الدول ومعها إمكانيات التخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية.

تطورات مثل تلك تشكّل السينما المعاصرة. المزيد والمزيد من المخرجين يتفاعلون معها بأفلام تشهد، من ناحية، على عجز وغضب أولئك الخائفين باستمرار على وجودهم، ومن ناحية أخرى، تصوّر تشاؤم أولئك الذين يراكمون المزيد والمزيد من القوة والثروة. وهكذا، فإن سينما الصراع الطبقي تشهد ذروة جديدة، ولطالما كان لأفلام النوع أهمية خاصة في هذا السياق وهو ما نسعى لرصده، لأن فيلم العصابات لم يعد لازمًا أن ينتهي بجملة "الجريمة لا تفيد"، مثلما لم يعد ممكنًا نفض رعب فيلم الرعب بالكامل بعد انتهائه، لأن التهديد حاضر ومستمر خارج الشاشة ويُختبر يوميًا تقريبًا.

نظام جديد

في فيلم الصيد (2020، كريج زوبِل)، تستيقظ مجموعة صغيرة من الناس في الغابة، لا يعرفون أين هم ولا كيف وصلوا إلى هناك، وبعد لحظات قليلة من استيقاظهم، يتعرضون للهجوم، والأسلحة التي عثروا عليها في الخلاء لا تساعد كثيرًا، لأن الهجوم يباغتهم فضلًا عن تنظيمه الجيد.

بالنسبة لأولئك الذين نجوا من هذه اللحظات الأولى من الفيلم، تبدأ عملية مطاردة بلا رحمة، اكتشفوا خلالها أنهم تعرضوا للاختطاف من الولايات المتحدة ونُقلوا إلى مكان ما في أوروبا الشرقية. خاطفوهم وصيادوهم هم مجموعة صغيرة من المليونيرات الليبراليين ورؤساء الأعمال المقرّبين من الحزب الديمقراطي.

 

تريلر فيلم الصيد


الهجائية السوداوية المعتمدة هنا، على منوال فيلم الرعب الكلاسيكي اللعبة الأكثر خطورة (1932، إيرفينج بيشيل وإرنست ب. شودساك) والعديد من الأفلام الأخرى التي يُطارد فيها الناس، تعود جذورها إلى قصة قصيرة بعنوان اللعبة الأكثر خطورة للكاتب الأمريكي ريتشارد كونيل، ومثل أسلافه، لا يدع زوبِل أدنى شك في أن هذه الحكاية تشهد على نوع معين من صراع البرجوازية ضد البروليتاريا. يمكن لمن يملكون المال والسلطة أن يجعلوا أنفسهم حكّامًا على حياة وموت الأشخاص الآخرين الأقل حظًا. في الصيد، يأخذ هذا السيناريو بعدًا آخر.

الضحايا المختطفون من ممثلي النخبة الأمريكية والمنقولين على متن طائرة فاخرة لم يُختاروا بشكل تعسفي أو اعتباطي، كما أنهم ليسوا أشخاصًا بلا مأوى مثل أولئك الذين تم اصطيادهم في فيلم النجاة من اللعبة (1994، إرنست ر. ديكرسون)، وهو فيلم آخر مأخوذ عن القصة القصيرة نفسها، بدلاً من ذلك، هم جزء من حركة MAGA (اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى)، أو بعبارة أخرى داعمي اليمين الذين يؤمنون بما يروجه ترامب الجمهوريين من نظريات المؤامرة على الإنترنت.

تقول إحدى هذه النظريات إن الديمقراطيين الأغنياء يذهبون في رحلات صيد لقنص معارضي سياساتهم، هذه الشائعات الغريبة تحديدًا، مثل Pizzagate وQAnon، تأتي ضمن حرب ثقافية عميقة في الولايات المتحدة، صراع هو في الوقت ذاته نسخة معاصرة من حرب طبقية تغذّيها الأوهام العنصرية والفاشية؛ هي التي أعطت آثينا (لعبت دورها هيلاري سوانك) وجماعتها الديمقراطية فكرة القيام بمطاردة فعلية.

تخلق نظرية المؤامرة واقعًا جديدًا يقع فيه أولئك الذين يحرّضون الآخرين من خلال المعلومات المُضلِّلة ضحية أكاذيبهم. هناك شيء من العدالة الشعرية في تناول زوبِل الساخر لأمريكا المدفوعة إلى شفا حرب أهلية من قبل ترامب وأنصاره. ومع ذلك، فإن الفيلم لا يقف بأي حال من الأحوال مع الصيادين. هم، مثل ضحاياهم، كاريكاتوريون ومستحقو شفقة. عندما يتغنّى بعضهم بخطابٍ صائب سياسيًا بينما ينتظر فرصة قتل "المتخلفّين" وأنصار ترامب، يصبح نفاق المؤسسة الديمقراطية، التي لا تهتم أيضًا بالتغيير الاجتماعي والاقتصادي، واضحًا.

على عكس فيلم جوكر (2019، تود فيليبس)، الذي يحوّل القصة الأصلية لأشهر شرير في عالم دي سي السينمائي إلى تحذير من الأوهام القاتلة العنيفة للذكورة المؤذية والمضطهَدة، وعلى عكس الفيلم المكسيكي نظام جديد (2020، ميشيل فرانكو)، الذي يصوّر البروليتاريا المتمردة على أنها عصابة قاتلة عشوائية تسمح لنفسها بأن يتم استغلالها من قبل السياسيين وقادة الجيش عديمي الضمير، يمثّل الصيد تصويرًا معقدًا للظروف المعاصرة. يكتفي كل من فيليبس وفرانكو بالتأكيد على التناقض واللا عدالة في أفلامهما وينتهي بهما الأمر إلى تشويه سمعة ثورة المضطهدين والمستغلين، باعتبارهم مفعولًا بهم في كل ظرف وأي سياق.

في التحليل النهائي، يطلب جوكر ونظام جديد من البروليتاريا أن تتصالح مع دورها ووظيفتها داخل النظام الرأسمالي. يبدو أن أي محاولة لتغيير أي شيء هنا تؤدي فقط إلى تجاوزات إجرامية أو نظام فاشي. عدمية كاملة.

الزومبي.. أو البروليتاريا الرثّة

أفلام الزومبي مادة خصبة لتمثّل كافة أنواع الصراعات الكبرى في تاريخ البشر. جورج أ. روميرو واحد من أشهر روّاد هذا النوع ومثوّريه. في فيلمه أرض الموتى (2005) تدور أحداث القصة أثناء زمن يسيطر فيه الموتى الأحياء على الكرة الأرضية إلا مدينة يحيطها البشر بالأسوار وتحميها دبابة متطورة يقودها رايلي دينبو. هناك أيضاً أسوار داخل الأسوار، تعزل الأثرياء في ملاذهم الفخم (فيدلر جرين) بينما يُترك الفقراء لتدبر أمورهم خارج أسوارها (مثلما في قلعة بروسبيرو من قصة قناع الموت الأحمر لإدجار آلان بو).

 

تريللر أرض الموتى


لسنوات، كان دينبو، الذي يؤدي دوره سايمون بيكر، يقتل الزومبي من أجل رفاقه في مدينة بيتسبرج، الملاذ الأخير للبشر الناجين. مرارًا وتكرارًا تولّى مهامًا قادته إلى ضواحي بيتسبرج التي يسكنها الموتى الأحياء لتنظيم الإمدادات للناس في المدينة. الآن لديه هدف واحد فقط في ذهنه: أن يترك ورائه بيتسبرج وحرب الأحياء ضد الموتى. لكن قبل أن ينطلق رايلي شمالًا مع حفنة من رفاق السلاح، يتخذ قرارًا مفاجئًا بقدر ما هو تبعي. بدلاً من مهاجمة وربما تدمير جيش الزومبي الذي يقوده ميكانيكي السيارات السابق وعامل محطة الوقود بيج دادي، فإنه يتركهم يشقّون طريقهم ويشاهدهم أثناء ذلك عبر جسرٍ صاعد إلى المدينة. يقول لرفيقه "الزومبي، مثلنا، يبحثون فقط عن مكان يمكنهم العيش فيه دون إزعاج".

لطالما كانت أفلام الزومبي لجورج أ. روميرو أمثولات سياسية أيضًا. الموتى الأحياء الهائمون داخل أحد مراكز التسوّق في فجر الأموات (1978) يمكن التعرّف فيهم على صورة رمزية للجماهير المتدفقة عبر مراكز التسوق الأمريكية يومًا بعد يوم، أي الزومبي المستهلكين. ولكن لم يتبن روميرو فلسفة التاريخ التي حدّدها ماركس وإنجلز، منظرا الشيوعية الأبرز، سوى بشكل أكثر وضوحًا مثلما في فيلمه أرض الموتى. "إن تاريخ كل المجتمعات الموجودة حتى الآن هو تاريخ الصراع الطبقي". يتردّد صدى هذه الجملة في كل لقطة من الفيلم. الفارق أنه لم تعد الصراعات الطبقية محصورة بين البروليتاريا والبرجوازية. هناك جبهة ثانية، وهي تنتشر في صفوف البروليتاريا. رايلي وكلّ من يكسبون رزقهم بقتل الزومبي يسمحون لأنفسهم بأن يُستغلّوا من قبل الحُكَّام من أجل ضمان استمرار/استقرار النظام.

من المنطقي أن يعلن تشولو، الساعد الأيمن لرايلي، الحرب على الأغنياء عندما يرفضون قبوله في صفوفهم. هجومه على ناطحة سحاب فيدلر جرين الفاخرة وسيّده السابق، يعكس جميع الثورات التي حدّدها ماركس وإنجلز باعتبارها جانبًا مركزيًا في "تاريخ كل المجتمع السابق". لكنه صراع أناني: تشولو معني فقط بالمشاركة في ثروة القلة بأن يكون أوليجارشيًا مثلهم، وليس بتغيير الأوضاع. في الناحية الأخرى، يختار رايلي الخروج من دائرة صراع البروليتاريا ضد "البروليتاريا الرثّة" (التي يجسّدها الموتى الأحياء هنا) المفروض عليه، وهذا التغيًّر الإدراكي يجعل الثورة الحقيقية ممكنة.

الصراع الطبقي من أعلى

إذا كان هناك حاليًا مخرج ورث أسلوب ومزاج جورج أ. روميرو محاولًا استغلال الإمكانات التخريبية لسينما النوع، فهو جيمس دي موناكو. سلسلة التطهير التي كتبها وأخرجها: التطهير (2013)، التطهير: الفوضى (2014)، التطهير: سنة الانتخابات (2016) وفيلم جيرارد ماكموري التطهير الأول (2018)، الذي كتب دي موناكو السيناريو له؛ تلقي نظرة فاحصة على المجتمع الأمريكي. التطهير، هذه الاثنتي عشرة ساعة من الخروج على القانون، التي من المفترض أن يقوم الناس خلالها بتطهير أنفسهم من دوافعهم المدمّرة ونوازعهم الشريرة، تعني في الواقع شكلاً مختلفًا تمامًا من التكفير عن الذنب أو مراجعة الآثام.

لا يتعلق الأمر بنوايا طيّبة، بل بمصالح مالية وسياسية ملموسة. إذ وجدَ الحزب الحاكم، حيث يمكن بسهولة التعرُّف على نسخة متطرّفة من السياسيين الجمهوريين المحافظين تهيمن عليهم قوى إنجيلية، طريقة لإضفاء الطابع المؤسسي على الصراع الطبقي من أعلى من خلال طقس التطهير السنوي. يُشار إلى هذا بالفعل في الجزء الأول من السلسلة، حتى لو كان يتحدث بشكل أساسي عن صراعات التوزيع في الطبقة الوسطى العليا.

تأثُر الجزأين المكمّلين للسلسلة بشكل واضح بأفلام روميرو وجون كاربنتر مثل الهروب من نيويورك (1981) أو إنهم يعيشون (1988)، لا يدع مجالًا للشكّ في أن ليلة التطهير ليست سوى هجوم واسع النطاق على الفقراء، البروليتاريا التي أضحت غير ضرورية أكثر فأكثر، بالنسبة لمصالح الأغنياء. الشاحنات شبه العسكرية في التطهير، الفوضى وفرق الموت في التطهير: سنة الانتخابات ليست سوى تجليّات واضحة لطرق القتل الصناعي. لكن الحرب المميتة التي يشنّها الأغنياء وأصحاب النفوذ علانية ضد الفقراء لليلة واحدة هي التي تجمعهم معًا.

وفي حين أن بطلات وأبطال الجزء الثاني من السلسلة الفيلمية يذكّروننا بالتحالفات الطارئة أوقات الأزمات بين نماذج الأمريكيين المنعزلين، التي أظهرها كاربنتر وروميرو كمتمردين أناركيين في الأساس؛ يُلاحظ في الفيلمين التاليين، التطهير: سنة الانتخابات والتطهير الأول، تحالف النشطاء وتجار المخدرات سويًا للمحاربة ضد الإرهاب الذي تنظّمه الدولة. هذا التضامن بين المستضعفين، كما يُظهر الفيلمان، يمكنه تحويل الصراع الطبقي من أعلى إلى صراعٍ من أسفل يملك القدرة على تغيير الولايات المتحدة من الألف إلى الياء.

أمل صغير

هكذا، ترتبط أعمال جيمس دي موناكو، التجارية الصرفة إن جاز التعبير، بسينما مختلفة تمامًا عن الصراع الطبقي، أي سينما المؤلف. مثل دي موناكو، فإن كين لوتش والمخرج الياباني هيروكازو كوري-إيدا مقتنعان بأن حاضرنا يتسم بالصراعات الطبقية المكبوتة والمحجوبة. تواجه الشخصيات في أنا، دانييل بليك (2016، كين لوتش)، وسارقو المتاجر (2018، هيروكازو كوري-إيدا) نظامًا لا يترك لهم أي مخرج من الفقر. وجودهم بمثابة صراع وحيد لا ينتهي من أجل البقاء ويسلبهم أي قوة لمحاربة النظام.

لكن على عكس أفلام الزميل الفرنسي ستيفان بريزيه، الذي رسم صورتين واقعيتين للغاية للحياة العملية في أوائل القرن الحادي والعشرين بفيلميه قانون السوق (2015) وفي حرب (2018)، هناك بقايا من الأمل عند لوتش وكوري إيدا. ليس الأمر أن لحظات التضامن بين أفراد البروليتاريا تغيّر أوضاعهم، لكنها تساعدهم في احتمالها، ولو لفترة قصيرة. صاحب المتجر في سارقو المتاجر الذي يتعمّد النظر في الاتجاه الآخر عندما يسرق أفراد الأسرة شيئًا منه، أو الصداقة بين النجّار العاطل عن العمل دانييل بليك والأمّ العزباء كاتي تشهد على إنسانية لا تزال قادرة على إظهار نفسها حتى تحت أسوأ الظروف.

لا يمكن تخيُّل ثورة في هذه الأفلام، كما هو الحال في أفلام بريزيه المحمومة والضاربة بكلتا قدميها في وحل الواقع. لكن ربما لا يزال بإمكان أعمال التضامن الصغيرة هذه أن تحدث فرقًا.

الجميع ضد الجميع

يمكن أيضًا العثور على أثر لهذا الأمل، غير العقلاني ربما، في أعمال المخرج الذي مثّلت أفلامه في السنوات العشرين الأخيرة سينما بوعي طبقي كما لم يفعل أحد من مجايليه. في محطّم الجليد (2013) والمضيف (2006)، كما في طفيلي (2019)، يركّز السينمائي الكوري بونج جون هو اهتمامه على تأثيرات النظام الرأسمالي على أولئك الذين لم يتبق لهم سوى بيع أنفسهم بوصفهم أفرادًا قادرين على العمل، محيلًا أفلامه صورًا وأمثولات رمزية بطريقة جذرية وممتعة.

في فيلم ديستوبيا الخيال العلمي محطّم الجليد، هناك تمرُّد ملموس للبروليتاريا ضد مضطهديها في آخر القطارات الناجية من كارثة مناخية. ومع ذلك، يتبدّى لاحقًا أن هذا الصراع الطبقي ليس أكثر من طقسٍ يتعهّده النظام الحاكم بالرعاية والمراقبة، وحتى الرغبة في تغذيته، بهدف إدامة الظروف.

رسمَ بونج هذه الصورة القاتمة لمستقبلٍ من الواضح أنه مرآة لحاضرنا بصورة أكثر واقعية في طفيلي كما في المضيف، وهو دراما اجتماعية وفانتازية حول الأعمال التجارية التي يمكن صنعها في كوريا الجنوبية عبر استغلال اللاجئين غير المنظّمين.

في هذه الأفلام، التي تحكي عن الحياة المعاصرة في كوريا الجنوبية بوسائل وعناصر سينما النوع الكلاسيكية، يدور الصراع الطبقي في المقام الأول داخل البروليتاريا نفسها. المستغَلّون يقاتلون بعضهم البعض من أجل الفتات. التضامن لا يمكن تصوّره في مجتمع يعلن فيه الضعيف الحرب على الأضعف في كل فرصة.

لكن البريطاني بن ويتلي يرسم صورة أكثر تشاؤمًا عن العالم في فيلمه ارتفاع شاهق (2015)المقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتب جيه جي بالارد. يصبح المبنى الشاهق الفاخر صورة مصغرة لمجتمع يتفاعل فيه الأغنياء بأكثر الطرق غدرًا مع مطالب الأقل حظًا. تُقابل احتجاجات الأخيرين بهجمات شرسة تهدف إلى ترسيخ الظروف القائمة، لكنها تؤدي في النهاية إلى سقوط الجميع. يؤدي صراع الطبقات في المبنى الشاهق إلى وحشية عامة وإلى شكل من أشكال الفوضى تنتصر فيه الطبيعة "الذئبية" للإنسان.

استراتيجية الكومونة

شبح الصراع الطبقي الذي يطارد السينما حاليًا، بشكل عام، شبح ضئيل الأمل. لم يعد معظم صانعي الأفلام الذين يتحدثون عن القوة التدميرية للنظام السائد يعتقدون أنه لا يزال بالإمكان تغييره أو اختراقه أو حتى إحداث ثورة فيه. لكن هناك أيضًا فيلم ليس مخصصًا فحسب لصراع طبقي حقيقي للغاية، انتفاضة كومونة باريس عام 1871، التي قُمعت بوحشية شديدة، ولكنها تعرض أيضًا بدائل للوضع الراهن.

الفيلم المعني هو الكومونة (باريس، 1871)، الذي أنجزه بيتر واتكينز عام 1999 وعُرض لأول مرة على شاشة التلفزيون في عام 2000، وفيه يقوم بإعادة بناء الأحداث التاريخية وفي الوقت نفسه يسائلها من منظور عصرنا. في الفيلم تُبثّ الثورة عبر قناتين: تلفزيون القصر وتلفزيون الثوّار، وبالتالي هناك موقفان سياسيان مختلفان يتنافسان.

بهذه الطريقة، يتناول واتكينز أيضًا سلطة ومسؤولية وسائل الإعلام. وبالمثل يسائل سلطته هو أيضًا كسينمائي يتصدّى لإنجاز عملٍ فني يتناول ذلك الحدث التاريخي، من خلال مناقشات يثيرها فريقه من الممثلين الهواة، بشكل أقرب إلى روح السينمائي والمنظّر جان لوك جودار، أي صناعة الأفلام السياسية بنهجٍ سياسي.

 

لا يتحدث الكومونة عن ظهور كومونة باريس وسقوطها فقط. الفيلم نفسه نتاج عمل مجموعة من الأشخاص تضم أكثر من 200 مشارك تجرّأوا على الانخراط في تجربة تعاونية حقيقية. خاصة في الجزء الثاني من الفيلم الذي يقارب الخمس ساعات، هناك دائمًا مشاهد يتحدث فيها الممثلون عن وجهة نظرهم الشخصية عن الكومونة والأشخاص الذين يمثّلونهم. تتجلّى ضرورة التغيير الاجتماعي في عملية فنية. وهكذا فإن الكومونة (باريس، 1871) يمثل صراعًا طبقيًا غير دموي قائم على المناقشات والعمل الجماعي، يبدأ من الميديا ويراها مثالًا لصراعات أخرى أبعد مدى وتأثيرًا.